مداهمة في شاطئ اللاذقية تنتهي بالضرب والإهانات… والضحايا يطالبون بالمحاسبة لا الانتقام

حصري «سوريا اليوم 24» – حررت المقال: أوديت حسن – مداهمة في شاطئ اللاذقية تنتهي بالضرب والإهانات… والضحايا يطالبون بالمحاسبة لا الانتقام
تفصلنا قرابة الشهرين عن الاحتفال بمرور عامٍ على سقوط السلطة الأمنية التي كانت تحكم سوريا بالإطباق على أنفاس مواطنيها، والتي التي لم تراعِ قانوناً ولا عُرفاً، بل ممارساتِ القوة والإذلال والمهانة. لكن، رغم ذلك، ما تزال العدالة هي الاختبار الصعب في هذه البلاد. ليس لأنّ الناس تخلّوا عنها، بل لأنّ الطريق إليها كثيراً ما يمرّ بالوجع والخوف والصمت. في وادي قنديل في الساحل السوري، لم تكن مجموعة من العائلات والشباب تبحث سوى عن يوم عطلة عاديّ على البحر. لكن ما بدأ بنزهة هادئة تحوّل فجأة إلى مداهمة صاخبة، انتهت بإهاناتٍ واتهاماتٍ واعتقالاتٍ طالت نساءً ورجالاً، كباراً وصغاراً، على حدّ سواء، ومسروقات بالملايين، من أشخاص يرتدون الزيّ الرسمي!
لم يطلب من التقينا بهم، أو سمعنا عن قصصهم، تخريباً ولا انتقاماً. قالوا جملة تلخّص ما يريدونه:
«بدنا حقّنا بالقانون، لا أكتر ولا أقل».
من منطلق هذا الحقّ، نكتب اليوم مقالاً مبدئياً على عجل، قبل أن يضيع الزمن وتُطمس التفاصيل، ساعين إلى أن نكون مرآةً للواقعة لا منصةً لإدانةٍ مسبقة. هدفنا وهدف الشهود واحد: تصويب المسار، ومحاسبة من أخطأ، وردّ الحقوق إلى أصحابها. وما نرفضه نحن والشهود أيضاً، أن يستخدم دعاة التخريب هذه الأحداث لتحقيق أجنداتهم.
ومن المهم أن نذكر بأننا حاولنا في «سوريا اليوم 24» التواصل مع وزارة الداخلية عبر القنوات الرسمية، لكن لم نجد وسيلة أو خطاً مخصصاً للاستفسارات الإعلامية. سنحاول في الأيام التالية – عبر القنوات الخاصة «بسوريا اليوم 24» الحصول على تصريح أو ردّ رسمي يوضّح ما جرى وما سيجري، لنمنح السلطات حقّ الردّ الكامل ونشرح للقارئ ما اتُّخذ من إجراءات.
بداية الرحلة
تعود الحادثة إلى يوم الخميس 2 تشرين الأول 2025 في وادي قنديل، وتحديداً داخل مجمعي شاليهات قانونيين ومفتوحين للعلن. كان بعض النزلاء قد وصلوا قبل يومٍ من المداهمة، وآخرون في اليوم ذاته. أحد الشهود قال لنا:
«كنا في الشاطئ، الجوّ هادئ، وكان معنا أصدقائنا، وبعضهم عائلات. فجأة ركضت نحونا مجموعة كبيرة من الرجال المسلحين، يصرخون ويشتمون. لم نفهم في البداية من هم، ظنناهم متجهين إلى مكانٍ قريبٍ منا، ولم يخطر لنا أنّهم يهجمون علينا».
لكن، وكما تَبيَّن لاحقاً، كانت تلك مداهمة أمنية نفذتها قوة مشتركة من «عناصر الأمن العام وشرطة البلدية والأمن الجنائي»، وفق ما ورد في روايات الشهود.
لم تُقدَّم أي مذكرة رسمية للذين تمّ اعتقالهم، ولم يبرز أحد منهم تعريفاً واضحاً بنفسه، بل لم يتمّ منحهم فرصة ليفهموا ما يجري حولهم.
يقول الشاهد الأول:
«شحطونا على الأرض وضربونا بالعصي وبالأيدي. حاولت أن أحمي بنتاً من مجموعتنا كانت عم تنضرب، فانهالوا عليّ بالضرب الكثيف، وخرطش أحدهم الروسية في رأسي، فعلمت هنا أنني قد أكون على بعد خطوة من الموت قتلاً. ربطونا بأحزمة بلاستيكية، وصوّرونا بموبايلاتهم وهم عم يصرخوا».
