في مشهدٍ سياسيٍّ وأمني معقّد، تصدرت محافظة السويداء السورية واجهة الأحداث مؤخراً، خصوصاً ما بعد إعلان اتفاقٍ أمنيٍّ بين وجهاء المحافظة والحكومة السورية. وهذا الاتفاق، الذي كان يُفترض أن يُنهي حالة التوتر الماثلة، سرعان ما أثار انقساماً داخلياً حاداً، تزامناً مع تصعيدٍ «إسرائيلي» بعدد من الغارات على الأراضي السورية.
اتفاق السويداء
إثر أحداث شملت اشتباكات بين فصائل مسلحة من عدة أطراف في محافظة السويداء في أواخر نيسان/أبريل الفائت، تم التوصل إلى اتفاق بين ممثلين عن الحكومة السورية الجديدة ووجهاء من محافظة السويداء، يقضي بتسليم السلاح الثقيل للفصائل المحلية، وتوسيع انتشار قوات الأمن العام داخل المحافظة، على أن تكون هذه القوات من أبناء السويداء أنفسهم. والهدف المعلن للاتفاق هو إعادة فرض سلطة الدولة وبسط الأمن في المنطقة.
الانقسام الداخلي
لكن رغم الترحيب المبدئي بالاتفاق، سرعان ما ظهرت انقسامات داخلية حادة في المحافظة. فقد أصدر الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، بياناً يعارض فيه الاتفاق، مطالباً بحماية دولية للسويداء، ورافضاً تسليم الجبل للسلاح. وهذا الموقف حظي اليوم السبت 3 أيار/مايو 2025 بدعم المجلس العسكري في السويداء، الذي أعلن تبنيه الكامل لبيان الهجري، مؤكداً رفضه لتسليم السلاح دون ضمانات دولية.
في المقابل، صرح الشيخ ليث البلعوس، قائد قوات «رجال الكرامة»، والذي كان من بين الموقعين على الاتفاق مع الحكومة، عن دعمه الكامل للاتفاق، مشيراً إلى أن الدولة تسعى لضبط الخارجين عن القانون ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات، مع تعزيز دور أبناء السويداء في المؤسسات الأمنية لبناء الثقة داخل المجتمع المحلي.
وأكد البلعوس رفضه للغارة الإسرائيلية التي نفذها كيان الاحتلال الإسرائيلي بالقرب من القصر الرئاسي في دمشق يوم أمس الجمعة 2 أيار/مايو 2025، والتأكيد على وحدة الأراضي السورية ورفض أي مشاريع تقسيم، مع مطالبة الدولة بتأمين طريق السويداء – دمشق وبسط الأمن.
اقرأ أيضاً: جرمانا والسلم الأهلي.. أين وصلت الأمور الآن؟!
التصعيد «الإسرائيلي»
لم تكن الغارة التي طالت محيط القصر أمس الغارة الوحيدة، فقد تلاها غارة أخرى في اليوم ذاته في محافظة السويداء، ومع فجر اليوم السبت، تابعت «إسرائيل» في محاولات التصعيد وشنّت سلسلة من الغارات الجوية على مواقع عسكرية في سوريا، شملت مناطق في ريف دمشق، درعا، حماة، واللاذقية. وأفادت مصادر بأن هذه الغارات أسفرت عن مقتل مدنيين وإصابة آخرين.
وفي وقت لاحق من التنفيذ، أعلن جيش الاحتلال أن هذه العمليات تستهدف «مواقع عسكرية ومدافع مضادة للطائرات وبنية تحتية لصواريخ سطح-جو في سوريا»، مؤكداً استعداده لاستهداف مواقع إضافية داخل سوريا، تشمل أهدافاً عسكرية وأخرى تابعة للنظام الجديد.
وبررت «إسرائيل» هذه الغارات بأنها تهدف إلى حماية الطائفة الدرزية في سوريا، محذرة من أي تهديدات قد تطالها. إلا أن مراقبين يرون أن هذه العمليات تأتي حقيقةً في سياق رفض «إسرائيلي» لاتفاق السويداء، الذي قد يُنظر إليه كخطوة نحو توحيد الصفوف الداخلية في سوريا، وهو ما لا يتوافق مع المصالح «الإسرائيلية» التي تسعى إلى إبقاء سوريا في حالة من الانقسام والضعف.
تحليل الموقف
مع هذه المعطيات، يبدو أن السويداء اليوم تقف على مفترق طرق. فالاتفاق الأمني المبرم قد يكون فرصة لإعادة الاستقرار إلى المحافظة، لكنه يواجه تحديات داخلية وخارجية كبيرة. والتحديات الداخلية تتمثل في الانقسام بين مؤيدي الاتفاق ومعارضيه، الذي يعكس مخاوف حقيقية لدى أبناء المحافظة والسوريين عموماً من العودة إلى حالة الصدام العسكري التي تهدد السلم الأهلي في المحافظة.
من جهة أخرى، التدخلات الخارجية، خاصة الإسرائيلية، تزيد من تعقيد المشهد، وتضعف فرص نجاح المبادرة داخلية. فإسرائيل، التي تسعى إلى ضمان أمنها القومي، ترى في أي تقارب داخلي سوري تهديداً لمصالحها، مما يدفعها إلى اتخاذ خطوات لإفشال مثل هذه المبادرات.
ختاماً، يمكن القول، إن اتفاق السويداء يمثل خطوة مهمة نحو إعادة الاستقرار إلى المحافظة، لكنه كما يبدو حتى الآن ليس حلاً نهائياً للأزمة. فنجاحه يعتمد على قدرة الأطراف المحلية على تجاوز خلافاتها، وعلى استعداد الحكومة السورية لتقديم ضمانات حقيقية تلبي تطلعات أبناء السويداء، وتعيد الثقة. كما يتطلب الأمر موقفاً دولياً داعماً لسيادة سوريا ووحدة أراضيها، ورفضاً لأي تدخلات خارجية تسعى إلى تقويض جهود السلام.
اقرأ أيضاً: صحنايا: اتفاق «هشّ» بعد يوم دامٍ هدد السلم الأهلي.. ماذا جرى؟!