مجلس الشعب السوري الجديد.. جدل قانوني وسياسي بين التعيين والانتخابات

في خضم التغيرات الجذرية التي شهدتها سوريا بعد سقوط نظام الأسد، تبرز الحاجة إلى بناء هياكل سياسية جديدة تعكس تطلعات الشعب نحو الحرية والديمقراطية.
ولذلك، يُعد تشكيل مجلس الشعب الأول في هذه المرحلة الانتقالية خطوة محورية نحو إعادة رسم المشهد السياسي في البلاد.
وهذا المجلس، الذي سيتحمل مسؤولية سن التشريعات ومراقبة عمل الحكومة، يثير العديد من التساؤلات حول طبيعته، وكيفية اختيار أعضائه، والجهات التي ستشرف على هذه العملية الحيوية.
فمن هم الأشخاص الذين سيشكلون هذا المجلس؟ وما هي الآليات التي ستضمن تمثيلهم لكل أطياف المجتمع السوري بشكل عادل وشفاف؟
مرسوم رئاسي بتشكيل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب
بتاريخ 2 حزيران 2025، أصدر رئيس الجمهورية أحمد الشرع المرسوم الرئاسي رقم 66 لعام 2025، القاضي بتشكيل لجنة باسم “اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب“، برئاسة محمد طه الأحمد، وعضوية كلاً من:
- حسن إبراهيم الدغيم.
- عماد يعقوب برق.
- لارا شاهر عيزوقي.
- نوار الياس نجمة.
- محمد علي محمد ياسين.
- محمد خضر ولي.
- محمد ياسر كحالة.
- حنان إبراهيم البلخي.
- بدر الجاموس.
- أنس العبده.
حيث كلف المرسوم اللجنة العليا بالإشراف على تشكيل هيئات فرعية ناخبة، حيث تنتخب تلك الهيئات ثلثي أعضاء مجلس الشعب، في حين يُعين الثلث الأخير من قبل رئيس الجمهورية.
هذا وقد نص المرسوم على أن يكون عدد أعضاء مجلس الشعب 150 عضواً، موزعين حسب عدد السكان على المحافظات، وفق فئتي الأعيان والمثقفين، ووفق شروط تقرها اللجنة العليا للانتخابات.
كما نصّ المرسوم على أن يُعين ثلث الأعضاء من قبل السيد رئيس الجمهورية وثلثي الأعضاء يتم انتخابهم وفق لجان انتخابية معتبرة، موزعين على المحافظات كالآتي:
- حلب (20) مقعداً.
- دمشق (11) مقعداً.
- ريف دمشق (10) مقاعد.
- حمص (9) مقاعد.
- حماة (8) مقاعد.
- اللاذقية (6) مقاعد.
- طرطوس (5) مقاعد.
- إدلب (7) مقاعد.
- دير الزور (6) مقاعد.
- الحسكة (6) مقاعد.
- الرقة (3) مقاعد.
- درعا (4) مقاعد.
- السويداء (3) مقاعد.
- القنيطرة (2) مقعدان.
موعد انتخابات مجلس الشعب السوري الجديد
أعلن رئيس اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب السوري، محمد طه الأحمد، أن انتخابات مجلس الشعب المرتقبة ستُجرى في سبتمبر القادم وتحديداً بين 15 و20 منه.
هذه الخطوة، التي تأتي في سياق التطورات الأخيرة، تهدف إلى تشكيل مجلس شعب جديد يساهم في إدارة المرحلة الانتقالية.
مكونات مجلس الشعب السوري الجديد
صرح رئيس اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب السوري، محمد طه الأحمد، لوكالة الأنباء السورية “سانا”، أن التشكيل الجديد للمجلس سيشهد توسعاً في عدد المقاعد، حيث سترتفع من 150 إلى 210 مقاعد.
وأوضح الأحمد أن 70 عضواً من هذه المقاعد سيتم تعيينهم مباشرة من قبل الرئيس، بينما سيعتمد توزيع باقي المقاعد على المحافظات وفقاً للإحصاء السكاني لعام 2011.
وفيما يتعلق بالتركيبة الداخلية للمجلس، أشار الأحمد إلى أن التشكيلة المقترحة تهدف إلى تحقيق توازن، حيث ستتألف من 70% من الكفاءات و30% من الوجهاء والأعيان، مع التأكيد على ضمان تمثيل المرأة بنسبة لا تقل عن 20% في الهيئات الناخبة.
الجدول الزمني للعملية الانتخابية
وفقاً لما أوضحه رئيس اللجنة العليا للانتخابات، محمد طه الأحمد، فإن العملية الانتخابية ستمر بمراحل زمنية محددة تبدأ بعد صدور المرسوم الخاص بالنظام الانتخابي المؤقت.
فبعد أسبوع من صدور المرسوم، سيتم اختيار اللجان الفرعية، تليها فترة 15 يوماً لتكوين الهيئات الناخبة.
بعد ذلك، سيُفتح باب الترشح لمدة أسبوع يمنح المرشحين فرصة لإعداد برامجهم الانتخابية، تليها مرحلة المناظرات بين المرشحين وأعضاء اللجان والهيئات الناخبة.
وأكد الأحمد أن الانتخابات ستُجرى في جميع المحافظات السورية “قدر الإمكان”، وفي المناطق التي يصعب الوصول إليها، سيتم التنسيق مع وجهائها لتشكيل لجان فرعية لضمان مشاركة الجميع.
ومن الجدير بالذكر أن اللجنة العليا كانت قد بدأت عملها في 19 يونيو الماضي، وتوقعت حينها أن يتم تشكيل المجلس الجديد في غضون 60 إلى 90 يوماً.
جدل حول تشكيل مجلس الشعب السوري الجديد
أثار تشكيل مجلس الشعب الجديد في سوريا، وفقاً للمادة 24 من الإعلان الدستوري، جدلاً واسعاً، حيث يتم اختيار ثلثي الأعضاء عبر هيئات فرعية، بينما يعين رئيس الجمهورية الثلث المتبقي.
هذا النظام، الذي لا يعتمد على انتخابات شعبية مباشرة، اعتبره البعض تعييناً غير مباشر بدلاً من انتخابات ديمقراطية حقيقية.
تحديات وصلاحيات المجلس
يتمتع المجلس بصلاحيات تشريعية كاملة، إلى جانب بعض المسؤوليات التنفيذية المحدودة، في حين تظل السلطة التنفيذية الكبرى بيد رئيس الجمهورية.
وهذا التكوين أثار تساؤلات حول استقلالية المجلس ونفوذ الرئيس على قراراته، خاصة مع صلاحيته في تعيين ثلث الأعضاء.
آراء قانونية وسياسية متباينة
تباينت الآراء حول هذا النظام الجديد، حيث أكد المحامي أنور البني، رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، لوسائل إعلامية أن الظروف الراهنة في سوريا تجعل إجراء انتخابات تشريعية أمراً مستحيلاً، وأن التعيين يضمن تمثيلاً عادلاً لجميع مكونات المجتمع السوري، بما في ذلك الأقليات، وأشار إلى أن هذا النظام يوازن بين الكفاءة والتمثيل المجتمعي، ويعالج الثغرات المحتملة في الانتخابات.
بينما اعتبر المحامي عبد العزيز درويش خلال حديثه مع وسائل إعلامية، أن الإعلان الدستوري هو دستور مؤقت تفرضه الضرورة الواقعية لتنظيم شؤون الدولة في المرحلة الانتقالية.
ورأى درويش أن آلية تشكيل المجلس التي تجمع بين الانتخاب والتعيين شرعية نسبياً بسبب غياب بيئة آمنة لإجراء انتخابات حرة، ولكنه أشار إلى أن اللجنة المسؤولة عن العملية تفتقر إلى وجود قانونيين، مما قد يؤثر على فعاليتها.
في حين أقر الكاتب والمحلل السياسي محمود علوش بأن تعيين رئيس الجمهورية لثلث أعضاء المجلس سيؤثر على توازن القوى، لكنه اعتبر أن تشكيل المجلس خطوة ضرورية لإضفاء شرعية شعبية على السلطة الانتقالية، كما أثار تساؤلات حول كيفية إجراء الانتخابات في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة ومشاركة اللاجئين، وذلك خلال حديثه مع إحدى الوسائل الإعلامية.
وفي تصريح لوسائل الإعلام، أكد الحقوقي مهند شهاب الدين أن الإعلان الدستوري الحالي غير قانوني ولا يمثل جميع القوى السياسية في البلاد، وأشار إلى أن محافظة السويداء وشمال شرق سوريا لن تحظيا بتمثيل حقيقي في مجلس الشعب القادم بموجب هذا الإعلان.
اقرأ أيضاً: تفاصيل أول تجربة انتخابات حقيقية ديمقراطية تشهدها سوريا بعد سقوط الأسد!
يبقى الجدل قائماً حول أفضل السبل لتشكيل مؤسسات شرعية في ظل الواقع السوري المعقد، فهل ينجح هذا التكوين في تحقيق التوازن المنشود؟


