أصدرت وزارة المالية السورية قراراً يقضي بإلغاء ضريبة البيوع العقارية المحتسبة وفقاً للقيمة الرائجة، في حال تراجع الأطراف (البائع- الشاري) عن عملية البيع “النكول” وعدم إتمامها فعلياً.
ودعا وزير المالية الدكتور محمد يسر برنية، مديريات المالية في المحافظات، إلى اعتبار عملية التراجع عن البيع في جميع حالاته، سواء كانت الضريبة قد سددت أم لا، عملية مقبولة مالياً، بشرط ألا تكون قد تمت عملية الفراغ لدى دوائر التوثيق العقارية.
كما شدد برنية، على ضرورة تقديم إقرار خطي من قبل أصحاب العلاقة لإلغاء عملية التنازل عن المبيع، وذلك على مسؤوليتهما الشخصية، وأوجب على الدوائر المالية رد الضريبة وفق الأصول في حال كانت مسددة سابقاً.
وبين الوزير أن هذا القرار خطوة بسيطة تعكس اهتمام الوزارة بتسهيل الإجراءات والحد من الظلم الذي قد يتعرض له المواطن؛ علماً أن الضريبة كانت سابقاً مستحقة حتى وإن لم يتم استكمال البيع في الدوائر العقارية.
ما هو قانون البيوع العقارية؟
قانون البيوع العقارية هو نظام يهدف إلى تنظيم عمليات بيع العقارات بأنواعها؛ السكنية والتجارية والأراضي، وتحصيل ضريبة محددة على هذه العمليات.
ويعد هذا القانون تصحيحاً للأسس الضريبية القديمة، إذ لا يفرض ضرائب جديدة، بل يعتمد على تحديث القيم المالية المستخدمة في احتساب الضريبة، والتي كانت مبنية على تقديرات قديمة لا تعكس الواقع.
ويقوم النظام على تصنيف المناطق حسب موقعها وجودتها، واعتماد أسعار رائجة تحدد سنوياً من قبل لجان متخصصة، مع تطبيق نسبة موحدة قدرها 1% على العقارات السكنية الجاهزة.
كما يساهم القانون في ضبط السوق العقاري، وتوجيه الاستثمار نحو القطاعات الإنتاجية بدلاً من المضاربة، بالإضافة إلى تحديث الرسوم الخاصة بالإيجار بما يعكس القيمة الحقيقية للعقارات، ما يحقق عدالة أكبر بين المالك والمستأجر.
وتحتسب هذه الضريبة بنسبة مئوية تختلف حسب نوع العقار وتاريخ بدء تكليفه المالي، وتدفع خلال 30 يوماً من إتمام البيع أو تقديم التصريح.
وفي حال التأخر، تفرض غرامات تبدأ من 10% وتصل إلى 30%، وللمكلف حق الاعتراض على الضريبة خلال شهر من تاريخ إبلاغه بها، ويمكن خفضها بنسبة تصل إلى 35% وفق معايير محددة.
ويستثنى القانون بعض الحالات من الضريبة مثل: بيع الجهات العامة، والجمعيات الخيرية، ونزع الملكية للمنفعة العامة، والتصرفات بين الأقارب المباشرة.
ولا يسمح بتسجيل عملية البيع في المصالح العقارية قبل سداد كامل المبالغ الضريبية والحصول على براءة ذمة من الدوائر المالية.
اقرأ أيضاً: سوق العقارات في سوريا.. إلى أين؟
ردود فعل المواطنين والخبراء: إشادة وتفاؤل
أثارت التعديلات الأخيرة التي أصدرتها وزارة المالية اهتمام المواطنين، خصوصاً بعدما تم إقرار فكرة إعفاء البائع من دفع الضريبة في حال العدول عن عملية البيع، وهو ما لقي استحساناً واسعاً بين الشريحة العقارية.
وعبر عدد من المواطنين عن رضاهم بهذه الخطوة، إذ يقول أحمد، أحد أصحاب العقارات في دمشق: ” كنا ندفع ضريبة حتى لو لم يتم البيع فعلياً، وهذا لم يكن عادلاً، أما الآن، إذا قررت التراجع عن البيع لن أتحمل أية التزامات مالية بدون أي مقابل.
بدوره، يشير خالد، الذي يعمل في مجال الوساطة العقارية، إلى أن “هذه الخطوة تعكس تحولاً في النهج الحكومي نحو مواكبة الواقع وتخفيف الأعباء عن كاهل المواطن، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، فالضريبة يجب أن تفرض فقط عندما تتحقق الفائدة المالية للمكلف.
من جانبه، يرى الخبير المصرفي والمالي أنس الفيومي أن “فكرة إلغاء الضريبة في حال عدم إتمام عملية البيع هي خطوة منطقية وضرورية، وكانت مطلباً لدى كثير من الجهات المعنية بالسوق العقاري، مؤكداً إنها مؤشر على أن هناك تغيراً حقيقياً في طريقة تعامل الدولة مع المواطنين، من مرحلة الجباية المجردة إلى مرحلة التعامل العادل والمقابل الحقيقي.”
وأضاف الفيومي: “سابقاً كنا نشهد حالة من الاستهجان حول تعميم المالية بأحقيتها بالضريبة سواء تمت العملية أم لا، لكن الآن يبدو أن هناك وعياً بضرورة تطوير أدوات التحصيل بما يتناسب مع المنطق والعقل والواقع الاقتصادي.”
ويعتبر الكثير من المواطنين والخبراء أن هذه الخطوة لا تعد فقط إصلاحاً تشريعياً، بل أيضاً رسالة طمأنينة للمتعاملين في السوق العقاري، حيث أصبح بإمكانهم الدخول في عمليات بيع أو تفاوض دون خوف من تحمل أعباء مالية في حال تغيير القرار، مما يشجع على تحريك السوق ويحفز الاستثمار العقاري بمرونة أكبر.
ماذا لو طبقت القيمة السوقية العادلة في سوريا؟
من المفاهيم الأساسية التي تعتمدها الدول المتقدمة في تنظيم سوق العقارات وتحصيل الضرائب، تأتي “القيمة السوقية العادلة” (Fair Market Value)، وهي تمثل السعر الواقعي الذي يمكن أن يباع به العقار في ظروف طبيعية، عندما يكون كل من البائع والمشتري مطلعين بالكامل على تفاصيل العقار ويتخذان قراراتهما بحرية دون ضغط.
وتتأثر هذه القيمة بعوامل عدة، منها الموقع، الحالة الإنشائية، العمر، المساحة، عدد الغرف، توفر المرافق، إضافة إلى الظروف الاقتصادية ومستوى العرض والطلب في السوق المحلي، وبذلك تعكس القيمة السوقية العادلة السعر الفعلي للعقار، بعيداً عن التقديرات العشوائية أو البيانات القديمة.
ويستخدم هذا المفهوم في مجالات متعددة مثل تحديد أسعار البيع والشراء، احتساب الضرائب العقارية، توزيع الإرث، تسوية النزاعات، وتحديد قيمة التأمين.
وتحسب هذه القيمة عبر أدوات أبرزها: تحليل السوق المقارن، طريقة التكلفة، وطريقة الدخل، خاصة في العقارات الاستثمارية.
ورغم تفاوتها أحياناً مع التقديرات الفردية، تبقى القيمة السوقية العادلة الأكثر موضوعية، لأنها تستند إلى بيانات السوق الحقيقية بدلاً من الآراء الشخصية.
وفي السياق السوري، ومع سعي قانون البيوع العقارية إلى تحديث النظام الضريبي وتطبيق أسس تقييم رقمية موحدة، فإن اعتماد القيمة السوقية العادلة خطوة محورية نحو عدالة ضريبية حقيقية.
فهي تضمن للمواطن عدم دفع ضرائب على قيم غير دقيقة، وتبسط إجراءات البيع والتسجيل، وتسهم في استقرار السوق العقاري وتحفيز الاستثمار المنتج بعيداً عن المضاربة.
كما يعزز هذا التوجه الشفافية في المعاملات ويوفر آلية واضحة للاعتراض أو إعادة التقييم، ما يزيد الثقة بين الدولة والمواطن.
كما إن تبني القيمة السوقية العادلة لا يخدم فقط الإدارة المالية للدولة، بل يعيد ترتيب أولويات الاقتصاد نحو بيئة أكثر استقراراً، قائمة على الشفافية والعدالة والتحديث.
اقرأ أيضاً: أسعار العقارات في سوريا بعد سقوط الأسد
دروس مستفادة وفرص للتطوير في سوريا
في تجربة الولايات المتحدة، خصوصاً في مدن مثل فيلادلفيا، يخضع مالك العقار عادةً لضريبة العقارات، لكن النظام يظهر درجة عالية من الشفافية والتنظيم، ويمنح المكلفين مجموعة من الخيارات المرنة فيما يتعلق بالدفع أو الاعتراض أو الاستفادة من الإعفاءات.
ويعتمد حساب الضريبة على التقييم العقاري السنوي الذي يتم بموجبه تحديد قيمة العقار ومن ثم تطبيق نسبة موحدة من الضريبة.
وتعتبر المهل الزمنية واضحة؛ حيث تكون الدفعة الرئيسية مستحقة في نهاية شهر آذار/مارس، مع فرض غرامات تراكمية تبدأ من 1.5% شهريًا في حال التأخير، وتصل إلى حد أقصى 15% في العام التالي.
ومع ذلك، لا يتم اللجوء الفوري إلى بيع العقار عند التأخر، بل يتم تسجيل حق المدينة كرهن على العقار، مما يتيح للمكلف فرصة التسوية قبل الوصول إلى مرحلة التنفيذ الجبري.
ما يميز التجربة الأمريكية هو تركيزها على دعم الشرائح الضعيفة، من خلال برامج متعددة تشمل تجميد الضرائب لكبار السن، وتقسيط المبالغ المستحقة، وتوفير إعفاءات ضريبية للمنظمات غير الربحية وللأشخاص ذوي الإعاقة، إضافة إلى تخفيضات خاصة لأصحاب المنازل الذين يسكنون عقاراتهم بأنفسهم.
ووفقاً لبعض التعليقات، هناك دروس مهمة يمكن استخلاصها من هذه التجربة، ما قد يساعد الدول التي تعمل على تحديث نظامها الضريبي العقاري، مثل سوريا، في تطوير سياساتها بما يتماشى مع احتياجات المواطنين.
كما تشير التعليقات، إلى أهمية ربط الضريبة بالقيمة الحقيقية للعقار وبشكل دوري، بدلاً من الاعتماد على تقديرات قديمة قد تكون غير دقيقة، إلى جانب ضرورة وجود آلية واضحة للاعتراض على التقييم، لضمان إشراك المواطن في العملية بدلاً من وضعه في مواجهة مع النظام الضريبي.
إلى جانب اعتماد نظام رقمي موحد يسمح بتتبع المدفوعات وإدارة الشكاوى بشكل سريع، وهو ما يقلل من الفساد ويزيد الثقة بين الدولة والمواطن، وتقديم برامج دعم تستهدف أصحاب الدخل المحدود ومساكنهم الأولى يساهم في تخفيف الأعباء دون المسّ باستقرار المالية العامة.
وتؤكد تعليقات أخرى، على أهمية إدخال مرونة أكبر في التعامل مع المواطنين، بحيث يكون عادلاً وشاملاً، فلا يتحمل الفرد ضرائب على عمليات لم تكتمل، مع ضرورة توفير خيارات سداد ميسرة وبرامج إعفاء واضحة، تحمي صغار المالكين من الوقوع في مشكلات مالية تفوق قدراتهم.
ولا تقتصر التجربة الأمريكية على آليات تحصيل الضريبة، بل تمتد إلى بناء علاقة تقوم على الثقة، العدالة، والمرونة بين الدولة ومواطنيها، الأمر الذي يمكن أن يشكل نموذجاً تستفيد منه الدول الساعية إلى تطوير أنظمتها الضريبية العقارية، مثل سوريا، بشرط توفر الإرادة السياسية والبنية التحتية الرقمية المناسبة.
في الختام، يظهر صدور قرار وزارة المالية بإلغاء ضريبة البيوع العقارية في حال تراجع الأطراف عن عملية البيع، أن هناك حرصاً متزايداً من الجهات المعنية على مراعاة الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمواطن السوري، وتقديم تسهيلات تخفف من الأعباء التي فرضتها سنوات الحرب والظروف المعيشية الصعبة، وقد تكون هذه الخطوة بداية لتصحيح أخطاء سابقة كانت تعتبر بمثابة عبء زائد على كاهل البائع، خاصة عندما تفشل عملية البيع لأسباب خارجة عن إرادته.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل سيتبع هذا القرار خطوات أخرى أكثر جرأة لإصلاح كامل منظومة التقييم والتحصيل الضريبي للعقارات؟ وهل ستسعى الوزارة إلى اعتماد نظام رقمي موحد، كما هو الحال في التجارب المتقدمة مثل أمريكا، لتقييم العقارات وتحصيل الضريبة بشكل عادل ومنطقي؟