معركة هي الأولى من نوعها في سوق الهال.. ماذا جرى؟!

كتبه: أحمد علي

في مشهد يعكس حالة الغضب واليأس التي يعيشها المزارعون السوريون، شهد سوق الهال بدمشق احتجاجاً غير مألوف، تمثل بقيام عدد من المزارعين بمهاجمة شاحنات محمّلة بالبطيخ اللبناني المستورد. وهذا التصرف العنيف لم يكن موجهاً ضد التجار اللبنانيين أنفسهم، بل كان صرخة بوجه السياسات الحكومية التي سمحت بدخول منتج أجنبي في ذروة إنتاج البطيخ المحلي، ما اعتبره المزارعون تهديداً مباشراً لمصدر رزقهم.

احتجاج في سوق الهال

تداول ناشطون مقطع فيديو يوثق لحظة انفجار هذا الغضب، حيث بدا المزارعون في حالة احتقان شديدة، وهم يعبّرون عن شعورهم بالخذلان من المسؤولين الذين يفترض بهم دعمهم وحمايتهم. في رأيهم، لا يجوز السماح باستيراد أي منتج زراعي في موسم إنتاجه المحلي، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمحصول بحجم وأهمية البطيخ، الذي يعتمد عليه الكثير من الفلاحين كمصدر دخل رئيسي في هذا الوقت من السنة.

ماضٍ يتكرر: بين الموز والحمضيات والبطيخ

لا يعتبر هذا الحدث معزولاً عن سياق طويل من السياسات الزراعية التي لطالما أثارت الجدل في سوريا. فقد سبق للحكومة السورية في عام 2023 أن استوردت الموز اللبناني في توقيت يتزامن مع موسم الحمضيات في الساحل السوري، مما تسبب بخسائر كبيرة للمزارعين المحليين. غير أن الاختلاف هذه المرة يكمن في أن الظروف الحالية سمحت للمزارعين بالتعبير عن احتجاجهم علناً، بعكس ما كان عليه الحال في الماضي حين كان القمع الشديد يمنع أي رد فعل علني.

الانتقاد: عنف لا يبرر الغاية

رغم أن دوافع المزارعين مفهومة، إلا أن طريقة الاحتجاج أثارت جدلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي. حيث أشار كثيرون إلى أن مهاجمة الشاحنات اللبنانية يُعد سلوكاً غير حضاري، ويشوّه عدالة المطالب الزراعية. فالمشكلة لا تكمن في التاجر اللبناني أو المنتج المستورد، بل في السياسات التي لم تنظم عمليات الاستيراد بما يخدم المصلحة الوطنية للفلاحين.

اقرأ أيضاً: ياقوت الأرض السورية: الفستق الحلبي وذاكرة وطن

تصريح رسمي: المسؤولية على عاتق الدولة

في تعليق رسمي على الحادثة، وصف أمين سرّ جمعية حماية المستهلك، عبد الرزاق حبزة، سلوك المزارعين بأنه «غير حضاري»، لكنه لم يُخفِ حجم المسؤولية الملقاة على الجهات الحكومية. وقال حبزة في تصريح نقلته صحيفة «الحرية» الحكومية إن الجهات المعنية بتنظيم التجارة الخارجية يجب أن تتحمّل مسؤولياتها في حماية المنتجات المحلية، ومنع استيراد أي منتج مشابه في موسمه المحلي، سواء كان زراعياً أو صناعياً.

وأضاف أن استمرار استيراد المنتجات الزراعية المماثلة يتسبب بخسائر كبيرة للمزارعين، ويؤدي في كثير من الأحيان إلى إحجامهم عن الزراعة في المواسم المقبلة، ما يُنذر بعواقب خطيرة على الأمن الغذائي المحلي.

هذا ويرى مراقبون أن الاستيراد يجب أن يكون خياراً عند وجود نقص حقيقي في الأسواق، لا أن يتحوّل إلى أداة تُستخدم ضد المزارعين المحليين في ذروة إنتاجهم. فالسماح بدخول البطيخ اللبناني في حزيران، وهو ذروة موسم البطيخ السوري، يعدّ خطأً فادحاً في إدارة الملف الزراعي.

وفي خطوة إيجابية نسبياً، كانت وزارة الاقتصاد والتجارة الداخلية قد أصدرت قراراً بوقف استيراد عدد من الخضراوات مثل البندورة والخيار والبطاطا والباذنجان وغيرها، اعتباراً من مطلع حزيران. وقد لاقى القرار ترحيباً واسعاً بين الفلاحين، لا سيما بعد أن تعرضت محاصيلهم لحالة من الكساد، دفعت بعضهم إلى تركها في الأرض بسبب ارتفاع تكلفة نقلها مقارنة بسعر بيعها. ليأتي قرار استيراد البطيخ ويثير الأمر مجدداً وسط حالة اقتصادية سورية شديدة الهشاشة تبحث عن ضوء في نهاية النفق.

درعا في الصدارة: إنتاج لا يجد من يحميه

تُعدّ محافظة درعا من أبرز المناطق المنتجة للبطيخ في سوريا، وساهمت بشكل كبير في جعل سوريا تحتل المرتبة السابعة عالمياً في إنتاج البطيخ عام 2022. ورغم هذا الإنجاز، لا تزال السياسات الحكومية تقف حجر عثرة في وجه تسويق هذا المنتج محلياً بالشكل الذي يضمن حماية الفلاح وتحقيق أرباح مجزية له.

ختاماً، يُجمع كثير من المختصين والناشطين على أن ما حدث في سوق الهال يجب أن يُقرأ كجرس إنذار للمسؤولين الحكوميين، مفاده أن تجاهل حقوق المزارعين سيؤدي إلى مزيد من الاحتقان وربما إلى احتجاجات أكبر وأكثر تنظيماً في المستقبل. فالمزارع الذي يرى ثمرة جهده تذهب هباءً بسبب قرار استيراد غير مدروس، لن يبقى صامتاً طويلاً.