سياسة

ملف سجناء سجن رومية بين المماطلة اللبنانية والعوائق القانونية

عاد ملف الموقوفين السوريين في سجن رومية إلى الواجهة بعد إلغاء زيارة وفد سوري له، على الرغم من أنه لم يكن غائبًا في الأشهر الماضية عن الساحة الإعلامية. فمنذ سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول، بدأ المساجين السوريون بإرسال المناشدات إلى الرئيس أحمد الشرع للعمل على حل ملفهم. لكن، ما الذي يمنع تسليمهم إلى سوريا، وما هي المبررات اللبنانية في المماطلة بحل الملف؟

تشير المعلومات التي حصلت عليها إحدى المصادر الإعلامية إلى أن السلطات اللبنانية رفضت السماح للوفد السوري بزيارة سجن رومية، على الرغم من أن الزيارة كانت مقررة رسمياً ضمن جدول أعماله، كما منعت الوفد من التوجه إلى بلدة مجدل عنجر للقاء ذوي المعتقلين السوريين هناك.

وأضافت أنه بالرغم من الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن “تعاون إيجابي” بين الجانبين، إلا أن هناك موقف لبناني متشدد، يتجلى في استبعاد عدد كبير من الموقوفين السوريين من أي تفاهم محتمل، بالإضافة إلى فرض شروط وصفت بأنها “تعجيزية”. يأتي ذلك في ظل أوضاع إنسانية وقانونية صعبة يعيشها أكثر من 2300 معتقل سوري في لبنان، معظمهم لم تُعرض قضاياهم على القضاء، وسط اتهامات مستمرة بالتعذيب وسوء المعاملة.

وبحسب المصدر الإعلامي فإن الاتفاق القضائي المرتقب بين لبنان وسوريا قد يخرج بصيغة هشة ومليئة بالاستثناءات، مما قد يؤدي إلى ترسيخ مظاهر الظلم بدل معالجتها، ويقضي على ما تبقى من أمل لدى المعتقلين وعائلاتهم في تسوية عادلة.

نواف سلام يوضح

قدّم رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام توضيحات حول ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية، واصفاً هذا الملف بأنه معقد وحساس، وأثنى في الوقت نفسه على عمل اللجان المشتركة السورية اللبنانية التي تسعى لإيجاد حلول للقضايا العالقة بين البلدين.

وأوضح سلام أن بعض الموقوفين السوريين متهمون بارتكاب جرائم جنائية، مما يجعل آلية التعامل معهم تختلف عن معتقلي الرأي، وأشار إلى أن هذه التفرقة تؤثر على مسار أي اتفاق محتمل لتسليمهم إلى دمشق.

كما أشار إلى أن الحكومة اللبنانية تواصل العمل مع الجانب السوري للتحقق من وجود لبنانيين محتجزين في السجون السورية، مضيفاً أن اللجان اللبنانية سلّمت دمشق قائمة بأسماء شخصيات لبنانية اغتيلت خلال فترة نفوذ النظام السوري السابق، بهدف الحصول على معلومات أو أدلة قد تساعد في كشف ملابسات تلك الاغتيالات.

وخلال لقائه وفداً من جمعية “إعلاميون من أجل الحرية”، شدد سلام على حرص لبنان على العلاقات الإيجابية مع سوريا، ووصف زيارته الأخيرة إلى دمشق ولقاءه بالرئيس أحمد الشرع بأنها كانت “جيدة وبنّاءة”.

يأتي ذلك بالتزامن مع زيارة وفد سوري إلى بيروت لمواصلة البحث في الملفات المشتركة، وعلى رأسها ملف الموقوفين، وضبط الحدود، وعودة اللاجئين السوريين.

بيان سابق لسجناء سجن رومية السوريون

وكان قد أصدر المعتقلون السوريون في سجن رومية بياناً في وقت سابق عبّروا فيه عن رفضهم لأي خطابات أو مواقف تهدد السلم الأهلي في لبنان، مؤكدين أن مثل هذا الخطاب لا يخدم قضيتهم التي وصفوها بأنها عادلة وأخلاقية.

وأوضح البيان أن المعتقلين يرفضون استغلال قضيتهم لأغراض سياسية أو دعائية من قبل بعض القوى اللبنانية التي تحاول توظيف معاناتهم لخدمة مصالحها الخاصة وأجنداتها الحزبية.

وجاء هذا الموقف عقب تداول فيديوهات وبيانات تتضمن تهديدات أمنية أو عسكرية باسم قضية المعتقلين، إلى جانب انتشار وثائق أمنية مزورة تزعم وجود خطط لخطف أو تنفيذ اعتداءات، وهو ما نفاه المعتقلون بشكل قاطع.

وشدّد البيان على أن جميع تحركاتهم، سواء داخل السجن أو خارجه، سلمية بالكامل، وتعتمد فقط على العمل الإعلامي والاعتصامات السلمية والتواصل مع المسؤولين في لبنان وسوريا، دون أي شكل من أشكال العنف أو التحريض عليه.

