مقالات

مسار عمان واتفاق دمشق: طوق النجاة السياسي من الدم المكلف

مقال رأي – مزيد الكريدي – مسار عمان واتفاق دمشق: طوق النجاة السياسي من الدم المكلف
كان من الواضح منذ البداية أن مسار عمان يشكل المرجعية الأساسية للحل في السويداء، إلا أن بعض الجهات لا تزال تصر على بيع الأوهام. واليوم، تتجلى الأمور بوضوح أكبر في اتفاق دمشق، الذي كان بالإمكان تفعيل بنوده منذ زمن، وقبل تدويل القضية، وقبل أن ندفع هذا الثمن الباهظ: ارتكاب مجازر خلفت دماء عزيزة، ومئات الأسرى والمختطفين، وقرى مستباحة ومحروقة، وشرخ عميق في النسيج الوطني.
ونأمل أن لا نعيد الكلام نفسه مع خسائر أكبر.
أمقت المهاترات، ولكن من الضروري الإشارة إلى تفاهات لا تزال تطرح في الفضاء العام: المعبر قادم، في 15/9، أو في 25/9…، مجلس عسكري خلال شهر، تغيير دولي بعد بضعة أشهر… وغيرها الكثير. مزايدات فارغة، وتنجيمات ساذجة، لحصد الإعجابات، أثبتت التجربة أنها لا تثير إلا السخرية…
لولا أنها، وبسبب نجوم السوشال ميديا في زمن التفاهة، تساهم فعلياً في إراقة المزيد من الدم، عبر تعميق حالة الإنكار وزيادة الانقسام، ورفض العودة إلى منطق السياسة. التي لايجوز أن يسد بابها مهما كانت الظروف.
أما في ما يخص العودة إلى السياسة، فالأمل لا يزال معقوداً على قوى المجتمع المدني، ونخب السويداء ومثقفيها، للخروج من دوامة المزايدات الثورية، والعودة إلى الفعل السياسي، وتصحيح الفهم الخاطئ الذي درج على تصوير السياسة كتنازل عن الدم أو كمجرد مساومات عبثية.
فالسياسة، مفهوم لإدارة شؤون الناس والدفاع عن حقوقهم ومصالحهم، والمأزق الحالي يستوجب تفكير سياسي نحو بناء مشروع يعبر عن تطلعات المجتمع، وهذا يحتاج إطلاق حوار داخلي يستند إلى مبادئ وأسس جامعة تحظى بقبول شعبي واسع، وتتقاطع مع التفاهمات الدولية، ولا سيما مسار عمان واتفاق دمشق، والتي تشمل:
  • محاسبة كل من تورط في ارتكاب الانتهاكات، أياً كانت صفته أو انتماؤه.
  • إطلاق سراح الأسرى والمخطوفين والمخطوفات.
  • إعادة ترميم القرى، وتعويض المتضررين، وجبر الضرر الجماعي، كمدخل ضروري لإعادة بناء الثقة.
على هذه الأسس، يمكن الشروع في بلورة مشروع سياسي، تكون أولى مهامه فك الارتباط بين قضية السويداء والمشروع الاسرائيلي، ومن ثم صياغة علاقة جديدة وعادلة بين السويداء والدولة المركزية. علاقة تنضج بالحوار من داخل السويداء أولاً، ثم تناقش ضمن حوار وطني أوسع يشمل الدولة وباقي مكونات الشعب السوري.
إن رفض الفعل السياسي، بما يتضمنه من تنظيم وحوار ومسؤولية، هو الخطيئة الكبرى، لأنه يزج بالسويداء في رهان صفري وطويل الأمد، بين خيارين أحلاهما مر:
  • انفصال يخفي خلفه مشروع ضم اسرائيلي.
  • أو عودة إلى الحكم المركزي بصيغته القديمة، من دون أي إصلاحات أو ضمانات.
والأخطر من ذلك، أن كلا المسارين، في غياب السياسة وأدواتها، قد يقود إلى محطة بالغة الخطورة؛ الاحتراب الداخلي، نتيجة لتصاعد التوترات الاجتماعية، والانقسامات الداخلية، التي سيعززها الحصار الاقتصادي، وتدهور الوضع الأمني.

اقرأ أيضاً: حماية الأقليات واجبة.. سواء في تصويت على الغداء أو في نصوص الدساتير

اقرأ أيضاً: «مظلومية السنة» بين أيتام صدام وضحايا الأسد: ذاكرة جمعية أم اجتماعية؟

————————————————————————————————————

تنويه
يفتح موقع «سوريا اليوم 24» صفحاته لكل من يحمل رأياً ويرغب في التعبير عنه بحرّية ومسؤولية، إيماناً منا بأن الحوار هو السبيل الأمثل لفهم الواقع وصياغة المستقبل. نحن نُجري لقاءاتنا مع ضيوف من مشارب فكرية وسياسية متعددة، نستمع إليهم ونعرض ما لديهم بأمانة وموضوعية، وننقل الآراء المختلفة من مصادر متعددة. ولكن نشرنا لآرائهم لا يعني بالضرورة تبنّيها، بل يأتي في إطار رسالتنا الهادفة إلى ترسيخ ثقافة الحوار وتبادل الرؤى في فضاء من الاحترام والانفتاح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى