إعداد: لمى ابراهيم
في إطار خطواتها المتواصلة لإحياء نشاط المعابر وتعزيز دورها في دعم الاقتصاد الوطني وتيسير حركة العبور الإنساني والتجاري، افتتحت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية، معبر البوكمال الحدودي مع العراق أمام المسافرين والشاحنات، صباح أمس السبت.
ومنذ ساعات الصباح الأولى، انطلقت أعمال المعبر حيث باشرت الكوادر المختصة باستقبال المسافرين وتقديم التسهيلات اللازمة لضمان انسيابية الحركة وسلامة الإجراءات، كما شهد اليوم الأول من الافتتاح مرور أولى القوافل التجارية باتجاه الأسواق الإقليمية والدولية.
وأكدت الهيئة التزامها بمواصلة تطوير البنية التحتية للمعابر الحدودية وتعزيز مستوى الخدمات المقدمة، بما يتوافق مع مكانة سوريا الإستراتيجية ودورها الحيوي في حركة النقل والتبادل التجاري الإقليمي والدولي.
وفي هذا الصدد قال مدير العلاقات العامة في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية، مازن علوش، إن هذه الخطوة جاءت بفضل الجهود المشتركة والتنسيق المستمر بين الجانبين السوري والعراقي.
من جهته، صرّح متحدث باسم هيئة الحدود العراقية لوكالة رويترز قائلاً: “معبر القائم –اسم المعبر من جهة العراق- يعمل الآن بكامل طاقته أمام شاحنات البضائع وحركة المدنيين”، مفيداً بأن إعادة فتح المعبر جاءت بعد تقييمات أمنية مشتركة أجراها مسؤولون عراقيون وسوريون.
وتأتي هذه الخطوة بعد نحو ثلاثة أشهر من زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بغداد، والتي دعا خلالها إلى استئناف الحركة التجارية بين البلدين عبر الحدود.
وفي بيان لها، أكدت هيئة المنافذ الحدودية العراقية دخول أول شاحنة سورية إلى معبر القائم بعد إتمام إجراءات التفتيش، وعدّت ذلك “خطوة مهمة في تعزيز التعاون الاقتصادي بين العراق وسوريا”.
وفي تصريح إعلامي قال تركي محمد خلف، قائم مقام القائم، إن معبر القائم هو أحد المعابر المهمة في العراق، وأن إعادة فتحه سيكون له تأثير كبير على الحركة التجارية والاقتصادية في العراق عموماً وعلى محافظة الأنبار خصوصاً.
اقرأ أيضاً: رفع العقوبات و 500 شركة جديدة في عام واحد.. هل بدأ الاقتصاد السوري بالنهوض؟
معبر البوكمال بين الأمس واليوم
يقع معبر البوكمال في مدينة البوكمال السورية جنوب شرق محافظة دير الزور، ومن جانب العراق يقابله معبر القائم شمال غرب محافظة الأنبار، وهو أحد أهم النقاط الحدودية الإستراتيجية التي تربط سوريا بالعراق، وبوابة أساسية في حركة التجارة البرية بين البلدين.
وتنبع أهمية هذا المعبر من موقعه الجغرافي الحيوي، حيث يتصل من الشرق بعدد من المدن العراقية مثل القائم، حديثة، عانة وهيث، ويربط من الغرب بخطوط مواصلات تصل إلى مدينة حمص، ومنها إلى الساحل السوري ولبنان عبر تلكلخ، وطريق آخر يمر بمدينة الرقة ويصل إلى حلب.
وقد مرّ معبر البوكمال عبر السنين بتقلبات كثيرة، ففي عام 2014، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عليه ضمن توسعه في المنطقة وإعلانه “الخلافة الإسلامية”، وقد طُرد منها تدريجياً… وفي تشرين الأول 2019، استعادت القوات السورية التابعة لنظام الأسد السابق السيطرة على مدينة البوكمال، فيما كانت القوات العراقية والحشد الشعبي قد استعادوا السيطرة على معبر القائم في تشرين الثاني 2017.
