سياسة

كيف أشعل إلغاء “عيد الشهداء” معركة الذاكرة الوطنية؟

الكاتب: أحمد علي

قرارٌ صغير في نصّه، ضخمٌ في أثره؛ مرسومٌ واحد أعاد رسم خارطة العطل والأعياد، لكنه ـ في العمق ـ أعاد فتح ملفات التاريخ والرموز والذاكرة العامة. الأحد 5 تشرين الأول 2025 أصدر الرئيس أحمد الشرع المرسوم رقم (188) لعام 2025 لتحديد الأعياد الرسمية وأيام العطل المدفوعة في البلاد.

ولم يكن الإعلان إدارياً خالصاً؛ إذ حمل تعديلات جوهرية شملت إضافة «عيد الثورة السورية» و«عيد التحرير»، مقابل حذف مناسبات رسّخت حضورها لعقود مثل ذكرى حرب تشرين (6 أكتوبر)، و«عيد الشهداء» (6 أيار)، و«عيد المعلم»، مع غياب واضح لعيد «النوروز» عن القائمة الجديدة.

إلغاء عيد الشهداء بين إعادة ترسيم الرموز وصدمات الوجدان

العبارة ذاتها ـ «إلغاء عيد الشهداء» ـ كانت كفيلة بتصدّر النقاش العام؛ فاليوم الذي يخلّد إعدام جمال باشا العثماني لثلة من الوطنيين في دمشق وبيروت عام 1916 يتجاوز كونه عطلة، إلى أن يكون وعاءً لذكرى تأسيسية في المخيال السوري واللبناني. لهذا رأى كتّاب وناشطون أن حذف العطلة يمسّ ركناً من «ذاكرة النضال»، وهو ما عبّر عنه البعض بقسوة على «فيسبوك»، معتبرين القرار «شطباً لنضالات وصلت بأصحابها إلى أعواد المشانق».

ومن جانبه، اعتبر السياسي السوري زيد العظم، والمقيم في باريس، «أن سلطة دمشق اختارت أن تُرضي تركيا وإسرائيل معاً، فقررت إلغاء عطلتَي السادس من أيار والسادس من تشرين».

وتابع: «لكن ما لا تدركه هذه السلطة هو أن شهداء 6 أيار لم يُعدموا عبثاً، بل لأنهم رفضوا الخضوع للمؤامرات التي كانت تُحاك من قبل سلطة الإتحاد والترقي، وواجهوا الموت بثباتٍ وشرف».

في المقابل، تفهمت أصوات موازية داعمة للسلطة الجديدة رغبة الأخيرة صوغ سردية تُميّز المرحلة الانتقالية، فيما لم تدلِ الحكومة أو أحد مسؤوليها أي تصريح متعلق بالأمر حتى لحظة كتابة هذا المقال.

ما الذي تغيّر بالضبط؟

وفق المرسوم، أضيفت مناسبتان وطنيتان: 18 آذار «عيد الثورة السورية – يشار هنا إلى أن هذا الموعد هو موعد خلافي أيضاً، فهناك من يرى أن الحراك/الثورة بدأ في 15 آذار»، و8 كانون الأول «عيد التحرير»، فيما أُسقطت من العطل الرسمية ذكرى حرب تشرين (6 تشرين الأول)، وعيد الشهداء (6 أيار)، وعيد المعلم، فضلاً عن إلغاء رموز حقبة البعث مثل ذكرى «الثامن من آذار».

بالتوازي، ثُبّتت أعياد دينية للمسلمين والمسيحيين وأيام وطنية تقليدية كـ«الجلاء» و«العمال». بهذا المعنى، لا تكتفي الدولة بإعادة ترتيب التقويم، بل تعلن ـ عملياً ـ انتقالها من سردية قديمة إلى أخرى جديدة تُعلي من محطات 2011 و2024.

6 أكتوبر: ذاكرة مشتركة عبر الحدود

أيضاً كان لحذف ذكرى حرب تشرين التحريرية أثرٌ كبيرٌ على السوريين، وكمثال، قال الكاتب والصحفي السوري يامن صابور: «لا خلاف أن “حرب تشرين” شكّلت أحد الحوامل الرئيسة لشرعية حكم حافظ الأسد في وقتها ولكن النظام قتلها استخداماً وألصق بها الكثير من الأساطير والبطولات وخصوصاً عندما أسماها “حرب تشرين التحريرية” إذ أن الواقع يقول إن ما خسرناه عند نهاية الحرب كان أكثر مما ربحناه وحررناه».

وتابع: «ولكن كان يمكن للسلطة اليوم، لو أرادت بالفعل اعتماد منهجية البناء الوطني والابتعاد عن النكايات الصبيانية، ترك الاحتفال بهذا اليوم ولكن مع إجراء مراجعة شاملة تقوّض سردياته الأسدية وتحيي ذكراه السورية» وذلك وفق تعبيره على صفحته الشخصية في «فيسبوك».

