في خطوة وطنية جديدة لتطوير البنية التحتية الرقمية وتقديم خدمة إنترنت ذات سعة وسرعة مضمونة وآمنة، أعلنت وزارة الاتصالات والتقانة عن إطلاق «برق نت» لإيصال شبكة الألياف الضوئية مباشرة إلى المنازل والمكاتب في سوريا، وهو مشروع طموح يهدف إلى تحسين جودة الإنترنت، وربطه بالشبكة الوطنية SilkLink، بما يواكب التحول الرقمي ويسهم في تطوير البنية التحتية الذكية في البلاد… في هذا المقال، سنتعرف على مشروع برق نت ومميزاته وأكثر من ذلك.
مشروع «برق نت»
خلال الأسابيع المقبلة ستبدأ الخطوات الأولى لتنفيذ المشروع الذي يهدف إلى إيصال شبكة الألياف الضوئية مباشرة إلى المنازل والمكاتب في مختلف أنحاء سوريا، إذ يشكّل جزءاً من خطة وطنية طموحة لربط 85% من البيوت والمكاتب قبل نهاية عام 2025، من خلال تنفيذ شبكات الألياف في المدن والبلدات والقرى.
ولتنفيذ المشروع، تعتمد وزارة الاتصالات والتقانة على مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص بمشاركة شركات محلية وعالمية متخصصة، وتُلزم الجهة المنفذة بالاستعانة بشركات وطنية لتنفيذ تمديدات الألياف.
ويعتمد مشروع «برق نت» على تصميم شبكي حديث سيتم تنفيذه وفق معايير فنية عالية، ويستخدم نموذج VULA، وهو اختصار لـ «الوصول المحلي الافتراضي غير المجمّع»… فما الفرق بين النموذج التقليدي ونموذج VULA؟
في النموذج التقليدي، تمتلك شركة شبكة الألياف الضوئية وتقدم الخدمة للمستخدمين، وهذا يعني أن المشترك يكون مرتبطاً بهذه الشركة فقط دون إمكانية لاختيار مزود آخر.
أما في نموذج VULA، فتتولى جهة واحدة -مثل مشروع «برق نت»- إنشاء الشبكة وتشغيلها، لكنها تسمح لعدة شركات باستخدام الشبكة نفسها لتقديم خدمات الإنترنت، بحيث يتمكن المستخدم من اختيار العرض الذي يناسبه من بين عدة خيارات، وبهذا، تتوفر خيارات أكثر للمستخدم، كما تتعزز المنافسة بين الشركات، ما قد ينعكس بشكل إيجابي على الجودة والأسعار.
ببساطة نموذج VULA هو مثال على نوع من الباقات متوسطة التكلفة، توفر إنترنت عبر الألياف الضوئية بسرعة جيدة وسعر مناسب، لتلبي احتياجات أوسع شريحة من المستخدمين.
وتعليقاً على إطلاق المشروع، قال وزير الاتصالات وتقانة المعلومات، المهندس عبد السلام هيكل:
«مشروع برق نت يوفّر البنية التحتية ونموذج العمل التجاري اللازمين لإنترنت بسرعة فائقة تلبي احتياجات السوريين في حياتهم اليومية وعملهم، ويتيح استخدام آمن للخدمات الذكية والمحتوى المحلي والحوسبة السحابية، ويشجع على بيئة ريادة أعمال رقمية نوعية».
كما أضاف الوزير هيكل أن التمويل المتاح لهذا المشروع يشكّل فرصة استثمارية حقيقية للشركات، تتيح لها الاستمرار في تقديم أفضل الخدمات بأسعار مناسبة للمشتركين.
اقرأ أيضاً: وزارة الاتصالات تلغي التراخيص المسبقة لتطبيقات الخدمات الرقمية
وقد لاقى إعلان المشروع تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وتفاوتت التعليقات بين المديح والنقد والمقترحات البنّاءة.
علّق أحد المستخدمين متحدثاً عن النموذج المستخدم في الدنمارك، وأشار إلى أن الاتصال اللاسلكي هناك متاح للجميع بأسعار معقولة، ورأى أن هذا الحل يمكن أن يكون مناسباً لتوصيل الإنترنت إلى معظم المنازل في سوريا، بسرعة وكلفة أقل من مشاريع تمديد الألياف الضوئية، والتي يرى أنها ضرورية أكثر لاحتياجات الشركات والمؤسسات، داعياً إلى توفير باقات إنترنت مناسبة مرفقة براوترات لاسلكية، تسهّل الوصول إلى الخدمة بجودة وسعر مقبولين.
وفي تعليق آخر، طالب فادي بإعادة النظر في الأسعار وقال:
«دفع مبالغ وكأن الخدمة ممتازة، بينما لا نحصل إلا على جزء بسيط منها. وإذا كان الحل الجديد سيأتي بسرعة وجودة، ولكن بكلفة مرتفعة، فلن نكون قد استفدنا فعلياً».
أما فواز، فرؤيته مستقبلية طموحة، إذ دعا إلى إنشاء مدينة تقنية متكاملة تكون مركزاً لشركات التكنولوجيا وريادة الأعمال. واقترح أن تزود هذه المدينة بالإنترنت عالي السرعة، وكهرباء مستقرة، لتشكل بيئة محفزة تشبه «وادي السيليكون”.
ومع الإعلان عن إطلاق مشروع «برق نت»، من المهم أن نتعرّف إلى إنترنت الألياف الضوئية، ومميزاته.
ما هو إنترنت الألياف الضوئية؟
هو نوع من أشكال الاتصال الأكثر تطوراً في العالم اليوم، ويعتمد على كابلات خاصة تُستخدم لنقل البيانات عبر الضوء، بسرعة تقارب 70% من سرعة الضوء نفسه.
يمتاز هذا الإنترنت بسرعته الفائقة التي قد تصل إلى 10 غيغابت في الثانية، وبقدرته على مقاومة التداخل الكهربائي والظروف الجوية، كما أنه أقل عرضة للانقطاعات مقارنة بالكابلات التقليدية.
وكون اسمه لم ينتشر إلّا مؤخراً، فقد تظن أنه أحد التقنيات الحديثة، إلّا أن استخدام الألياف الضوئية كان قد بدأ في سبعينيات القرن الماضي، وفي عام 1988 تم تمديد أول كابل ألياف ضوئية تحت سطح البحر لربط الولايات المتحدة بأوروبا، ومن وقتها توسعت الشبكات بشكل هائل لتشكّل اليوم ركيزة مهمة للإنترنت العالمي، خاصة في الدول المتقدمة التي استبدلت بها كابلات النحاس القديمة.
ولكن كيف يتميز عن ADSL؟
تعتمد تقنية ADSL على خطوط الهاتف التقليدية لنقل البيانات، وتوفر سرعات تنزيل أعلى من التحميل، وهي منتشرة بشكل واسع وغالباً ما تعدّ خياراً اقتصادياً لكثير من المستخدمين.
بينما تستخدم تقنية الألياف الضوئية كابلات متطورة تنقل البيانات عبر الضوء، ما يمنحها قدرة كبيرة على تحقيق سرعات عالية جداً في التحميل والتنزيل معاً، واستقراراً أكبر في الاتصال ومقاومة أعلى للتداخلات التقنية أو البيئية، ولكن هذه الألياف لا يزال استخدامها محدوداً نسبياً في بعض المناطق، كما أن كلفتها أعلى من ADSL، لكنها تقدّم أداءً أفضل بكثير.
اقرأ أيضاً: واقع المعلمين في شمال غرب سوريا يسلط الضوء على واقع المعلمين عموماً
وضع الإنترنت في سوريا
منذ بداية سنوات الحرب عام 2011، شهد قطاع الاتصالات والإنترنت في سوريا تدهوراً كبيراً، خاصة في المناطق التي شهدت صراعات عسكرية وتدخلات خارجية، ما جعل من تحديث الشبكة أمراً صعباً مع توقف الاستثمار وغياب الموارد.
وتعرضت البنية التحتية في كثير من المناطق لأضرار هائلة بفعل القصف، السرقة، نهب الأبراج، وتدمير مراكز البريد والاتصالات، ما أدى إلى خسائر قُدِّرت بمليارات الليرات.
وفقاً لأرقام رسمية، تكبّد قطاع الاتصالات خسائر ضخمة نتيجة سرقة الكابلات، بلغت في عام 2024 أكثر من 10 مليارات ليرة، وهي أقل من عام 2023 التي زادت عن 24 مليار ليرة.
واليوم، في معظم المناطق، لا تزال الأوضاع على حالها، خاصة بعد فصل الكثير من الكفاءات من مديريات الاتصالات، ومع ذلك، تحاول الحكومة السورية الجديدة إصلاح ما تم تدميره، ضمن خطة وطنية شاملة لإعادة بناء القطاع.
ذلك لأن تطوير البنية الرقمية بشكل عاجل يعدّ أمراً غاية في الأهمية، في ظل الاعتماد المتزايد على الإنترنت في سوريا والعالم في كل جانب من جوانب الحياة اليومية، من التعليم والعمل إلى الخدمات الحكومية والتجارة، كما أن تحسين البنية التحتية الرقمية سيدعم الاقتصاد الوطني من خلال تحفيز ريادة الأعمال، وجذب الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا.
كذلك سيفيد في دعم الشباب الذين يشكلون شريحة كبيرة من السكان، لكي تفتح لهم أبواب التواصل مع العالم وفرص العمل والتعليم والتنمية الذاتية.
ختاماً، «برق نت» مشروع طموح حقاً، في انتظار أن يتم تنفيذه على أرض الواقع وعلى أمل أن نلمس نتائج قريبة لتحسّن الإنترنت في سوريا، بما يواكب التطور في العالم.
اقرأ أيضاً: مرضى السرطان في السويداء واللاذقية يفتحون باب التساؤلات حول واقع المرض