في خطوة تستهدف تعزيز العملية الاقتصادية الوطنية، أطلقت الحكومة السورية قراراً جديداً يهدف إلى تحويل المدن الصناعية إلى محاور استثمارية استراتيجية. والقرار المشار إليه لا ينطوي فقط على مظلة تشريعية سوّق لها، بل يمثل محاولة لإعادة رسم خريطة الصناعة السورية ومستقبلها، عبر أدوات تقدّم بوصفها شفافة، وتعمل تحت سقف قواعد مرنة عبر توطين التكنولوجيا، لنقلها من مرحلة التعافي بعد الحرب إلى مرحلة التجدد والإبداع الاقتصادي.. فماذا يتضمن النظام الجديد للاستثمار في المدن الصناعية وما هي أهادفه؟!
النظام الجديد للاستثمار في المدن الصناعية: نصّاً ومضموناً
اعتمد وزير الاقتصاد والصناعة، الدكتور محمد نضال الشعار، النظام الجديد للاستثمار في المدن الصناعية خلال جلسة عقدت بتاريخ 18 حزيران 2025 في مبنى الإدارة العامة للصناعة بدمشق. ويتضمن القرار البنود التالية:
-
تعزيز بيئة الاستثمار
- جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية.
- دعم الصناعات الثقيلة، التحويلية، التجميعية والإلكترونية.
- تشجيع نقل وتوطين التكنولوجيا.
-
تكافؤ الفرص والحوكمة
- تخصيص آليّات شفافة وغير تمييزية.
- مرجعية واضحة في التعاقدات والتنفيذ.
- حوكمة بيئية وشروط عمل مستدامة ومحترفة.
-
تسهيلات وحوافز للمستثمرين
- إعفاءات ضريبية وميّزات جمركية طبقاً لقانون الاستثمار.
- ضمان استقرار الأطر التشريعية طوال مدة العقد.
- التحكيم هو الجهة الفاصلة في حال النزاعات.
-
حقوق المستثمر ومستلزِمات المشروع
- حق استخدام الأرض وحيازة التراخيص دون تهديد الانتزاع أو التأميم.
- بنية تحتية متكاملة.
- السماح بدمج أو توسعة المقاسم المتجاورة والشمولية في النوع الصناعي وفق اشتراطات.
- تحديد سعر المقسم بالدولار الأمريكي مع مساواة بالليرة وفق نشرة مصرف سورية المركزي.
خلفيات القرار: ملامح السياق الاقتصادي
يأتي القرار في سياق سعي الحكومة السورية إلى إعادة الإعمار بعد سنوات الحرب والتمويل، عبر مسار سياسة اقتصادية ترتكز على الإنتاج والنمو الحقيقي. وقد أثار ذلك صدى واسعاً في الأوساط الاقتصادية، فقد وُصف القرار بأنه «خلق بيئة جاذبة للاستثمار»، وبكونه «إطار تشريعي حديث يعزز القدرة التنافسية واستقطاب الشراكات الدولية».
وفي تصريحات صحفية نُشرت عبر وكالة «سانا»، أوضح وزير الصناعة السوري محمد نضال الشعار أنّ النظام الجديد المخصص للاستثمار في المدن الصناعية يشكّل خطوة نوعية تهدف إلى تحسين بيئة الاستثمار وتعزيز جاذبية المدن الصناعية أمام رؤوس الأموال المحلية والأجنبية.
وأشار إلى أنّ القرار يتضمن حوافز متعددة، من ضمنها الإعفاءات الجمركية والضريبية، وتبسيط الإجراءات الإدارية، إلى جانب توفير الضمانات القانونية التي تضمن استقرار المستثمرين، بما في ذلك تثبيت سعر الأرض بالدولار الأميركي وربطه بنشرة مصرف سورية المركزي، ما يمنح شفافية وثباتاً في التعاملات المالية.
كما لفت الوزير إلى أنّ العقود ستتم وفق صيغة متوازنة تضمن حقوق الطرفين، مع اعتماد نظام التحكيم كوسيلة لحل النزاعات، مؤكداً أن الهدف من كل ذلك هو تحفيز النمو الصناعي، وتمكين القطاع الخاص من لعب دور محوري في مرحلة إعادة الإعمار وتعزيز الإنتاج المحلي.
وختم الشعار تصريحه بالتأكيد على أنّ هذه الخطوة تأتي ضمن إطار أوسع تسعى من خلاله الحكومة إلى تمكين المدن الصناعية من أداء دور اقتصادي حيوي، عبر توفير بيئة استثمارية مرنة ومتكاملة تحاكي المعايير الدولية.
