في كل عام، يكون السوريون على موعد متجدد مع قطع الإنترنت بالتزامن مع بدء امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية، ومع تكرار هذا الإجراء، تتجدد ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض، وساخر وممتعض.
وقد أعلنت وزارة الاتصالات والتقانة هذا العام عن قطع الإنترنت يومياً من الساعة 6 صباحاً وحتى 10 صباحاً، بالتزامن مع الامتحانات. كما تقرر قطع الاتصالات الخلوية في المناطق المحيطة بالمراكز الامتحانية، بهدف إحكام السيطرة ومنع تسريب الأسئلة أو استخدام وسائل الغش، بهدف الوصول إلى حالة “الحصار” الكامل لحالات الغش.
وأكدت الوزارة أن قطع الاتصالات الخلوية سيتم في أضيق نطاق ممكن حول المراكز، أما الأنترنت المعتمد على البيانات سينقطع، بينما ستبقى الإنترنت الأرضية ومكالمات الطوارئ متاحة، مع تعويض المشتركين في خدمات سيريتل وMTN عن فترة الانقطاع، وبررت الوزارة هذا الإجراء بعدم توفر حلول تقنية بديلة هذا العام، واعتبرته “الحل الأمثل لهذا العام فقط”.
آراء السوريين: بين التقبل والسخرية والغضب
رغم أن جزءاً من الشعب السوري تقبّل الانقطاع وعبّر عن تمنياته بالتوفيق للطلاب، إلا أن هناك موجة كبيرة من السخرية ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي، فوصف الطلاب “بأحفاد أنشتاين” هو الاكثر تداولاً الآن على الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي.
بينما آخرون عبروا عن انزعاجهم بسبب هذا الاجراء محملين الوزارة مسؤولية إيجاد حل أكثر مرونة، ففي ظل اعتماد أغلب الشعب على الانترنت في اعمالهم يأتي هذا القرار ليعطلهم، خاصة من يعملون لصالح جهات خارج البلاد لا تدرك خصوصية الوضع المحلي، حيث علّق أحد المواطنين على فيسبوك متسائلًا:
“إذا صار مع الواحد حادث، بينطر الامتحانات لتخلص حتى يقدر يتواصل مع حدا، أو يخبر أهلو؟!”
كل ذلك يأتي وسط تشديد كبير من وزارة التربية على النزاهة والشفافية، فبحسب إحدى المعلمات المشاركات في مراقبة امتحانات الشهادة الإعدادية، طُلب منهم عدم إدخال هواتفهم أو حتى محافظهم، وتم تعيين مدير مركز واحد فقط لكل مدرسة، بعد أن كان هناك مدير لكل طابق في السابق.
التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية لقطع الإنترنت
إجراء قطع الإنترنت خلال الامتحانات لا يقتصر على سوريا، بل تطبّقه عدة دول عربية مثل لبنان، الأردن، مصر، العراق، السودان، والجزائر.
إلا أن تقارير، منها تقرير منظمة SMEX اللبنانية، تشير إلى أن هذا الإجراء يؤثر سلباً على التنمية الاقتصادية، ويتعارض مع أهداف التحول إلى الاقتصاد الرقمي، كما ذكرت منصة Internet Society Pulse.
على سبيل المثال، في السودان، تسبّب قطع الإنترنت خلال الامتحانات بخسائر يومية تقدر بـ5.7 مليون دولار، أما في الجزائر، فقد فشلت محاولات بديلة مثل تشويش الاتصالات أو إبطاء الإنترنت، واضطرت الحكومة إلى قطع الشبكة كلياً بعد تسريب أسئلة إحدى المواد.
وفي سوريا، بدأ تطبيق هذا الإجراء منذ عام 2015، ويستمر الانقطاع لمدة أربع ساعات يومياً، مع تسجيل حالات انقطاع إضافية أحياناّ، ويبدو أن النتائج غير مرضية حتى الآن، مما يدعو إلى إعادة النظر في نجاح هذه الطريقة وطرح بدائل أكثر توازناً.
اقرأ أيضاً: هل سيفقد طلاب الشهادة الإعدادية والثانوية في شمال شرق سوريا عامهم الدراسي؟
حلول بديلة من حول العالم: هكذا تُمنع عمليات الغش
بعيداً عن خيار قطع الإنترنت، تبنّت العديد من الدول أساليب مبتكرة وتكاملية لمنع الغش، جمعت بين الأدوات التقنية والأساليب التقليدية فمثلاً الصين عطّلت تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل Qwen Alibaba وByteDance أثناء الامتحانات، وأوقفت خاصية التعرف على الصور.
أما في الفلبين فلجأ أحد المعاهد إلى طريقة طريفة، إذ طُلب من الطلاب ارتداء “قبعات مكافحة الغش” من صنعهم، فابدعوا بتصميمها بأشكال فكاهية.
كما وزّعت اليمن أربع نماذج مختلفة للأسئلة داخل القاعة الواحدة، وأصدرت بطاقات إلكترونية تحمل اسم وصورة كل طالب لمنع التبديل بين طالب وآخر، وفي الهند تم سن قانوناً في عام 2024 يعاقب أي شخص أو جهة تقوم بالغش بالسجن من 3 إلى 10 سنوات مع غرامات مالية كبيرة.
هل آن الأوان لتبنّي نموذج بديل في سوريا؟
في ظل الظروف الاقتصادية والتكنولوجية الراهنة، يبدو أن قطع الإنترنت ليس الحل الأمثل، وبدلاً من ذلك، يمكن لسوريا أن تتبنى مزيجاً من الحلول التقنية والبشرية مثل تركيب كاميرات مراقبة في القاعات، وتشويش الاتصالات بشكل محدود حول المراكز، وتنويع نماذج الأسئلة داخل القاعة الواحدة، بالإضافة إلى اعتماد اختيارات صارمة للكوادر المشرفة والمراقبة، وتثقيف الطلاب حول النزاهة الأكاديمية.
فكدولة ناهضة من حرب طويلة، من الضروري تحقيق التوازن بين ضمان نزاهة الامتحانات واستمرار الحياة الاقتصادية، بعيداً عن الحلول الجذرية التي تضر بالمجتمع ككل.
اقرأ أيضا: انقطاع تام للإنترنت والاتصالات في سوريا والجهات المسؤولة توضّح