واعتبر المعتقلون أن الشائعات والحملات الإعلامية المضللة التي تُنشر من “غرف سوداء” تهدف إلى تشويه قضيتهم والتشويش على مساعيهم الإنسانية والقانونية، داعين وسائل الإعلام إلى الاعتماد على البيانات الرسمية الصادرة عن لجنة أهالي السجناء السوريين في لبنان عبر قنواتها المعروفة على وسائل التواصل الاجتماعي.

اقرأ أيضاً: أموال السوريين في لبنان: نحو الانفراج أم ورقة ضغط!

أوضاع السجناء ومعاناتهم

يشير الوضع الحالي للسجناء السوريين في لبنان إلى معاناة مستمرة وطويلة الأمد، حيث يطالب نحو 1700 سجين في سجن رومية وعدد من السجون الأخرى الحكومة السورية بالتدخل لإنهاء معاناتهم.

وقد سجل السجن حالات وفاة متكررة بين المعتقلين بسبب تدهور الأوضاع الصحية والإهمال من قبل إدارة السجون، كان آخرها وفاة المعتقل أسامة جاعور.

وتشير إحصاءات شبه رسمية إلى أن السوريين يشكلون أكثر من 30% من إجمالي السجناء في لبنان، فيما لا يزال أكثر من 80% منهم دون محاكمات، وتجدر الإشارة إلى أن غالبية الموقوفين تم توقيفهم بعد عام 2011 في أعقاب موجات اللجوء الناتجة عن الثورة السورية.

وتؤكد التقارير الحقوقية المحلية والدولية أن عدد الموقوفين السوريين يصل إلى نحو 2600 شخص، مع شكاوى متكررة بشأن ظروف الاحتجاز غير الإنسانية التي يعيشونها داخل السجون اللبنانية.

متاجرة سياسية بموضوع السجناء

أوضح محامون زاروا سجن رومية بتكليف من أهالي المعتقلين أن السجن يشبه إلى حد كبير سجن صيدنايا قرب دمشق، الذي وصفته منظمة العفو الدولية بأنه “المسلخ البشري”، حيث قتل فيه آلاف المعتقلين السوريين تحت التعذيب على يد نظام السوري السابق.

وفي هذا السياق، أكّد المحامي اللبناني محمد صبلوح لإحدى المصادر الإعلامية اللبنانية أن حل ملف سجناء رومية بيد الرئيس اللبناني جوزيف عون، وأشار إلى أن العفو العام عن المعتقلين ممكن تنفيذه إذا تم إقراره من قبل المجلس النيابي ضمن الاتفاقيات الدولية.

وأضاف صبلوح أن هناك متاجرة سياسية واضحة بملف سجناء رومية منذ الحكومات اللبنانية السابقة، مؤكداً أنه لم يعد هناك مبرر لتجاهل القضية، خاصة في ظل ادعاءات السلطات اللبنانية السابقة بوجود اكتظاظ في السجون، داعياً إلى اتخاذ خطوات عملية وقضائية لحل الملف بشكل عاجل.

اقرأ أيضاً: سوريا والتصعيد في لبنان: حيادٌ صعب أم مواجهة محتومة؟

عوائق قضائية تحول دون التسليم

من أكثر الأسئلة التي تطرح في موضوع السجناء السوريون في سجن رومية هو لماذا لا يتم تسليمهم للحكومة السورية؟

كشف مصدر في إدارة السجون اللبنانية التابعة لوزارة العدل أن اللجنة القضائية الأمنية المشتركة بين وزارتي الداخلية والعدل أعدّت ملفات لمئات السجناء السوريين تمهيداً لتسليمهم إلى سوريا، إلا أن المهمة واجهت عقبات قانونية حالت دون تنفيذها.

وأشار المصدر إلى أنه لا يمكن تسليم أي سجين إلى بلاده ما لم يكن محكوماً قضائياً، وأوضح أن هذا القرار لا يشمل الموقوفين الذين لم تصدر بحقهم أحكام، خصوصاً إذا ارتكبوا الجريمة في لبنان وكانت ضحيتها مواطناً لبنانياً.

وأضاف أن هناك عدداً من الاتفاقيات القضائية بين لبنان وسوريا، منها اتفاقية استرداد المطلوبين، والتي تنص على إمكانية تسليم مواطن ارتكب جريمة في أحد البلدين إلى سلطاته لمحاكمته، والعكس صحيح، لكنه شدد على أنه “لا توجد” حالياً اتفاقية لتسليم المحكومين. أوضح أن وزارتي العدل في البلدين يمكنهما توقيع هذه الاتفاقية قريباً، وبعدها تُحال إلى المجلس النيابي اللبناني لإقرارها قانونياً، وفي حال تحقق ذلك، يمكن أن يستفيد منها نحو 370 سجيناً سورياً محكوماً قضائياً لقضاء عقوبتهم في السجون اللبنانية قبل تسليمهم إلى سوريا.

باختصار، يبقى ملف الموقوفين السوريين في سجن رومية معقداً بين المطالب الإنسانية والقيود القانونية والسياسية. على أمل أن يشهد ملفهم حلول في الأيام القادمة.

اقرأ أيضاً: العراق يفتح الملف الأكثر تعقيداً بلا تنسيق معلن مع دمشق!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى