الكاتب: أحمد علي
خلال الشهر الجاري، أعلنت منصات عالمية نيتها إدراج سوريا ضمن الدول التي تتيح لمواطنيها التداول بالعملات الرقمية. وجاء ذلك بعد تخفيف العقوبات الاقتصادية الغربية وتوسع الانفتاح السوري على الأسواق الدولية. لكن، وبين المؤشرات العالمية والبنية المحلية، يقف سؤال محوري: هل البيئة السورية قادرة فعلاً على استيعاب هذا النوع من التداولات؟ وهل المواطن السوري مهيأ نفسيّاً وتقنيّاً لخوض هذه المغامرة؟
العملات الرقمية في سوريا: انتشار محدود رغم الانفتاح
رغم ما تحمله هذه الخطوة من مؤشرات إيجابية على صعيد الانفتاح المالي، إلا أن الخبير الاقتصادي والمصرفي أنس الفيومي يقلل من احتمال انتشار تداول العملات الرقمية على نطاق واسع داخل سوريا. ويشير إلى أن هذا النوع من الأنشطة يتطلب مستويات عالية من الرفاهية الاقتصادية والاستعداد لتحمل المخاطر، وهي عوامل لا تتوافر لدى الغالبية العظمى من السوريين حالياً.
ويضيف الفيومي أن الشعوب التي تتمتع بأوضاع اقتصادية مستقرة هي أكثر ميلاً للمضاربات المالية، سواء في أسواق الأسهم أو العملات الرقمية، أما في الحالة السورية، فالأولوية تبقى لضمان الحد الأدنى من المعيشة، وليس الدخول في مغامرات مالية قد تنتهي بخسائر فادحة.
ومن العوائق الأساسية التي تعترض طريق التداول الرقمي في سوريا، بحسب الفيومي، هي البنية التحتية التقنية المتواضعة. سرعة الإنترنت ما زالت متدنية، والانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي تؤثر على استقرار أي عملية تداول تحتاج إلى متابعة لحظية.
إضافة إلى ذلك، لا يزال معظم السوريين يعتمدون على التعامل النقدي المباشر «الكاش»، ويبدون تحفّظاً شديداً تجاه المعاملات الإلكترونية. فالثقة بالأنظمة الرقمية، سواء البنكية أو الاستثمارية، تكاد تكون معدومة نتيجة تراكم سنوات من الأزمات والتجارب الفاشلة.
ويضرب الفيومي مثلاً بسوق دمشق للأوراق المالية، التي لا تزال حتى اليوم تفتقر إلى النشاط الملحوظ أو السيولة الكافية، رغم أنها محلية وتخضع لرقابة الدولة. فكيف سيكون الحال مع منصة تداول رقمية لا يمكن ضبطها بنفس المعايير ولا تخضع لسلطة مالية محلية؟
المخاطر: من القرصنة إلى انهيار السوق
رغم إقرار الفيومي بأن التداول بالعملات الرقمية يشهد ازدهاراً عالمياً، إلا أنه يلفت النظر إلى حجم المخاطر المرتبطة به. فالسوق الرقمية تتسم بتقلّبات حادة، وقد ينهار سعر عملة خلال ساعات معدودة، ما يعرّض المستثمر لخسائر يصعب تعويضها.
ويشير أيضاً إلى التفاوت الكبير في التشريعات الدولية بشأن العملات الرقمية. فبينما تسمح بعض الدول بتداولها وتنظمها ضمن قوانين واضحة، تحظر دول أخرى التعامل بها كلياً، ما يخلق بيئة غير مستقرة للسوق الرقمية ويجعل قيمتها خاضعة لمزاجية سياسات الدول، لا لقانون العرض والطلب وحده.
كما لا يمكن إغفال الجانب الأمني، حيث تُعدّ محافظ العملات الرقمية هدفاً مغرياً للقراصنة، خاصة في البلدان التي تفتقر للبنية السيبرانية القوية. ويؤكد الفيومي أن غياب أنظمة الحماية الإلكترونية يفتح الباب واسعاً أمام الاختراقات، ما يعني أن الأموال الرقمية في سوريا قد تكون «صيداً سهلاً» للجهات المخادعة.
آراء متباينة
ورغم كل ما سبق، لا ينفي الفيومي إمكانية تطور الواقع السوري نحو استقبال العملات الرقمية مستقبلاً، في حال توفرت الشروط التقنية والاقتصادية المناسبة. لكنه يوصي بشدة بأن يسبق أي قرار بالاستثمار الرقمي استشارة مستشار مالي موثوق، ودراسة المحفظة الرقمية المُختارة بعناية، والتأكد من خلفية الفريق الذي يقف وراء المشروع.
كما يشدد على ضرورة توزيع المخاطر وعدم استثمار كامل الرصيد في مشروع واحد، مع تفعيل أدوات وقف الخسارة والتأمين الإلكتروني، وتحديث أنظمة الحماية باستمرار.
وفي مقابلة نشرت حديثاً، استعرض د. مصطفى نور الله إمكانية تطبيق عملة رقمية سورية بدلاً عن النقد الورقي، معتبراً أن هذه الخطوة قد «تنهي عصر العملة الورقية قريباً» وتعزز من الاقتصاد الرقمي الوطني. وقال إن العملات الرقمية الوطنية قادرة على تقليل اعتماد سوريا على الورق النقدي، وشدد على ضرورة تطوير البنية التحتية الرقمية كخطوة أولى. كما يرى أن التوقيت أصبح مناسباً بعد رفع العقوبات الاقتصادية وبدء الانفتاح المالي.
من جانبه، رأى الخبير الاقتصادي حيان البرازي أن إطلاق منصة «محفظتي السورية» وعملة رقمية وطنية لم يعد خياراً ترفيهياً، بل ضرورة استراتيجية لمواجهة الأزمة المالية في البلاد. ومقترحاته العملية تتضمن: استخدام «سلة عملات» مستقرة أو ربط العملة الرقمية بأصول حقيقية (ذهب، فوسفات…) لضمان استقرار القيمة – الانطلاق بتجربة على مستوى محدود (مثل موظفين أو متقاعدين في دمشق) – توفير شبكات أمنية إلكترونية متقدمة لضمان حماية المحافظ وتجفيف مساحة التلاعب.
هذا ويعبر بعض الناشطين على «فيسبوك» مثل عبد الحفيظ شرف إلى أن البيتكوين يمكن أن تكون نافذة للسوريين نحو العالم الخارجي، مستدركاً بفكرة «الليرة الإلكترونية» كبديل محلي يعزز من الربط المالي بالخارج. لكن بالمقابل، كان رأي الدكتور في الاقتصاد عابد فضلية أن تبنّي العملات الرقمية في النظام المصرفي السوري لا يزال غير ممكن «لافتقاده البنى التحتية والبرامج اللازمة»، كما أن تعامل المصارف المركزية مع مفهوم العملة الرقمية ما يزال في مراحله الأولى.
على أية حال، يبدو واضحاً أن الطريق نحو التداول بالعملات الرقمية في سوريا لا يزال محفوفاً بالعوائق، من ضعف البنية التحتية وغياب التشريعات إلى الثقافة المالية المحدودة والمخاطر التقنية والنفسية. وبينما تبدو العملات الرقمية فرصة للربح السريع، فإن غياب الأسس الكفيلة بضمان الحد الأدنى من الأمان يجعلها في سوريا – حتى اللحظة – مقامرة أكثر من كونها استثماراً.
اقرأ أيضاً: «بينانس» تفك القيود وتفتح عالم الكريبتو أمام السوريين: ماذا يعني ذلك؟