من البرلمانات العالمية إلى الانتخابات السورية..طرق تمثيل الشعب

بقلم: هلا يوسف
تتجه الأنظار اليوم نحو أول مجلس للشعب في سوريا بعد سقوط النظام السوري السابق، وتظهر تجربة الانتخابات هذه وكأنّها تكيف العملية الانتخابية مع الظروف الاستثنائية، من خلال الجمع بين التعيين والانتخاب غير المباشر لضمان استمرار التمثيل التشريعي، وبذلك كان لا بد من الحديث عن أشكال البرلمانات حول العالم والنظم الانتخابية لها التي تشكل جوهر مجالس الشعب والحكومات لديها.
أشكال البرلمانات
البرلمان هو السلطة التشريعية في الدول التي تطبق مبدأ الفصل بين السلطات. وتختلف تسمياته من بلد لآخر، فقد يُسمى: المجلس الوطني، مجلس الشورى، مجلس النواب، المجلس التشريعي، مجلس الشعب، مجلس الأمة، الجمعية الوطنية… وغيرها.
ويتكون البرلمان من ممثلي الشعب، وقد يكون هؤلاء الأعضاء منتخبين أو معينين، بل إن بعض البرلمانات تضم أعضاء معينين فقط. بينما تختلف صلاحيات ووظائف البرلمان بين الدول، لكن غالباً ما تتفق في مهام أساسية مثل: سن القوانين وتعديلها، الرقابة على أعمال الحكومة، والموافقة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية. ويضم أنواعه:
- النظام التشريعي الثنائي: يتألف من مجلسين (غرفتين)، أحدهما منتخب، بينما الآخر قد يكون معين، منتخب، أو يجمع بين التعيين والانتخاب.
- النظام التشريعي الأحادي: يتكون من مجلس واحد فقط يتولى السلطة التشريعية.
النظم الانتخابية
النظام الانتخابي هو الآلية التي يتم من خلالها تحويل أصوات الناخبين في الانتخابات إلى مقاعد يحصل عليها الأحزاب أو المرشحون المشاركون.
وتتأثر النظم الانتخابية بعدة متغيرات أساسية، أهمها:
المعادلة الانتخابية: هل يتم الاعتماد على نظام الأغلبية أو التعددية، أو النظام النسبي، أو النظام المختلط، أو غيرها؟ وما هي الصيغة الحسابية المستخدمة لتوزيع المقاعد على الفائزين؟
شكل ورقة الاقتراع: هل يصوت الناخب لمرشح فردي أم لقائمة حزبية؟ وهل يقتصر اختياره على خيار واحد أم يمكنه تحديد عدة خيارات؟
حجم الدائرة الانتخابية: ويقصد به عدد المقاعد المخصصة لكل دائرة، وليس عدد الناخبين الموجودين فيها.
كما أن الجوانب الإدارية للعملية الانتخابية (مثل توزيع مراكز الاقتراع، تسجيل الناخبين، تسمية المرشحين، والجهاز المسؤول عن إدارة الانتخابات) تعد مهمة، لأن إهمالها قد يُضعف فعالية أي نظام انتخابي مهما كان جيداً.
فئات الأنظمة الانتخابية
توجد في العالم عدة أنظمة انتخابية، ولكل منها صيغ متعددة. وللتبسيط يمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات رئيسية وهي الأنظمة ذات الأكثرية العادية، أنظمة التمثيل شبه النسبي، أنظمة التمثيل النسبي، والجدير بالذكر أنه تتفرع من هذه الفئات أنظمة فرعية متعددة، لكننا في هذا المقال سنتحدث فقط عن الأنظمة الرئيسية العامة.
1. فئة الأنظمة ذات الأكثرية العادية
تتميز هذه الأنظمة غالباً بأنها تعتمد على دوائر انتخابية ذات مقعد واحد. ففي نظام “الغلبة للأقوى” أو ما يُعرف بالاقتراع الأكثري لمقعد واحد، يفوز المرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات، حتى وإن لم يحقق الأغلبية المطلقة (أكثر من 50%). من أبرز الدول التي تطبقه: المملكة المتحدة والهند.
أما إذا طُبق في دوائر متعددة المقاعد، فإنه يسمى انتخاب لائحة جامدة، حيث يدلي الناخب بعدد أصوات يساوي عدد المقاعد في الدائرة، ويفوز المرشحون الحاصلون على أعلى الأصوات بغض النظر عن نسبتها الحقيقية. من أمثلة ذلك فلسطين وجزيرة موريشيوس.
كما توجد أنظمة أكثرية أخرى مثل:
- الاقتراع التفضيلي (التخييري): مطبق في أستراليا وفيجي، حيث يتم الأخذ بالاختيارات الثانية للناخبين لضمان أغلبية مطلقة.
- الاقتراع على دورتين: مطبق في فرنسا وروسيا البيضاء، حيث تُجرى جولة ثانية إذا لم يحقق أي مرشح الأغلبية المطلقة في الجولة الأولى.
