قلعة القوز، جاورت البحر منذ زمن طويل وتهامست معه، وروت حكايات التاريخ الذي حفر حجارتها، وأجزاءها الباقية منها ماهي إلا ذاكرة لحضارة قامت على وأناس عبروا من هنا. هي قلعة أثرية تقع في مدينة بانياس الساحلية التابعة لمحافظة طرطوس، لم يتبق منها سوى أجزاء اندمجت مع حي القوز السكني، لكن دائرة آثار طرطوس سجلتها كموقع أثري في المحافظة، ضمن الحملة التي أطلقتها في العام 2012.
بما تبقى من أسلوب بناءها الكريتي المربع، تبقى قلعة القوز تذكر بتاريخ وحضارات هذه المنطقة، فلو اختفى سورها الكبير و تلاشت أغلب معالمها إلا أنها هنا شاهده على التاريخ وباقية لتخبرنا عنه.
تاريخ قلعة القوز
تم البناء خلال القرن الخامس عشر قبل الميلاد فوق تلّة قرب مدينة بانياس، على مساحة تبلغ نحو 60,000 مترٍ مربَّع، وتنحدر التلّة التي تقوم فوقها القلعة من الشّمال الشرقي إلى الجنوب الغربي، مطلة من جهة الشرق والجنوب على وادي نهر بانياس. حول القلعة شيد سور كبير آثاره لا تزال باقيةً في الجهة الجنوبية شديدة الانحدار والجهة الشمالية، تخلل السور بوَّابتان وثلاثة أبراج، وامتدت بقاياه على مسافة طولها 400 متر.
تم العثور في موقع القلعة على رُقمٍ قديمة، وهي عقود تاريخية مُوثَّقةٍ بنظام الكتابة والإشهاد، ترجمتها الباحثة الفرنسية سيلفي لاكنباشر ونشرتها في مجلة المركز الوطني للبحوث العلمية الفرنسية.
كما ورد ذكر القلعة تحت اسم أوزا في نقوشٍ هيروغليفية بمعبد الكرنك وكتابات قصر تحتمس الثالث الملكي ورسائل تل العمارنة (رسالة سنة 1377 ق.م من عمونير إلى أخناتون).
اقرأ أيضاً: عروس طرطوس: جزيرة أرواد بين الأمس واليوم
أهم ميزات القلعة وسماتها
قلعة “القوز” مؤلفة من ثلاثة عقارات رئيسية، حيث تعتبر القلعة بسورها وأبراجها وبحدودها الشرقية والجنوبية المطلة على الوادي من أكمل التحصينات الباقية من القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وقد بنيت الأسوار بأحجار ضخمة تزن الواحدة عدة أطنان وبنموذج سمي خطأ أسلوب البناء الكريتي المربع وهو نظام كنعاني قديم.
وأهم ما يميزها هو النظام الدفاعي الذي عرف قديماً بالدائر الدفاعي المزدوج ، قائم على تحصينات مزدوجة الأسوار ، حيث أشار المؤرخون لأقدم أمثلته في بناء سور مدينة “القسطنطينية” في القرن الخامس الميلادي وبناء “بغداد” في القرن الثامن الميلادي، ونكون بذلك أمام أرث دفاعيّ منذ ما يزيد على خمسة عشر قرناً قبل الميلاد.
كما وجد رقيم فخاري، وهو ذا صلة بتعاقد حقوقي من أقدم ما عرفه التاريخ وتوحي أسماء الشهود وصيغة العقد بتفاعل العلاقات في منطقة حوض المتوسط، كما تشير إلى أنّ العبارات المتداولة شعبياً من إشهاد الآلهة على العقود والتي ما زالت سائدة رغم القوانين الوضعية.
ناهيك عن أن إنّ اسم “أوزا” قد ورد في وثائق عديدة منها المنقوشات الهيروغليفية على “الكرنك” وفي وثائق القصر الملكي للفرعون “تحوتمس الثالث” الذي عاش خلال فترة 1490- 1436 قبل الميلاد، وفي وثائق تل العمارنة في رسالة ملك “بيروت عمونير” 1377 قبل الميلاد إلى “أخناتون” فرعون مصر، حيث وردت باسم “أزا أو ألازا إشارة إلى أوزا أو قلعة القوز” الحالية.
اقرأ أيضاً: قلعة صلخد تزين السويداء
أبرز المشكلات التي تواجه القلعة
أبرز المشكلات تتجسد في قيام حي سكني حديث فوق أطلال القلعة القديمة، لكن دائرة آثار طرطوس اتخذت إجراءً وقائياً لهذه المشكلة، يتمثل في الطلب من مجلس مدينة بانياس في سنة 2007 عدم منح أيّ رخص بناء جديدة في موقع القلعة دون الحصول على علمها وموافقتها أولاً.
ختاماً، قلعة القوز إرث حضاري كامل، لكن منسي ومهمل على حساب التوسع العمراني الحديث، فكيف يمكن إهمال صرح كهذا على حساب الأحياء السكنية الجديدة. من هنا يتوجب على دائرة آثار طرطوس التحرك بخطوات أكبر لحماية ما تبقى من هذه القلعة ومحاولة المحافظة على أطلالها المحتضنة بباطن الأرض بعد إشادة الأبنية فوقها.
اقرأ أيضاً: حلب بعيون الكاتب الفرنسي جان كلود دافيد