فيما بعد، سمع الذين تعرضوا للاعتداء من أكثر من شخص بأنّ قائد المجموعة الأمنية يدعى «أبو عبدو» ومنصبه «أمير قوّة»، ولم يفهموا – كما لم نفهم نحن – ما الذي يعنيه ذلك.
لكن المهم، أنّه في لحظة، تحوّل المكان إلى فوضى كاملة: صراخ، أوامر متضاربة، ونساء يركضن مذعورات.
الشابة القادمة من أوروبا
تقول إحدى الشاهدات اللواتي كانت هناك بصحبة عائلتها، بأنّ إحدى اللواتي تعرضن للضرب من المعتقلين شابة سوريّة مقيمة في أوروبا، وموجودة في سوريا في إجازة قصيرة. تشرح لنا الشاهدة ما حصل مع الفتاة التي تعرفت إليها في الحجز:
«بعد عناء كتير وعملية نصب تعرضت لها الفتاة مع عائلتها، قدرت توصل على وادي قنديل ولقت كوخ مقبول. بعد ما نضفت، نزلت سبحت شوي، وطلعت ولفّت حالها بمنشفة، وجلست عند كشك على الشاطئ وطلبت فنجان قهوة. قبل ما تكمّل شربه، دخلوا رجال مسلحين بلباس رسمي، وبلشوا يصرخوا ويسبّوا بكلمات ما بقدر عيدها».
تتابع:
«أمرونا جميعنا أن نقف بصفين، البنات بصف والشباب بصف ورا. فجأة ونحنا عم نستفسر، واحد منهم ضربني، وضرب الصبية بعصا على ظهرها وهي عم تحاول تغطي أختها اللي عم تنضرب. بقينا نُضرب بقسوة، وشحطونا ونحنا بتياب البحر على الباصات».
داخل الباص، أجلسوا الفتيات والشباب فوق بعضهم، بشكل حرفي كما وصفت، في مشهدٍ همجيّ ومهين.
«واحد من العناصر قال لزملائه: هيك منظر رح يجيب وجع راس، فسمحوا إلنا بالنزول لنبدّل تيابنا. بس دخلوا معنا على الغرف، وقالوا بركي مخبّيين شي، وضلّوا واقفين ونحن عم نلبس».
كانت الشاهدة منزعجة تكاد تنفجر وهي تروي:
«طلبنا منهم يطلعوا، بس رفضوا. شعرت بإهانة ما بتنوصف وأنا عم حاول خبي حالي، واللي قدامي عم تغطي اختها، ورفيقتي عم تحاول تخبينا ونحنا عم نبدل تيابنا».
بعد ذلك بقليل، كان واضحاً مدى الارتباك وسوء التنسيق. ذهب الباص دون اصطحاب بعض الفتيات معه، لهذا قاموا بإركابهن سيارة من السيارات المتوقفة.
في الطريق، تحوّل السائقون إلى مجانين يسابقون بعضهم البعض، وهم يرفعون صوت الأغاني عالياً.
سألتها: «هل كانت أغاني جهادية أم أغاني عادية»، لكنّها أجابت بأنّها أغاني عادية، إحداها أغنية دبك وزمر وأعراس.
داخل مركز الأمن الجنائي
بعد أقل من ساعة، وصلت المجموعة إلى مركز الأمن الجنائي في اللاذقية. فُكّت قيود بعض الشباب، وأُدخلت النساء – بعضهن مقيدات وأخريات دون قيد – إلى غرفة، وأُجري تحقيق أولي بسيط.
يقول كلا الشاهدين:
«التحقيق كان شكلياً. سألونا عن أسمائنا ومن وين جايين، وما في أي شي جدّي».
ويضيف شاهدنا الأول:
«بعد التحقيق، جابوا ورقة وطلبوا نوقّع إننا ما تعرّضنا لأذى. كان هناك في المركز 65 معتقل، بعضهم مضى ووقع، وآخرون لم يكن معهم أغراض لتسرق فقد كانوا على الشاطئ وحسب حين اعتقالهم. بقي عشرون من أصل خمسة وستين، رفض الباقون التوقيع وأصرّوا على أنّهم يريدون المحاسبة واسترجاع ما سرق منهم».
خلال الاحتجاز، الذي استمرّ حتى اليوم التالي، بقي الجميع على الأرض في الممرات. بعضهم يعاني من كدمات ونزيف خفيف. عندما كان رجال المخفر يريدون إعادة الأغراض للموجودين، تبيّن بأنّ الأغراض منقوصة: دولارات وأموال بالعملة السورية وموبايلات، بل وحتى ثيابٌ داخلية.
