برز مؤخراً اسم نور الدين البابا كوجهٍ جديد للداخلية السورية، فلا يكتفي الرجل بنقل الرواية الرسمية، بل يعيد صياغتها بلغة تبيّن أنها تترك أثراً في وعي الرأي العام.. فمن هو نور الدين البابا الذي يشغل منصب المتحدث باسم وزارة الداخلية في سوريا اليوم؟
نور الدين البابا.. حاضرٌ جديد
يشغل نور الدين البابا، المعروف باسمه «معتز ناصر» قبل سقوط سلطة الأسد، اليوم منصب المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية السورية، وهو الدور الذي جعله في صدارة المشهد الإعلامي المحلي خلال الأسابيع الأخيرة. لم تأتِ تسميته بمحض الصدفة أو المجاملة، بل أتت نتيجة تراكم طويل من الخبرة في مجالات متعددة، تجمع بين العمل الأمني والكتابة التحليلية والسياسية، ما أتاح له التحدث بثقةٍ وحضور يندر مثله في خطابات الجهات الرسمية.
من أبرز المهام التي باشرها البابا فور تسلمه المنصب، إدارة ملفات شائكة وحساسة تخص الرأي العام، وعلى رأسها قضايا التفجيرات الأخيرة، والتحقيق في استهداف دور العبادة، وإعادة هيكلة إدارات السجون والإصلاحيات، إضافة إلى توضيح خطوات عملية تتعلق بالمواطنين كالإعلان مؤخراً عن مساعي لخفض رسوم جوازات السفر بنسبة تراوحت بين 50 إلى 70 بالمئة.
ولم تكن تصريحاته مجرد بيانات تقليدية، بل اتسمت بالوضوح والسلاسة، ما جعل وسائل الإعلام المحلية والعربية تلاحق كل جديد يصدر عنه، رغم أن بعضها تجاهل خبر تعيينه رسمياً في البداية.
عودة إلى الماضي
وإن كان الحاضر مهماً لفهم «البابا»، فإن العودة إلى الوراء تكشف الكثير من ملامح شخصيته المهنية. فقبل أن يعتلي هذا المنبر الرسمي، كان البابا فاعلاً على الساحة السياسية ككاتب ومحلل، ينشر مواقفه وتحليلاته على منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما تويتر وفيسبوك. وعُرف بتعليقاته المباشرة على الأحداث الأمنية والسياسية في الداخل السوري، وغالباً ما كان يتناول قضايا محلية بجرأة لافتة. أما المفاجأة الأكبر فهي أن اسمه ارتبط سابقاً بعضوية الإدارة العسكرية في «هيئة تحرير الشام» بحلب، وهي تجربة تكشف جانباً ميدانياً في مسيرته.
هذه الخلفية المزدوجة، بين الميدان والكتابة، منحته قدرة عالية على التعامل مع الإعلام بعين الخبير الأمني ولسان الكاتب، فكان في كل تصريحاته الأخيرة يزاوج بين الرؤية الإدارية والقدرة على تبسيط التعقيد للجمهور. فهو حين يتحدث عن إنشاء إدارة خاصة بالسجون، لا يكتفي بسرد المعلومة، بل يربطها بخطاب حكومي يروّج لمفهوم «حقوق الإنسان»، في محاولة واضحة لتغيير الصورة الذهنية المتجذّرة عن مؤسسات الاحتجاز في البلاد.
وفي إحدى أبرز تصريحاته مؤخراً، قال البابا إن وزارة الداخلية تعتبر حماية دور العبادة في سوريا «خطاً أحمر»، مؤكداً أن أي تهديد لهذه الأماكن سيُواجَه دون تهاون. هذا التصريح جاء بعد تفجيرات استهدفت كنيسة مار إلياس في دمشق، وكان له أثرٌ في تهدئة المخاوف وإيصال رسالة واضحة مفادها أن الدولة حاضرة وتتابع.
استناداً إلى السابق، ليس غريباً إذاً أن تحظى شخصية البابا بإشادة عدد من الناشطين والصحفيين السوريين، الذين وجدوا فيه نموذجاً نادراً لمتحدث رسمي يفهم ما يقوله ويؤمن بأثره. أحدهم كتب على منصة X: «أخيراً ناطق رسمي يشرف المنصب ويملؤه بكل معنى الكلمة»، في إشارة إلى تميّزه مقارنة بمن سبقوه.
وبالعودة إلى الجذور التعليمية لنور الدين البابا، نجد مساراً تقليدياً بدأ من حي الحمدانية في مدينة حلب، حيث تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة عدنان المدني، قبل أن ينتقل إلى مدرسة ابن البيطار في المدينة نفسها، حيث أنهى مرحلتي التعليم الإعدادي والثانوي. وبعد نيله الشهادة الثانوية، التحق بجامعة حلب، كلية العلوم، قسم الكيمياء، لكن دراسته الجامعية لم تكتمل، إذ تزامن دخوله إلى الجامعة مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، وهو الحدث الذي غيّر مسار حياته جذرياً كما غيّر مصير جيلٍ كامل من السوريين.
مستقبل «البابا».. هل ينجح في المهمة؟
بينما تتجه الأنظار إلى التغيرات الإدارية التي قد تطال وزارة الداخلية في المرحلة المقبلة، من المتوقع أن نور الدين البابا سيكون جزءاً أساسياً من هذا التحوّل، سواء في الشكل أو في المضمون. فمن جهة، يقدّم صورة إعلامية تُحاكي متطلبات الجمهور العصري، ومن جهة أخرى، يكرّس خطاباً يستند إلى الميدان لا إلى قاعات الاجتماعات.
في النهاية، لا يمكن اختزال دور «البابا» في مجرد وظيفة ناطق رسمي، فهو يعبّر في حضوره -كما يبدو- عن طريقة جديدة تتبنّاها السلطة الجديدة في مخاطبة مواطنيها، تقوم على رفع مستوى الحضور الإعلامي لوزارات سيادية ظلت طويلاً حبيسة الصمت والتعتيم. وبقدر ما ينجح في أداء هذا الدور، بقدر ما يعيد تشكيل العلاقة بين السلطة والمواطن، من خلال الكلمة الواضحة، والمعلومة الدقيقة، والتصريح الذي لا يُلقي بالمسؤولية على الغموض، بل يوضحها بمنطق وإقناع.
اقرأ أيضاً: ما هي خطط وزارة الداخلية لمستقبل سوريا الأمني؟