أمثلة صناعية حية
-
مدينة حسياء الصناعية (حمص)
هذا وتواصل مديرية الصناعة في المدينة الصناعية بحسياء جهودها في تنشيط القطاع الصناعي، حيث بلغ عدد القرارات الصناعية التي أصدرتها منذ بداية عام 2025 نحو 46 قراراً، توزعت بين تراخيص تأسيس جديدة، وتمديدات للمنشآت القائمة، إلى جانب إضافات تتعلق بتوسيع النشاطات الصناعية، في مؤشر واضح على ديناميكية النمو الصناعي في المدينة.
وشملت هذه القرارات منح سجلين صناعيين جديدين، أولهما لصالح شركة نافذ صليبي المتخصصة بإنتاج الكحول بأنواعه الغذائية والصناعية، والثاني لشركة الجندلي التي تنشط في مجال طحن الحبوب، ما يعكس تنوع النشاطات الصناعية في المنطقة.
وفي قطاع الصناعات المرتبطة بالدراجات النارية، قامت المديرية بالمصادقة على ما يقارب 5000 شهادة منشأ، ما يدل على ارتفاع معدلات الإنتاج في هذا المجال بشكل لافت.
أما على صعيد تحديث خطوط الإنتاج، فقد وافقت المديرية على إعفاء 25 طلباً خاصاً باستيراد آلات ومعدات إنتاج من الرسوم الجمركية، في خطوة تهدف إلى تمكين الصناعيين من تحديث منشآتهم وتعزيز قدرتهم التنافسية.
وفي هذا السياق، أوضح مدير المديرية، المهندس علي عطفة، أنّ هذه الإجراءات تأتي ضمن خطة متكاملة لتفعيل التنمية الصناعية وجذب الاستثمارات إلى المدينة، بما يسهم في تطوير الاقتصاد المحلي وتحفيز المشاريع الإنتاجية الجديدة.
-
مدينة درعا الصناعية
تم مؤخراً اختيار قرية النجيح الواقعة في الجزء الجنوبي الغربي من منطقة اللجاة في محافظة درعا، لتكون موقعاً لإنشاء مدينة صناعية جديدة، وذلك ضمن خطة تنموية تهدف إلى دعم الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل واسعة.
تُعد قرية النجيح أرضاً بركانية وعرة بطبيعتها، غير صالحة للزراعة، إلا أنها تتميز بمخزون مائي وفير يُعد من الأغزر في كامل منطقة حوران، إلى جانب طبيعتها الصخرية التي تجعلها بيئة مثالية من حيث انخفاض تكاليف البناء والتنفيذ العمراني، خصوصاً للمشاريع الاستثمارية الكبرى مثل المدينة الصناعية المرتقبة.
وفي هذا السياق، أكّد الدكتور نايف أبازيد، عضو مجلس محافظة درعا، أنّ المشروع يشكّل نقلة نوعية في مجال التنمية الصناعية، معتبراً أن اختيار قرية النجيح يعكس فهماً عميقاً للجغرافيا والموارد المحلية، ويأتي انسجاماً مع رؤية تنموية تراعي المصلحة الاقتصادية والبيئية على حد سواء.
توقعات وتحديات
من المتوقع أن يسهم القرار الجديد في تحفيز عجلة التنمية الصناعية من خلال خلق آلاف فرص العمل في المدن الصناعية، وتعزيز توطين التكنولوجيا، وزيادة القيمة المضافة للإنتاج المحلي، فضلاً عن جذب رؤوس أموال جديدة يمكن أن تفتح آفاقاً واسعة أمام الشراكات الإقليمية والدولية. ومع ذلك، لا تخلو الطريق من التحديات، إذ إن نجاح القرار يرتبط بمدى فاعلية تطبيقه على أرض الواقع، وسرعة استجابة الجهات المعنية في توفير البنية التحتية اللازمة والدعم الإداري للمستثمرين.
كما أن أي تغييرات مفاجئة في القوانين أو تأخر في تنفيذ الإجراءات قد تؤدي إلى ارتباك المستثمرين وفقدان الثقة، وهو ما يتطلب التزاماً حكومياً صارماً بالشفافية والاستقرار التشريعي لضمان نجاح التجربة وتحقيق أهدافها.
اقرأ أيضاً: وزارة الاقتصاد والصناعة تصدر قرارات لتسهيل عمل المنشآت الصناعية في سوريا