وفي 8 كانون الأول 2024 وعقب سقوط نظام بشار الأسد تم إغلاق المعبر مرة أخرى، ثم أُعيد فتحه مؤقتاً ليعود منه نحو 2000 جندي سوري -كانوا تابعين للنظام- فرّوا إلى العراق.
وعموماً، يعدّ معبر البوكمال – القائم المعبر الرسمي الأهم بين سوريا والعراق، ويوجد كذلك جانب معبرين آخرين هما الوليد – التنف وربيعة – اليعربية، حيث يخضع الأخير لسيطرة الإدارة الذاتية الكردية من كلا الجانبين.
اقرأ أيضاً: «بينانس» تفك القيود وتفتح عالم الكريبتو أمام السوريين: ماذا يعني ذلك؟
تاريخ العلاقات التجارية بين سوريا والعراق
هناك جوار جغرافي طويل وتاريخ مشترك حافل بين سوريا والعراق، إذ يمتلك البلدان مقومات واضحة للتكامل الاقتصادي… فسوريا تمتاز بموقعها الجغرافي المطل على البحر المتوسط وقربها من أوروبا، كما تتميز بغناها بالموارد الزراعية والسياحية والصناعات المتوسطة والحرفية.
في المقابل، يمتلك العراق ثروات نفطية وطاقية هائلة، وموارد بشرية ضخمة، وهو بحاجة ماسة إلى منافذ بحرية تربطه بالأسواق العالمية، ما يجعل من الموانئ السورية نافذة حيوية له نحو المتوسط والعالم، ومعبراً رئيسياً لحركة السلع والنفط.
على مدار سنوات طويلة، مرّت العلاقات السياسية بين البلدين -متأثرة بالتطورات السياسية الإقليمية والدولية- بمحطات متقلبة من التوتر والتقارب، رغم ذلك، شهد التعاون الاقتصادي محطات بارزة، كان من أهمها توقيع اتفاقية تجارة حرة عام 2001 شملت إلى جانب سوريا والعراق كلاً من مصر وليبيا، بهدف دعم التكامل الإقليمي، كما تم إنشاء مركز تجاري سوري في بغداد، ومنطقة حرة عراقية في معبر القائم الحدودي.
وبعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، تدهورت العلاقات بين سوريا والعراق بشكل كبير، بعد أن عبّرت سوريا آنذاك عن رفضها للاحتلال الأميركي، ما أدى إلى انهيار في العلاقات السياسية والاقتصادية بين الجانبين، وقد انعكس هذا الأمر بوضوح على التبادل التجاري؛ إذ انخفضت الصادرات السورية إلى العراق من نحو 2 مليار دولار قبل الغزو، إلى 641 مليون دولار فقط بحلول عام 2007.
في عام 2006، بدأت العلاقات تعود تدريجياً، حيث استأنف البلدان علاقاتهما الدبلوماسية خلال زيارة وليد المعلم -وزير خارجية النظام السابق في ذلك الوقت- إلى بغداد، أعقبتها زيارة تاريخية لرئيس الوزراء السوري إلى العراق، في أول زيارة على هذا المستوى بعد سقوط نظام صدام حسين، بهدف تحسين العلاقات الثنائية.
وخلال تلك الزيارة وضع الجانبان خططاً لتوقيع نحو 20 اتفاقية، كما اتفقا على إنشاء ثلاثة خطوط لتصدير النفط، اثنان منها بسعات تبلغ 1.5 و2.5 مليون برميل يومياً، والثالث مخصص لتصدير الغاز العراقي عبر الموانئ السورية على البحر المتوسط.
أعيد كذلك طرح مشروع إعادة تشغيل خط أنابيب كركوك – بانياس، الذي يمتد من شمال العراق إلى الساحل السوري، والذي يبلغ طوله 235 كيلومتراً، وسعته التصديرية تصل إلى نحو 300 ألف برميل يومياً قبل توقفه عام 2003.
اقرأ أيضاً: بوليفارد النصر في حمص..مشروع لإعادة الأعمار أم استثمار للنخبة؟
واستوردت سوريا ما قيمته نحو 387 مليون دولار من النفط المكرر العراقي في عام 2008، في وقت كانت صادرات العراق من المنتجات النفطية محدودة إلى معظم الدول، لكن سوريا كانت حينها من أكبر المستهلكين لها… وبحلول عام 2010، أصبحت العراق الوجهة التصديرية الأولى لسوريا بين الدول الفردية، إذ استحوذ على 2.3 مليار دولار من أصل 12.3 مليار دولار هي إجمالي صادرات سوريا لذلك العام.