اتفق الشاهدان على أنّ عناصر الجنائية كانوا مرنين ولطفاء مع الجميع، وبأنّهم أكدوا لهم بأن عناصرهم كانت هناك للمؤازرة فقط ولم يكن لهم أيّ يدٍ فيما حصل لهم، ناهيك عن التعاطف معهم لما حصل.
لم يعرف الشاهدان إن كان ما قاله هؤلاء حقيقي، أم أنّه تبرير يُقصد به حماية المذنبين. بأيّ حال، لم يُغيّر ذلك شيئاً في واقع الاحتجاز ولا في السرقة الكاملة للأغراض الشخصية.
العروس التي طُلب منها أن تكفّ عن «الاستشرف»
وسط هذه الأحداث، برزت رواية لامرأة شابة كانت عروساً جاءت من إحدى محافظات الشمال مع زوجها لقضاء أيام قليلة في الكوخ.
تقول الشاهدة التي تعرفت عليها في يوم الاحتجاز، ونقلت قصتها:
«دخلوا عليهم وهيّ بالحمّام. ضربوا زوجها وجرّوها لبرا. هي محجّبة، طلبت بس تلبس الحجاب، فصاروا يصرخوا عليها ويشتموها ويقولوا: “جاي تستشرفي علينا؟”».
تتابع:
«بعد ما أراهم عقد الزواج، سمحوا إلها تلبس، بس كانوا قد أخدوا زوجها وهني عم يضربوه. بقي واحد بالغرفة معها وهي عم تحاول تتستر».
عندما حاولت التواصل مع الرجل وزوجته لأنقل قصتهما، أخبرتني الشاهدة بأنّه من كثرة ما تعرض للضرب والإهانة هو وزوجته، كانا يريدان الخروج والذهاب والنفاذ بجلدهما، ونسيان كلّ ماحصل. لهذا السبب لم ينضما للمجموعة التي رفضت التوقيع، واستمرّت بتقديم الشكوى كما سنرى.
شاليهات مختومة وممتلكات مفقودة
في اليوم التالي، وبعد مضي حوالي العشرين ساعة على الاحتجاز، أعيد المحتجزون إلى الشاليهات لتفقّد أغراضهم. يقول الشاهدان:
«رجعونا عالشاليه، لقيناه مشمّع ومختوم. الحقائب مفتوحة، الغراض منثورة، حتى الشحّاطات والملابس الداخلية مسروقة. العناصر اللي رجعونا هنن نفسهم ضربونا».
استطرد الشاهد الأول:
«لم يحملنا عقلنا عندما رأينا أنّ الذين ضربونا هم ذاتهم مرافقين لنا، بل إنّ بعض البنات رفضن الذهاب في البدء خائفات من أنّه سيتمّ إطلاق النار عليهن وقتلهن هناك».
كما هو متوقع، لم يجدوا شيئاً في الشاليهات، بل كانت ممتلكاتهم مسروقة بأكملها: مصاغ، دولارات، أموال بالليرة، ثياب، أحذية، شحاطات، وحتّى ثيابهم الداخلية. بل إن البعض تتبّع هواتفه ووجد بأنّ آخر موقع لها هو خارج المخفر.
يقول الشاهد:
«أمتعة بعضنا كانت تحوي أكثر من 30 مليون.. لم نجد شيئاً، سرقوا الموبايلات والمصاري والشواحن، وحتّى التياب الداخلية سرقوها».
تقول الشاهدة:
«موبايلات بعضنا آي فون، فيهن يتبعوها، وآخر ظهور الها قبل ما يطفوها هي برا المخفر. هالحكي معناه أنو واحد أو اكتر من اللي جابونا حطهن بجيبتو. وقت واجهناهن بالحقيقة تلبكوا وحاولو يلفو عالسيرة، وقال بعد ما جابونا دخلو حرامية سرقو الغراض… أي عقل بدو يصدق هالحكي؟… أحد الأشخاص معنا صحفي، وتواصل مع الجهات التي يعرفها، فوصل الخبر إلى مكتب المحافظ. بدأت تأتيهم الاتصالات بالتأنيب بمعنى: شو هالخبصة اللي خابصينها؟».
بعد عودة المجموعة خائبين، ورفضهم توقيع الورقة. أخبروهم بأنّ عليهم أن يغادروا إلى منازلهم، وأن يعودو بعد نهاية العطلة، أي يوم الأحد، لتقديم شكوى.
بعد ذلك، قال القائمون بأنّهم استعادوا بعض الأموال من الشاليهات، وبأنّهم سيوزعونها على الأشخاص كي يتمكنوا من العودة.
