الكاتب: أحمد علي
وسط تصاعد إيقاع الحرب بين إيران و«إسرائيل»، تجد سوريا نفسها في مرمى تداعياتٍ تتجاوز التراشق بالصواريخ والمسيّرات. فالأرض السورية –التي عانت من سنوات الحرب والدمار– اليوم عرضةٌ لهزةٍ في بنيتها الاقتصادية الهشة، دون أن تكون طرفاً مباشراً في النزاع. وبين تقلبات العملة وارتفاع الأسعار، تعلو أصوات خبراء يدقّون ناقوس الخطر، محذرين من سيناريوهات أسوأ إذا استمر التصعيد.. فما الآثار الاقتصادية للحرب الإيرانية «الإسرائيلية» على سوريا؟!
الآثار الاقتصادية للحرب الإيرانية «الإسرائيلية» على سوريا
ارتفع سعر الدولار وسط المخاوف من اتساع رقعة الحرب، حيث تخطّى عتبة 10200 ليرة سورية خلال الأيام الاخيرة. وفي تعليقه على ذلك، يُلمّح الخبير المصرفي إبراهيم نافع قوشجي إلى أن المضاربات على الليرة، التي يقودها «كبار الصرافين»، مستثمرة التوتر لتعظيم أرباحهم، في ظل ضعف احتياطي البنك المركزي الذي لا يكفي لامتصاص الصدمة.
وهذا التردّي في قيمة العملة لا ينعكس فقط على أسعار المستوردات، بل يُفاقم التضخم المستورد وفق زياد عربش، إذ ترتفع كلفة الوقود والمواد الأولية، ما يُلقي بثقله على جيوب المواطنين وميزانية الدولة.
وأكّد عربش أنه «كلما زاد اعتماد الاقتصاد السوري على الاستيراد، زادت حساسيته تجاه التغيرات الإقليمية» موضحاً أن أسعار السلع الأساسية والخدمات بدأت فعلياً بالارتفاع، ليس فقط بسبب الغلاء العالمي، بل نتيجة لارتفاع كلف الشحن والتأمين والنقل، في ظل مخاوف من إغلاق ممرات حيوية مثل مضيق هرمز أو أجواء بعض الدول الإقليمية أمام حركة التجارة.
الصراع النفطي والإقفال الجغرافي
بالتوازي، تشير تقديرات الخبير نهاد إسماعيل إلى أن تمدّد الصراع أو إغلاق مضيق هرمز من قبل إيران قد يدفع أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل، مدّفوعاً برفع تكاليف الشحن والتأمين. وهذا بدوره يؤزّم وضع سوريا، التي تعتمد على استيراد الوقود من مصادر بديلة، ما يعني ارتفاعاً كبيراً في أسعار الطاقة محلياً.
من جهة أخرى، فإن اضطراب حركة الشحن الجوي والبحري يؤدي إلى تأخير وصول الإمدادات الحيوية، لا سيما الأدوية والسلع الدقيقة، كما يحذّر الباحث خالد تركاوي.
سلاسل الإمداد
يقول قوشجي إن تصاعد الإنذارات جراء الحرب يخلّ ببنية سلاسل الإمداد، لا من باب التبادل التجاري المباشر –الذي يكاد يكون معدوماً– بل بفعل زيادة كلف نقل السلع، وأسعار التأمين. ويربط هذا الانقطاع المحتمل في الإمداد بنقصٍ قد يطال السلع الأساسية، ما يشكل خطوة باتجاه أزمة اجتماعية ولوجستية جديدة في سوريا.
ومن جانبه، أشار عربش إلى أن المنتجات التي تعتمد على مدخلات إنتاج مستوردة ستشهد زيادات حادة في أسعارها خلال الأسابيع المقبلة، وهو ما سينعكس سلباً على المستهلك السوري. فغياب الدعم الحكومي وارتفاع الكلف سيجعل من الاستمرار بالإنتاج أمراً صعباً للعديد من المصانع والورش المحلية، خصوصاً الصغيرة منها، ما يعني اتساع رقعة البطالة والفقر.
وفي هذا السياق، شدد على ضرورة إعفاء مستلزمات الإنتاج الصناعي والزراعي من الرسوم الجمركية، وفرض رسوم مرتفعة على السلع الكمالية المستوردة لحماية الإنتاج المحلي.
الاستثمار والسياحة: تأجيلات وارتدادات
وكان من الملاحظ إلغاء الزيارات الاقتصادية والملتقيات مع الأطراف الإقليمية، مثل تركيا والدول العربية، خلال الأسبوعين الماضيين، وهذا وسيمنع وفق «عربش» سوريا من استثمار نفحة التعافي التي بدأت بعد رفع بعض العقوبات.
كذلك، يحذر الخبير قوشجي من أن ارتفاع الدولار وعدم الاستقرار يهددان المشاريع الاستثمارية، ولا سيما في قطاعي البناء والسياحة. ووفق مصدر من غرفة تجارة دمشق فإن المخاوف ساهمت فعلاً في طلبات مبكرة على السلع، دفع التجّار لتخزينها وخلق ضغط على السوق.
أما قطاع السياحة، فكان على عتبات انتعاش بسيط مع عودة المغتربين قبل العيد، لكنه حُرم من مناخٍ مستقر، ووجد نفسه أمام احتمال عودة انكماشه بسبب تهاوي خطوط النقل وتقلّبات معنويات الزوار.
وفي ظل الضباب السياسي، لجأ المستثمرون إلى «الملاذات الآمنة»، فارتفع الطلب على الذهب عالمياً ووصلت أونصته في السوق الدولي إلى 3,432 دولاراً. وهذا الانتقال يضغط على السوق السورية بشكل غير مباشر، إذ يفرغ الاحتياطي من السيولة ويشدّد مزيداً التضخم.
توصيات وتوقّعات: إجراءات قبل فوات الأوان
يتفق الخبراء أن المطلوب سلوك عملي عاجل من الحكومة السورية. فمن المقترحات التي جاؤوا بها:
- خطة طوارئ لدعم العملة من خلال تدخل مصرفي واعتماد تعويم موجه.
- تخفيض الرسوم الجمركية على المواد الوسيطة الأساسية، وفرض رسوم على السلع الكمالية لاستدراك الفجوة.
- ضبط السوق ومكافحة المضاربات عبر مراقبة لإدارة الصرافة والأسواق.
- تمويل المستوردات الاستراتيجية مثل الطاقة والمواد الطبية لتعويض أي تعطل في سلاسل التوريد.
سوريا بين حسابات الأقطاب
في نهاية المطاف، تبدو سوريا اليوم رهينة تراكمات أزمة كبيرة لم تُشرع بعد أبوابها بالكامل. فبين تجارة منهارة، وعملة متذبذبة، وسياحة متعثرة، ونفط متأزم، يبقى الاقتصاد السوري عرضة لمخاطر كبرى. ووفق المحللون: إن استمر التصعيد، فإن الأثر سينسحب إلى حالة معيشية تعرض ملايين السوريين لمخاطر إضافية. فهل ستتدارك الحكومة الوضع بإجراءات فاعلة قبل أن تتدهور الأمور أكثر؟ أم أن سوريا ستصبح ساحةً ثالثة لصراعات ليست من خيارها، لكنها تدفع ثمنها في مزدوجة اقتصادية واجتماعية؟
اقرأ أيضاً: من قصفَ «إسرائيل» من سوريا ولماذا؟!