سياسة

هل اندماج قسد في صفوف الجيش السوري إعلانٌ لموت مطالب اللامركزية؟

في خضم التوترات الأخيرة التي شهدتها حلب، تحديداً في حيي الأشرفية والشيخ مقصود، تتسارع اليوم التفاهمات بين قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والحكومة السورية، لتضع قضية دمج “قسد” ضمن صفوف الجيش السوري في صدارة المشهد السياسي. هذا التحرك يطرح تساؤلات أساسية حول طبيعة هذا الاندماج: هل هو مجرد خطوة تنظيمية لإعادة توحيد المؤسسة العسكرية، أم أنه تطبيق ضمني لمشروع اللامركزية الذي طالما سعت “قسد” لتحقيقه؟

يرى الباحث السياسي بسام السليمان أن مسألة اللامركزية الإدارية في سوريا لا تُشكل مشكلة إذا كانت قائمة على أساس المحافظات الإدارية الحالية، معتبراً أنها مقبولة من الناحية الإدارية والتنظيمية.

ولكن، يحذر السليمان من أن أي لامركزية تُبنى على أساس عرقي أو طائفي أو ديني تشكل خطراً كبيراً، إذ يمكن أن تؤدي بشكل مباشر إلى تقسيم سوريا. ويؤكد أن هذا النوع من اللامركزية مرفوض داخلياً وخارجياً، لأنه يفتح الباب للصراعات والانقسامات على أسس الهوية، بينما يمكن أن تكون اللامركزية الإدارية التقليدية وسيلة لإدارة البلاد بشكل أكثر فعالية دون المساس بوحدة الدولة.

مسار دمج “قسد” بالجيش السوري

وقد أوضحت فوزة يوسف، الرئيسة المشتركة لوفد التفاوض مع الحكومة السورية، أن إدماج قوات سوريا الديمقراطية (“قسد”) ضمن الجيش السوري قد يعزز من طابع المؤسسة العسكرية كمؤسسة وطنية تخدم جميع السوريين، بعيداً عن الانقسامات الطائفية والقومية. وأشارت في حديثها لصحيفة تركية إلى أن الاجتماعات الأخيرة في دمشق ركزت على تحديد مستقبل العلاقة بين “قسد” والجيش السوري وآليات دمج القوات ضمن المؤسسة العسكرية.

وأوضحت يوسف أن النقاشات تضمنت تنظيم “قسد” في ثلاثة فيالق عسكرية، بالإضافة إلى بحث التعاون في مجال الأمن الداخلي لضمان الاستقرار. ورغم أن العديد من بنود الاتفاق بين الإدارة الذاتية ودمشق لم تُنفذ بعد، أعربت عن أملها في استمرار العملية، وشددت على أن الاستقرار السياسي والاقتصادي في سوريا مرتبط بحل ديمقراطي عادل، وأن التهدئة شرط أساسي لأي مشروع اقتصادي أو إعادة إعمار، ما يتطلب اتفاقاً وطنياً شاملاً.

وفي مقابلة لرووداو مع أبو عمر الإدلبي، قائد لواء الشمال الديمقراطي، أوضح أن قوات سوريا الديمقراطية ستندمج مبدئياً ضمن تشكيلات الجيش السوري الجديد، من خلال ثلاثة فيالق عسكرية وعدة ألوية مستقلة، منها لواء لوحدات حماية المرأة، على أن يتم تحديد التفاصيل النهائية وفق الآليات التي ستُتفق عليها في جولات التفاوض المقبلة. وأكد الإدلبي أن “قواتنا ستظل حاضرة حيث يتطلب الأمر حماية شعبنا وبلدنا من مختلف التحديات والمخاطر، بما في ذلك الإرهاب والاعتداءات الخارجية”.

وفيما يخص اتفاق 10 آذار، حدد الإدلبي نهاية العام الحالي كموعد مبدئي لتنفيذ كافة بنوده، منوهاً على أن هذا الموعد قابل للتعديل بما يضمن تحقيق نتائج ملموسة، ومستندة إلى توافقات صحيحة، لتكون أساساً لسوريا الجديدة بعد زوال النظام السابق.

في سياق آخر، تحدثت فوزة يوسف عن التوتر الأخير في حيي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب، مشيرة إلى أن النظام فرض حصاراً ومنع الإمدادات، ما أثار ردود فعل محلية، مؤكدة التوصل إلى وقف لإطلاق النار وصفته بـ”الهش”، مع استمرار المساعي لتنفيذ اتفاق الأول من نيسان وضمان التزام الطرفين.

بينما ذكرت التقارير الحكومية أن الاشتباكات بدأت عندما رصد الجيش نفقاً تابعاً لقسد، أدى إلى مواجهات في محيط الحيين، تضمنت استخدام مقاتلين مدنيين واشتباكات مع حواجز الأمن الداخلي، بالإضافة إلى استهداف الأحياء بقذائف الهاون.

والجدير بالذكر أنه سبق لفوزة يوسف أن شاركت في اجتماع مع الحكومة السورية في 28 أيار لمناقشة بنود اتفاق 10 آذار الموقع بين القيادة السورية وقسد، ما يشير إلى استمرار الحوار حول دمج القوات وملامح الحل السياسي.