بشكل عام، تهدف هذه الأنظمة إلى ضمان أن الفائز قد حصل على أكثر من 50% من الأصوات، إما مباشرة أو عبر الأخذ في الاعتبار التفضيلات التالية للناخبين.
2. فئة أنظمة التمثيل شبه النسبي
تأتي أنظمة التمثيل شبه النسبي في موقع وسط بين أنظمة التمثيل النسبي التي تسعى إلى عدالة أكبر في توزيع المقاعد، وبين أنظمة الأكثرية العادية التي تعتمد على مبدأ الفوز للأكثر أصواتاً. وقد اعتمدت بعض الدول في انتخاباتِها التشريعية ثلاثة أنظمة رئيسية من هذا النوع، وهي:
- الاقتراع الفردي: يصوت الناخب لمرشح واحد فقط، مع أن الدائرة قد تضم عدة مقاعد، ويفوز بالمقاعد المرشحون الذين يحصلون على أعلى الأصوات. ويُطبق هذا النظام في الأردن.
- الاقتراع الموازي: يجمع بين التمثيل النسبي والاقتراع الأكثري، لكنه لا يعالج مشكلة التفاوت في التناسبية داخل الدوائر. ويُطبق في روسيا واليابان.
- الاقتراع المحصور: يعد نظاماً وسطياً بين الاقتراع الفردي غير القابل للتحويل والاقتراع الأكثري لدوائر متعددة المقاعد. وفيه تكون الدائرة متعددة المقاعد، ويفوز ببساطة المرشحون الذين يحققون أكبر عدد من الأصوات.
أنظمة التمثيل النسبي
ترتكز أنظمة التمثيل النسبي على مبدأ أساسي، وهو تقليص الفجوة بين نسبة الأصوات التي يحصل عليها الحزب ونسبة المقاعد التي يفوز بها في البرلمان. فمثلاً، إذا حصل حزب ما على 40% من الأصوات، يجب أن يحصل على نسبة مقاربة من المقاعد، وبالمثل فإن الحزب الذي نال 10% من الأصوات يفترض أن يحصل على 10% من المقاعد.
غالباً ما تُعتمد اللوائح الحزبية كأفضل وسيلة لتحقيق هذا الهدف، حيث يقدم كل حزب لائحة مرشحين على المستوى الوطني أو الإقليمي. ويُطبق هذا الأسلوب في دول مثل جنوب أفريقيا وإسرائيل.
لكن النسبية يمكن تحقيقها أيضاً من خلال الاقتراع المختلط المقرون بالتعويض، وهو نظام يعوّض عن عدم التناسب في نتائج بعض الدوائر عبر آلية خاصة لتوزيع المقاعد، كما يحدث في نيوزيلندا وألمانيا.
إضافة إلى ذلك يوفر الاقتراع التفضيلي أداء مشابه حيث يُعرف بـ”الاقتراع الفردي القابل للتحويل”. في هذا النظام، يصنّف الناخبون المرشحين وفقاً لدرجة تفضيلهم، ويُستخدم في الدوائر متعددة المقاعد لضمان نسبية أكبر في النتائج. ويُطبق هذا النظام في إيرلندا ومالطا.
أشكال الانتخابات
تأخذ الانتخابات عدة أشكال تختلف باختلاف الأنظمة السياسية، ومن أبرزها:
الانتخاب المقيّد
هو نظام يُشترط فيه توفر مواصفات خاصة في الناخب، مثل امتلاك قدر من المال أو مستوى معين من التعليم، وكان غالباً محصور في فئة الرجال فقط.
الانتخاب العام
هو النظام الذي يمنح جميع المواطنين في الدولة حق الانتخاب دون تمييز على أساس الجنس أو الملكية أو التعليم أو العقيدة، بشرط توافر الجنسية وبلوغ السن القانوني للانتخاب، كما هو مطبق في مصر.
الانتخاب غير المباشر
يقوم فيه الناخبون بانتخاب مندوبين عنهم، يتولون لاحقاً مهمة اختيار أعضاء السلطة التشريعية أو رئيس الدولة. ويتم ذلك إما على درجتين أو ثلاث درجات.
ومن أبرز عيوب هذا النظام أنه يبعد الشعب عن اختيار ممثليه بشكل مباشر، مما يجعل السلطة التشريعية أقل تمثيل للإرادة الشعبية، وبالتالي فهو لا ينسجم مع المبادئ الديمقراطية.
الانتخاب المباشر
في هذا النظام يصوّت الناخب بنفسه لاختيار أعضاء السلطة التشريعية أو رئيس الدولة دون وساطة من أي جهة. ويُعرف هذا الشكل بـ الانتخاب على درجة واحدة.
يتميز بكونه يعكس الرأي العام الحقيقي للشعب، ويعبر بصدق عن إرادة الناخبين، كما يعد وسيلة فعّالة لتربية المواطنين على القيم الديمقراطية. ويُطبق هذا النظام في مصر.