ومن جانبه كتب الكاتب والسينارست السوري رامي كوسا: «عام 1973 استُشهد (وغصب عنكن استُشهد، استُشهد ولم يُقتل) أجدادنا لأجل البلاد، لا لأجل حافظ الأسد، لأنّ أجدادنا أنفسهم قاتلوا العدوّ نفسه قبل 6 سنوات (في حزيران 1967) ولم يكن حافظ الأسد يومها رئيساً للجمهورية!».

«القنيطرة، التي غنّى جنود الاحتلال نشيدهم القذر على تلالها قبل أيّام، كانت محتلة عام 1967، واستعدناها (استعدناها نحن السوريين، كل السوريين) عام 1974، كواحدةٍ من النتائج المباشرة لحرب تشرين التي تسخرون منها، وصارت محافظة تخضع لسيادة سورية كاملة لا لبس فيها…» وذلك حسب تعبيره في معرفه الشخصي على «فيسبوك».

وفيما يخص ذكرى أكتوبر لم يقتصر النقاش على الداخل السوري. في مصر ـ حيث يحمل «نصر أكتوبر» مكانة خاصة ـ اعتبر إعلاميون بارزون أن حذف 6 أكتوبر من العطل السورية «محاولة لإطفاء وهج تاريخي مشترك»، على حدّ تعبير لميس الحديدي، فيما وصف المذيع أحمد موسى الخطوة بأنها «قرار غير مفهوم».

النوروز الغائب… وأسئلة التضمين

غياب «النوروز» عن قائمة العطل أعاد فتح نقاش تمثيل المكوّن الكردي في الرموز الوطنية. ورأت منصات كردية أن عدم إدراج العيد استمرارٌ لنهج الإقصاء السابق، لاسيما أن 21 آذار ظلّ ـ خلال عقود ـ ساحة توتر بين الدولة والاحتفالات الكردية.

وفي تعليق من الناشطة السورية الكردية بروين إبراهيم على الأمر، قالت: «أقل ما يقال عن هذا القرار او المرسوم، أنه رسالة غير موفقة وإلغائية لمكون سوري كبير لا يمكن نكرانه.. وكما الأسد الأب، منح الكورد عطلة بيوم نوروز لكنه تقصّد بتسميتها عيد الأم

ليعلم السادة في الحكومة السورية أن: «نوروز عيد قومي للشعب الكردي، فهو ليس خاص بحزب أو جماعة سياسية مثل قسد وسواها وبالتالي تجاوزه كعطلة، هو تجاوز لكل الكورد السوريين..»

وأضافت: «كان الأجدر بالحكومة حين صياغة قرارها، توجيه رسالة حسن نوايا للمكون الكوردي باعتباره مكون سوري، وليس معاقبته وكأن كل الكورد قسد أو قوى سياسية أخرى.. كان الأجدر بالحكومة السورية، معاملة السوريين على قدم المساواة، شأنهم شأن المسيحيين مثلاً».

وتساءلت: «إلى متى سيعامل الكورد السوريين، كنسق وطني ثاني لا يُعتَرف به ولا بأعياده، هل هكذا يتم الحل السياسي يا حكوميينا الافاضل» حسب تعبيرها.

من جهتها قالت الناشطة السورية فرح يوسف: «هاد اللي عم يصير من استفزاز، وإنو ما يحددوا عيد النوروز عطلة رسمية، بهي المرحلة اللي المفروض نكون فيها عم نبني عقد اجتماعي جديد، مو بصالح حدا، ولا بصالح أي حل سياسي بين الجزيرة ودمشق. من باب أولى يثبتوا الأعياد الرمزية لمختلف مكونات وفئات الشعب السوري.. هاي من أساسيات العدالة الانتقالية».

صوت المعلّم: ما بين التقدير والروزنامة

لم يمرّ «إلغاء عيد المعلم» بلا تعليقات. صفحات وروابط تربوية رصدت اللائحة الجديدة وتداولت رزنامة العطل المحدثة، فيما ظهرت أصوات تربوية تحاجج بأن تكريم المهنة لا يُختزل في إجازة؛ فالأوجب مراجعة أجور المعلمين وحوافزهم وتطوير بيئة التعليم.

بالمقابل يخشى معلمون من أن يفضي حذف العطلة إلى تآكل الاعتراف الرمزي بمكانتهم. فيما تبقى الكرة في ملعب الحكومة لتقديم سياسات ملموسة تعوّض الرمز وتكرّس التقدير عبر مسارات مهنية ومالية.

ماذا بعد المرسوم؟

ختاماً، سيبقى الامتحان في القدرة على تحويل الخلاف إلى نقاشٍ راشد حول معنى العطلة ومعنى الذكرى: هل تُختزل الذاكرة في يوم إجازة، أم تُبنى عبر الاعتراف والعدالة والتعليم؟ في كل الأحوال، أثبت إلغاء عيد الشهداء أنه ليس تفصيلاً إدارياً، بل مرآةٌ لحوار أوسع حول هوية سوريا الجديدة وحدود التوافق بين الذاكرة والانتقال.

اقرأ أيضاً: كاريكاتير: حق تقرير المصير!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى