الكاتب: أحمد علي
تقف تصريحات «مصدر عسكري سوري» نقلتها الصحافة العبرية، بجانب «شروط رسمية» يضعها وزير خارجية «إسرائيل»، في قلب مشهدِ سياسي مليء بالتحديات والتساؤلات حول الأغراض والأهداف من الحديث عن التطبيع مع سوريا الآن والضغط باتجاهه. فهل تصبو العلاقة بين الطرفين نحو مياه هادئة بعد عقودٍ من العداء؟! على ضوء التصريحات الرسمية وردود الفعل المباشرة وغير المباشرة من دمشق، سنرصد ما قالته صحف الكيان حول هذا الملف الشائك والمعقد والذي يجري تبسيطه وتسطيحه في تعاطي عدد كبير من وسائل الإعلام العربية.
التطبيع مع سوريا قبل نهاية 2025!
نقلت قناة i24NEWS «الإسرائيلية» عن مصدرٍ عسكري سوري مطلع قوله إن دمشق وتل أبيب قد توقعان «اتفاقية سلام» كاملة قبل نهاية عام 2025، تشمل تطبيعاً شاملاً وانسحاباً تدريجياً للجيش «الإسرائيلي» من الأراضي التي سيطر عليها بعد كانون الأول 2024، بما في ذلك قمة جبل الشيخ، وتحويل مرتفعات الجولان إلى «حديقة سلام».
وحسب المصدر، فإن المحادثات -برعاية أميركية وبضوء أخضر من رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو- تسعى لإعادة رسم خطوط النفوذ وتحويل منطقة النزاع العتيقة إلى مساحة تفاهم.
ساعر: «مع الجولان، لا تطبيع»
وبعد صدور الأنباء السابقة بعدة ساعات، أدلى وزير الخارجية «الإسرائيلي» جدعون ساعر بتصريحات جاءت عبر لقاء له نشرته i24NEWS، وتحدث فيه عن سوريا، ومما جاء على لسانه: «أما بالنسبة لسوريا، فإن الكثير من الإسرائيليين يشعرون بالخوف مما يحدث هناك. هذا الزعيم ليس باراً (يقصد الرئيس الانتقالي أحمد الشرع).. ربما يكون هناك شيء إيجابي في اتفاقيات إبراهيم، لكننا لسنا جزءاً منها بعد».
وفيما يتعلق بالجولان، قال: «أؤكد أن مرتفعات الجولان يجب أن تبقى تحت السيادة الإسرائيلية. أي اتفاق مع سوريا يجب أن يعترف بذلك». مضيفاً: «إذا توفرت فرصة لتوقيع اتفاق سلام أو تطبيع مع سوريا، شرط أن تبقى الجولان معنا، فسيكون ذلك إيجابياً لمستقبل الإسرائيليين».
رد فعل من دمشق؟
لم تنشر دمشق حتى تاريخه أي رد رسمي علني على ما أشيع من تصريحات حول التطبيع أو الشروط «الإسرائيلية» من قبيل الجولان، لكن نقلت صحيفة «الشرق الأوسط» عن مصادر لم تسمها، ووصفتها بكونها «مقربة من الحكومة السورية» إنّ سوريا «غير جاهزة للسلام الدائم» مع «إسرائيل» في الوقت الراهن، وذلك لكونها «دولة وليدة»، وإنّ الحل الذي تأمله حكومة دمشق هو «اتفاق أمني معدّل» أو «العودة إلى اتفاق 1974»، وذلك وفق ما جاء عبر المصدر.
وفي السايق، كان قد ألمح الرئيس الانتقالي أحمد الشرع عبر إحدى القنوات إلى وجود «مفاوضات غير مباشرة لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على القنيطرة»، مما قد يشير إلى استعداد دمشق للانفتاح على الحوار، شرط وقف الاعتداءات. لكن، حتى الآن، تبقى المواقف الناظمة هي غير رسمية ومحدودة إن صح التقدير.
هل سوريا جاهزة للسلام؟!
في حديثه حول الأمر، عدَّ الباحث السياسي السوري وائل العجي، وهو سكرتير «رابطة المحافظين الشرق أوسطيين»، أن الحديث عن سلام شامل مع «إسرائيل» لا يزال بعيداً عن الواقع السياسي الراهن من وجهة نظره، مشيراً إلى أن الحكومة السورية الجديدة تضع أولويات داخلية ملحّة تتقدّم على أي مفاوضات خارجية في هذا السياق.
وفي تصريحات أدلى بها لوسائل إعلام، أوضح العجي أن سوريا لا تمتلك حالياً الجاهزية العسكرية للدخول في مواجهات مع أطراف إقليمية أو دولية، مؤكداً أن الشعب السوري استنزف قواه خلال سنوات طويلة من الحروب والصراعات، التي استُخدمت فيها القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي كشعارات للتعبئة من قِبل الأنظمة السابقة دون نتائج ملموسة حسب تعبيره.
وشدّد العجي على أن الأولوية اليوم في أجندة الدولة السورية تتمثل في تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، وتعزيز الاستقرار الداخلي، إلى جانب العمل على إعادة ترميم النسيج الاجتماعي، ومكافحة مظاهر التطرف والطائفية من وجهة نظره، مضيفاً أن موقف سوريا من «إسرائيل» يستند إلى المرجعيات القانونية الدولية وقرارات الأمم المتحدة التي تحدد بوضوح الجهة المحتلة والحقوق المشروعة للشعب السوري، ومشيراً إلى أن الخيار الأنسب لدمشق يتمثل في التمسك بالقانون الدولي وآلياته، باعتباره الطريق الأقل تكلفة والأكثر أماناً لتحقيق المطالب الوطنية.
ختاماً، واستناداً إلى هذه المعطيات، يمكن اعتبار ما جاء عبر صحف الكيان يوم أمس السبت 28 حزيران 2025 هو محاولة جديدة للضغط على دمشق ودفع ملف التطبيع إلى الواجهة عبر الترويج لأحاديث متفائلة عن احتمال التوصل إلى «اتفاق سلام» قريب وقبل نهاية العام، لكن لا يبدو الأمر بهذه السهولة التي يفترضها الكيان ويدفع لها بظل لحظة التصعيد التاريخية وغير المسبوقة التي تشهدها المنطقة وما تحمل من تغيرات عاصفة.. بجميع الأحوال فإن قادم الأيام سيكشف بأي اتجاه ستسير الأمور.
اقرأ أيضاً: الانسحاب من سوريا.. أمريكا ما بعد الحرب الإيرانية – «الإسرائيلية»!