اقرأ أيضاً: مجلس الشعب السوري الجديد.. جدل قانوني وسياسي بين التعيين والانتخابات
النظام الانتخابي المؤقت في سورية
بموجب النظام الانتخابي المؤقت، تم استبدال الانتخابات المباشرة التي كانت مطبقة سابقاً في سورية بنظام انتخاب غير مباشر. ففي هذا النظام لا يصوت الناخبون مباشرة لاختيار أعضاء البرلمان، بل تتولى اللجان الفرعية في المحافظات تشكيل هيئات انتخابية محلية، تقوم بدورها بانتخاب أعضاء المجلس.
ووفق ما أوضحته اللجنة العليا للانتخابات، يهدف هذا الأسلوب إلى التكيّف مع المرحلة الانتقالية، حيث يركز البرلمان الجديد على الجوانب التشريعية أكثر من التمثيلية، وذلك بسبب غياب البنية التحتية الأساسية اللازمة لإجراء انتخابات مباشرة، مثل بيانات تعداد سكاني دقيقة أو نظام حديث لتسجيل الناخبين.
وبحسب الخطة الموضوعة فإن تشكيل البرلمان سيراعي تخصيص 70% من المقاعد للأكاديميين والخبراء، في حين تُمنح 30% لشخصيات مجتمعية بارزة، ويُفضل أن يكون لديهم مؤهلات أكاديمية أيضاً.
أما على مستوى الإجراءات فتقوم كل لجنة فرعية انتخابية في كل محافظة بترشيح ما بين 30 و50 شخص عن الدائرة الانتخابية. ومن بين هؤلاء يُنتخب ممثل نيابي واحد. وسيتم تشكيل 14 لجنة فرعية، أي لجنة واحدة في كل محافظة سورية.
الجدل حول الانتخابات البرلمانية في سورية
أثارت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في سورية جدلاً كبيراً بين المحللين والفاعلين السياسيين. فقد وصف المحلل السياسي المقرّب من الحكومة عبد الكريم العمر هذا الحدث بأنه “إنجاز يُسجل لسوريا شعباً وقيادة”، معتبراً أن البلاد أثبتت قدرتها على النهوض من تحت الرماد ومواجهة التحديات الكبرى التي تهدد وحدتها وأمنها.
في المقابل يرفض هذا الطرح الأكاديمي السوري مروان قبلان، مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في قطر، حيث يرى أن العملية الانتخابية ليست سوى “التفاف على العملية الديمقراطية”. ويشير إلى أن المواطنين العاديين “ليس لديهم رأي بالموضوع”، معتبراً أن ما جرى هو “تعيين” لثلث أعضاء المجلس بشكل مباشر، ولثلثيه بشكل غير مباشر.
ومن أبرز نقاط الجدل السياسي السوري، مسألة حصر اختيار المرشحين باللجان الفرعية والهيئات الناخبة التي تُعيّنها اللجنة العليا للانتخابات، والتي قام الرئيس الشرع بتسميتها، مما يعني عملياً حرمان الشعب من اختيار ممثليه عبر انتخابات عامة مفتوحة بحسب إحدى المصادر الإعلامية.
وفي مواجهة هذه الانتقادات دافع المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات نوار نجمة عن النظام الانتخابي الجديد، مؤكداً أنه لا توجد إمكانية لإجراء انتخابات مباشرة بسبب الظروف الاستثنائية، مثل الوضع الديموغرافي، وحجم النزوح الكبير، وغياب الوثائق الثبوتية. وأضاف أن رئيس الجمهورية يملك دور أساسي في سد الثغرات وضمان التمثيل، وهو ما يفسر تعيين الرئيس الانتقالي لـ 30% من النواب.
ومع كل الانتقادات ينظر بعض المراقبين بتفاؤل إلى هذه الانتخابات باعتبارها بداية لمرحلة جديدة. فالعمر يرى أن كل ما جرى منذ سقوط حكم الأسد يمهّد لحياة سياسية جديدة، ويؤكد أنه لا مانع من التجربة حتى لو شابها الفشل أو الانتقادات، فهي في نظره بداية لعهد وطني جديد يأمل فيه السوريون.
لكن مروان قبلان يشكك في جدوى المجلس الجديد، مع إشارته إلى أن الإعلان الدستوري الصادر في آذار الماضي منح السلطة التشريعية لمجلس الشعب، بينما أبقى الصلاحيات التنفيذية كاملة بيد رئيس الجمهورية. ويرى قبلان أن المجلس لا يملك سلطات حقيقية، بل سيكون مجرد “مجلس سلطة” بشكل يشبه ما كان موجود طوال الخمسين سنة الماضية.
يبقى الهدف النهائي من أي برلمان تحقيق مصالح الشعب بكافة فئاته ومكوناته، ويأمل السوريون أن يحقق المجلس الجديد المرتقب هذه المصالح، وأن يمهد لمجلس شعب منتخب بتمثيل أكبر في السنوات القادمة.
اقرأ أيضاً: من مدونة السلوك إلى عملية الاقتراع..خطوات انتخاب مجلس الشعب