وكان العراق يتجه نحو السوق السورية لتلبية احتياجات متنوعة، شملت المياه والسلع الزراعية مثل السكر والحبوب وسلع أساسية أخرى، كما وسّع وارداته لتشمل مجموعة واسعة من المنتجات مثل مواد التنظيف، البلاستيك، والمنسوجات.
تراجع هذا التوسع التجاري مع اشتداد الأزمات في المنطقة، على سبيل المثال، انخفضت واردات العراق من مواد التنظيف السورية من 278 مليون دولار عام 2010 إلى مستويات شبه معدومة بحلول عام 2016.
وسابقاً قبل اندلاع الحرب في سوريا، كانت صادرات الأدوية السورية تشكل دعامة رئيسية لتجارة سوريا مع العراق، حيث كانت تمثل بين 70% و80% من إجمالي واردات العراق من الأدوية، إلّا أن هذا المصدر جفّ بعد ذلك وحتى اليوم.
في يناير 2025، أعلنت وزارة الصحة العراقية منع تسجيل شركات أدوية سورية جديدة، مستندة إلى أسباب تتعلق بـ”المخاوف الأمنية ومراقبة الجودة”.
وبعد مرور عدة سنوات على بداية الحرب، وتحديداً عام 2015، وصل حجم التبادل التجاري بين سوريا والعراق إلى نحو 280.44 مليون يورو، لكنه انخفض إلى حوالي 175.13 مليون يورو في العام الذي تلاه متأثراً بتمدد تنظيم “داعش” في المنطقة… قبل سيطرة التنظيم على المعابر الحدودية، كان معدل عبور الشاحنات من سوريا إلى العراق يصل يومياً إلى 200 شاحنة.
أما في عام 2019، وبعد إعادة افتتاح معبر البوكمال، بدأت حركة نشيطة نوعاً ما، حيث عبر منه 5.463 شاحنة وبراداً لنقل البضائع، منها 3.845 براداً متجهاً إلى العراق.
اقرأ أيضاً: دمشق تعيد فتح سوق الأوراق المالية.. خطوة باتجاه تنشيط الاقتصاد وجذب الاستثمار
أهمية إعادة فتح معبر البوكمال اليوم
واليوم، لإعادة فتح معبر البوكمال – القائم أهمية بالغة تعكس تحسّن العلاقات بين بغداد والقيادة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، الذي يحرص منذ تولي منصبه على تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الدول المجاورة، وقد شهدت الحكومتان تعاوناً متزايداً في مجال أمن الحدود وتسهيل حركة التجارة.
ستحمل خطوة الافتتاح معها فوائد عديدة، خاصة من ناحية التبادل التجاري وتنشيط الاقتصاد في المنطقة، على سبيل المثال ستساعد على توفير فرص عمل لسكان منطقتي القائم في العراق والبوكمال في سوريا، ومع تحسن الأوضاع الأمنية على الحدود، قد تفتح المزيد من المعابر بين البلدين.
كما أن إعادة فتح المعبر وغيره من المعابر ستزيد من دخول العملة الأجنبية إلى سوريا، وهو أمر ضروري في الوقت الذي عانى فيه الاقتصاد السوري من تدهور كبير في قيمة الليرة السورية خلال السنوات الماضية.
ومن المتوقع أيضاً أن أن يرتفع عدد السياح والمسافرين إلى سوريا، ما يعزز قطاع السياحة وينشط الحركة الاقتصادية.
ختاماً، إعادة فتح معبر البوكمال الحدودي تفتح صفحة جديدة في التعاون بين سوريا والعراق، على أمل أن تكون هذه بداية لتحولات إيجابية أكبر في المنطقة وتبشّر بمستقبل اقتصادي أفضل.
اقرأ أيضاً: الموانئ الجافة: نقطة انطلاق قوية لتعزيز الاقتصاد السوري