الموقف التركي من الاندماج والوحدة الوطنية

من الجانب التركي أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أهمية دمج قوات سوريا الديمقراطية “قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية بسرعة، باعتباره خطوة استراتيجية تعزز الوحدة الوطنية وتسهم في تسريع التنمية في سوريا. وأشار خلال تصريحات صحفية على متن الطائرة عقب مشاركته في قمة شرم الشيخ إلى دعم تركيا لرؤية الحكومة السورية الجديدة، واصفاً إياها بالشاملة التي تراعي جميع المكونات العرقية والدينية في البلاد.

وشدد أردوغان على ضرورة ألا تنجر “قسد”، بقيادة وحدات حماية الشعب الكردية، إلى ما وصفه بالطرق الخاطئة، ودعى إلى دعم وحدة الأراضي السورية والعمل مع الدولة نحو مستقبل مزدهر. كما حذر من القوى التي تسعى لإعادة الصراع إلى سوريا، مؤكداً أن من يتعاون مع أنقرة ودمشق سيحقق مكاسب، ومن يسعى لرعاة آخرين سيخسر.

من جانبها، اعتبرت فوزة يوسف، الرئيسة المشتركة لوفد التفاوض مع الحكومة السورية، أن موقف تركيا يعكس سياسة إنكار، وأن أنقرة تحاول تدمير المؤسسات الكردية تحت شعار الاندماج، وربطت تركيا الملف الكردي في سوريا بما يجري في شمال كردستان، وهو ما وصفته يوسف بالمقاربة الاستراتيجية الخاطئة. وأكدت أن الاعتراف بالحقوق الديمقراطية للكرد سيخلق فرصاً حقيقية للاستقرار عبر الحوار وليس التصعيد.

وأوضحت يوسف أن الاتصالات مع تركيا محدودة وغير مباشرة، مؤكدة أن الإدارة الذاتية لم تهاجم تركيا بل دافعت عن نفسها، وأن الهجمات لم تحقق لأنقرة أي مكاسب، مع إبراز رغبتها في التفاهم رغم تمسك الحكومة التركية بخيار المواجهة.

مسار توحيد الصف الكردي داخلياً

تحدثت فوزة يوسف عن مسار توحيد الصف الكردي في روجافا، مؤكدة أن العملية ما تزال مستمرة بخطوات بطيئة لكنها ثابتة، رغم محاولات متعددة من أطراف مختلفة لإضعافها أو جرها نحو الانقسام، موضحة أن هذه المحاولات لم تحقق أهدافها وأن الموقف الكردي الموحد بدأ يترسخ مع مرور الوقت.

وأشارت يوسف إلى أن المرحلة الحالية تتطلب الانتقال من الحوارات الجزئية إلى خطوة شاملة، عبر عقد مؤتمر وطني كردي يقوم على أسس الوحدة الديمقراطية، ليضم الكرد في جميع المناطق التي يتواجدون فيها، وليس فقط في روجافا.

وأكدت أن تحقيق هذه الوحدة سيكون تحولاً تاريخياً يمكن أن يجعل هذا القرن “قرن الكرد”، مشيرة إلى أن الخبرات السياسية والعسكرية والإدارية المتراكمة على مدى السنوات الماضية توفر أساساً عملياً لتجسيد هذا الهدف.

المفاوضات المستمرة مع دمشق والأبعاد الدولية

تستمر مفاوضات الإدارة الذاتية و”قسد” مع الحكومة السورية في دمشق، وتركز على ملف دمج القوات ضمن الجيش السوري. وآخر الاجتماعات جرت مساء الاثنين 13 تشرين الأول، بحضور وفد عسكري من “قسد” ضم قيادات مثل سوزدار حاجي وسيبان حمو والمتحدث أبجر داؤود والقيادي شاكر عرب، حيث اجتمعوا مع وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة.

كما عقدت اللجنة الأمنية لشمال وشرق سوريا اجتماعاً مع وزير الداخلية السوري أنس خطاب، بمشاركة كبار المسؤولين الأمنيين من “قسد” ونائب الرئيسة المشتركة لهيئة الداخلية آرين مصطفى، لمناقشة مسائل الأمن الداخلي والتنسيق بين الطرفين.

وفي 7 تشرين الأول، التقى الرئيس السوري أحمد الشرع مع قائد “قسد” مظلوم عبدي لمتابعة الأمور العالقة في اتفاق 10 آذار. وأفادت وكالة “فرانس برس” أن الاجتماع حضره المبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس باراك وقائد القيادة الأمريكية الوسطى براد كوبر، مما يعكس الاهتمام الدولي والأمريكي بالوضع السوري.

توضح الأيام القادمة مدى الجدية في تطبيق عملية الاندماج بين قسد والجيش والسوري وآلياته، في ظل الرعاية الدولية، كما يتوضح أكثر شكل الحكم السياسي في مناطق قسد سواء كانت مركزية أم لامركزية.

اقرأ أيضاً: هل اقترب تنفيذ اتفاق آذار بين دمشق وقسد؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى