مخيم اليرموك بين أطلال الدمار وواقع الملكيات المنهوبة

مع بدء عودة بعض أهالي مخيم اليرموك إلى بيوتهم بعد سنوات من النزوح، اصطدم كثيرون منهم بواقع مؤلم، فقد وجدوا أن ممتلكاتهم لم تعد ملكهم، وأن بيوتهم ومحالهم أصبحت ملكاً لآخرين، وعكس هذا المشهد الفوضى التي أصابت المخيم وأملاكه خلال سنوات الحرب والحصار.
يشرح المحامي والناشط الحقوقي غياث دبور، عضو لجنة الصلح ومكتب التمكين المجتمعي في المخيم للصحفية وفاء الحميد من موقع “الهدف”، تفاصيل الوضع القانوني للملكية داخل اليرموك.
أشار دبور أن العقارات تتوزع بين ثلاث فئات رئيسية. الفئة الأولى هي الملكية النظامية (الطابو)، وهي قليلة وتتركز في شارع الثلاثين، وتسجل رسمياً في السجل العقاري ويمكن نقلها قانونياً. أما الفئة الثانية فهي أراضي المؤسسة، التي تعود ملكيتها للهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين، حيث يُمنح الفلسطينيون فيها إذن سكن لمدة 99 عاماً، ما يعني أن الأرض ليست ملكاً شخصياً. والفئة الثالثة والأوسع انتشاراً هي الملكية عبر كاتب العدل أو الوكالات والعقود الموجزة، التي كانت تُنظم في مناطق الحجر الأسود واليرموك وبيلا والقصر العدلي، وقد أُتلفت سجلات كثيرة منها خلال الحرب والحصار، مما ضاعف من تعقيدات إثبات الملكيات لاحقاً.
ويكشف دبور أن العديد من سجلات كاتب العدل والزواج والبيوع في المخيم فُقدت أو أُحرقت أثناء الحصار، إذ حالت عمليات القنص والقصف دون تمكن المحامين والجهات المعنية من إخراجها، رغم محاولات سابقة لإنقاذها بالتنسيق مع بعض القضاة.
ومع عودة السكان تدريجياً بدأت شكاوى نهب الممتلكات والاستيلاء على العقارات ترد لهم. ويقول دبور إن اللجنة التي يعمل فيها تلقت عشرات الحالات، بعضها يُحال إلى القضاء أو مخفر شرطة اليرموك، وبعضها الآخر يُحلّ بشكل ودي في حال التعرف على المزورين أو المعتدين. ويشير إلى أن نسبة التزوير في الوكالات والعقود ليست قليلة، وأن العديد من القضايا ما زالت قيد المعالجة القانونية.
ويؤكد دبور أن هذه الممارسات ليست حالات فردية، بل بدأت منذ ما سُمّي ب”تحرير المخيم” عام 2017، حين فرضت الحواجز الأمنية إجراءات دخول صارمة تطلب إبراز أوراق الملكية، ما حال دون عودة بعض أصحاب البيوت المطلوبين أمنياً. وهنا استغل آخرون هذا الوضع، فدخلوا بيوت المهجرين بموافقات أمنية أو وثائق مشبوهة، ليجد الأهالي لاحقاً أن بيوتهم سُجلت باسم غيرهم.
عمليات النهب لم تقتصر على المساكن فحسب، بل طالت أيضاً المحال التجارية والعقارات غير السكنية. يروي دبور حادثة حديثة لأحد أصحاب المحال الذي وجد جداره مهدوماً وباب محله مسروقاً، ما اضطره إلى تقديم ضبط رسمي لدى الشرطة.
أما الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة، فيراها دبور ناتجة عن الفراغ الأمني وتسلط بعض الحواجز العسكرية، التي كانت تتحكم في دخول الأهالي إلى بيوتهم وتفرض مراجعات أمنية مطولة. بعض المواطنين تعرضوا للابتزاز، إذ طُلب منهم دفع المال للسماح لهم بالعودة، فيما تم الاستيلاء على بيوت من رفضوا أو لم يتمكنوا من مراجعة الأفرع الأمنية.
وعن الأطراف المتورطة، يشير دبور إلى أن الأمر ليس منظماً بشكل مؤسسي، لكنه يؤكد وجود أفراد متعاونين مع عناصر من الحواجز الأمنية، وقد صدرت بحق أحدهم مذكرة توقيف بعد ورود شكاوى متعددة ضده.
على الصعيد الاجتماعي أحدثت هذه الاعتداءات جروحاً نفسية عميقة بين السكان. فالكثيرون عادوا ليجدوا منازلهم محتلة، ما أثار توترات محدودة، لكن لجان الصلح تعمل على تهدئة النفوس ومنع تفاقم النزاعات بحسب دبور.
ولا توجد حتى الآن إحصاءات دقيقة عن حجم الظاهرة، إذ إن الحالات تُتابع بشكل منفصل بين القضاء والمخافر، إلا أن دبور يصفها بأنها “نسبة متوسطة”. وتتركز الشكاوى في مناطق شارع عين الغزال، العروبة، التقدم وصفد، حيث تنتشر حالات الاستيلاء على بيوت المهجرين أو المطلوبين للأمن.
وفي ما يتعلق بمحاولات استعادة الحقوق، تعمل اللجنة على استدعاء المعتدين ومواجهتهم بالأدلة، وإن تعذّر الحل الودي تُحال القضايا إلى القضاء. وتشمل الإجراءات القانونية المتاحة قضايا إعادة الحيازة أو طرد الغاصب، لكن هذه المسارات تحتاج إلى وقت وجهد وتكاليف.
وعن دور الدولة، يشير دبور إلى أن السلطات استعادت عدداً من العقارات المنهوبة في بداية التحرير، بينها منزل نائب الرئيس السابق فاروق الشرع، فيما لم تُسجّل تدخلات رسمية كبيرة في المخيم ذاته، نتيجة ضعف المتابعة القانونية من الأهالي وعدم تقديم شكاوى رسمية. ومع ذلك، تبقى مراجعة القضاء الطريق الوحيدة لاسترداد الحقوق، كما حدث في بعض الحالات التي أُعيدت فيها العقارات إلى أصحابها بعد تقديم الإثباتات.
أما من الناحية القانونية فيوضح دبور أن جرائم التزوير والنهب تُعد من الجنايات، إذ يُعاقب مرتكبوها بالسجن من 10 إلى 15 سنة مع التشديد، خصوصاً في حالات تزوير الوثائق الرسمية وبيع العقار أكثر من مرة.
ورغم ما خلفته هذه الأحداث من جراح، يؤكد دبور أن مخيم اليرموك ما زال يحتفظ بروح التعاون والتضامن بين أبنائه، مشيراً إلى أن ما جرى لا يمكن أن يطمس صورة المخيم كعاصمة للشتات الفلسطيني، وما زالت “الأيادي البيضاء كثيرة، وروح الحب متأصلة في جذوره” على حد تعبيره.
وفي الختام، مشكلة مخيم اليرموك واحدة من عشرات المشكلات في العديد من المحافظات السورية المعنية بالقضايا العقارية، وكنا سابقاً في سوريا اليوم 24 قد تحدثنا عن هذه المشكلة المنتشرة بشدة في مدينة.
اقرأ أيضاً: حمص.. مدينة أنهكتها الحرب ونهشها تشبيح العقارات