تقول الشاهدة:
«تم تقسيم الأموال علينا بحسب محافظاتنا، وحصل كل منا على مبلغ. هناك اربع فتيات من الشام حصلن على مبلغ يجاوز المليون قليلاً… قالت لهن واحدة من الفتيات اللواتي يعشن في دمشق: أنا لحالي خسرت أكتر من عشرة مليون كاش، فكيف بدي يعوضوني عن خسارتي! أختي انسرق موبايلها اللي عليه كل شغلها من سنين، وهلق هي بمصيبة حقيقية… مين بدو يعوضها! قرايبتي اللي ضربوها وصار في وذمة دم بعينها، مين بدو يعوضها نفسياً عن اللي صار معها!».
الشكوى والانتظار
يوم الأحد 5 تشرين الأول، توجهت المجموعة التي رفضت التوقيع إلى مركز الشكاوى في دمشق. تمّ استقبالهم بشكل جيّد هناك، ووعدوهم بأنّهم سيحصلون على حقّهم، وسيتم التواصل معهم خلال 48 ساعة. وعندما سألوا عن الإجراء التالي، أجابوهم بأنّ الملف سيُرفع إلى وزير الداخلية، فإمّا أن يقوم هو بطلبهم للاستماع إلى ما لديهم، أو أن يأمر ببدء التحقيقات على الفور.
يتفق الشاهدان، وينقلان عن بقية مجموعتهما:
«نحن ما بدنا ضجة وبدنا الأمور تتصحح بالقانون، بس إذا ما صار شي، راح ننشر الصور والفيديوهات، لأن كل شي موثّق، ورح نطلع عالإعلام نحكي أكتر».
اطلعت على بعض الصور والفيديوهات، ولم أكن مخولاً بعرض أيّ منها، وذلك لأنّ الشاهدين يريدان ضمان أن تفي المجموعة بوعدها للسلطات الرسمية، فهما كما أكدا مراراً، عن نفسيهما، وعن المجموعة بأكملها: لا يريدان للعابثين أن يستغلوا قصتهم، بل يريدون العدل والقانون فقط.
عندما سألتُ إن حصل أحد المراجعين على رقمٍ للمراجعة أو نسخة من ضبط، تمّ التأكيد بأنّ القائمين على الأمر طلبوا منهم الانتظار 48 ساعة ليتم التواصل معهم وحسب.
بين الأمل والخوف
بعض من شاركوا في الرحلة ما زالوا يريدون التحدث وسننشر قصصهم تباعاً إن كانوا راغبين. آخرون لا يزالون خائفين أو يفضّلون الصمت.
شاهدنا الأول قال:
«ما بدنا نفقد الأمل. نحنا بعدنا مؤمنين إنو ممكن الدولة والقانون يصير الهن وزن. بس إذا ما حاسبوا اللي ضربونا ورجعونا، رح تكون كارثة».
تستطرد إحدى الحاضرات:
«أنا كتير كنت مبسوطة، وجاي عبالي حس بأني جزء من هالبلد… وقت فاتو علينا فكرناهن داعش وجايين يخطفونا، ما خطرلنا أبداً يكونو الهن صفة رسمية».
يبدو لي في ختام هذا المقال أنّ جميع الذين تمّ الاعتداء عليهم يريدون شيئاً واحداً: قانوناً يحميهم، ويمنع محاولات تكرار قمع وذلّ السلطة السابقة، فهل يحصلون عليها، أم تظلّ العدالة والحساب مشلولين؟
حتى لحظة نشر هذا المقال، لم نحصل على أيّ تعليق رسمي من وزارة الداخلية على ما جرى في وادي قنديل – كما أسلفت في الأعلى، ونتمنى أن نحصل عمّا قريب على ردٍّ رسميّ من الوزارة بأنّهم أحالوا المعتدين إلى التحقيق، مع مؤيدات حصول ذلك بالفعل، وأن يعيدوا لجميع من طالهم الاعتداء اعتبارهم وأموالهم، وأن ننشر ذلك لاحقاً.
هذا المقال ليس نهاية القصة، بل بدايتها. كتبنا هذا المقال على عجل، كي لا يضيع حقّ من طالب به. نحن مؤمنون بأن وزارة الداخلية قادرة على تصويب الوضع ومحاسبة الجناة، وأنّ صوت القانون يجب أن يعلو فوق أي صوت آخر.
اقرأ أيضاً: مياه الأمطار المهدورة.. كيف تضيع ثروة سوريا المائية بين البحر والجبل
اقرأ أيضاً: من فكر الثورة إلى مؤسسات الدولة…حوار شيق مع الدكتور نوار نجمة




