المجتمع السوري

قطاع الخليوي في سوريا.. هل طالته التحسينات؟

بقي قطاع الخليوي في سوريا خاضعاً للاحتكار حتى سقوط النظام، إذ سيطرت السلطة السابقة على مختلف جوانبه، من الأسعار إلى تقديم الخدمات. هذا الاحتكار ضيق خيارات المستخدمين، وأضعف جودة الإنترنت، وجمّد الابتكار في القطاع. كما استُخدم هذا المجال كأداة للرقابة ومصدراً للإيرادات، بينما حرم السوق من المنافسة الحقيقية، فأغلقت الأبواب أمام الشركات الجديدة، وبقي المواطن السوري وحده يدفع الثمن ويتحمل التبعات.

في هذا المقال سنعرض لمحة عن احتكار قطاع الخليوي في سوريا سابقاً، ونتناول الحديث عن فكرة دخول مشغل ثالث إلى البلاد قبل سقوط النظام، وصولاً إلى آخر التحسينات التي طرأت عليه مع الحكومة السورية الحالية.

قطاع الخليوي في سوريا.. زمن الاحتكار

شهد قطاع الاتصالات في سوريا تطوراً ملحوظاً منذ بداية استلام بشار الأسد للسلطة في عام 2000، على عكس أبيه حافظ الذي جعل من قطاع الاتصالات قطاعاً ذا طابعٍ أمني بحت، حيث كانت الاتصالات مكتفية بالهواتف الأرضية الثابتة، دون أي وجود لشبكة الانترنت في عموم البلاد.

في شهر “آب” عام 2000، أسّس بشار لوجود SCS-NET، والذي كان عبارة عن مزوّد خدمة الانترنت عبر الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية، التي رغم أنها تأسست خلال عام 1989، لم تقدم أي إضافة فيما يخص قطاع الاتصال والمعلوماتية في عموم سوريا.

لا يمكن الحديث عن الاتصالات في سوريا من دون اقتران هذا القطاع باسم “رامي مخلوف”، ابن خال بشار الأسد. ويقول رجل الأعمال والملياردير المصري “نجيب ساويرس” في حديث تلفزيوني سابق إنه ذهب إلى سوريا للاستثمار في قطاع الاتصالات، ففرضت عليه الحكومة السورية آنذاك أن يكون شريكاً لرامي مخلوف مقابل الحصول على رخصة للاستثمار.

يضيف “ساويرس”، أنه حين بدأ العمل بالشركة وحقق الأرباح، استولى مخلوف على الشركة وطرد الموظفين. ودخل الطرفان في قضايا قانونية، لكن ساويرس لم يتمكن من الحصول على أمواله بصورة كاملة ولا أرباحه، فرامي مخلوف استولى بالكامل على الشركة.

ويوضح ساويرس: “أخرجني من الشركة بأقل من الاستثمار الذي وضعته وطردنا من البلد وطرد موظفينا، وهو لم يكن الفاسد الوحيد الموجود، ولكنه كان يستولي على كل الصادرات والأسواق الحرة وواردات البترول والغاز كان يدخل فيها”. لم يكن ساويرس وحده من رغب الاستثمار في قطاع الاتصالات السورية وتمّت محاربته لأنه رفض الشراكة مع متنفذي السلطة، فالكثير من الشخصيات العربية أرادت ذلك وقوبلت بالرفض لامتناعها عن الشراكة.

وبقيت شركة “سيرياتيل” المحتكرة لقطاع الخليوي في سوريا، والتي كانت مملوكة بالكامل من قبل رامي مخلوف، وظلّت كذلك حتى وقع الخلاف بينه وبين الأسد في العام 2019، ووضعت سيرياتيل حينها تحت الحراسة القضائية عام 2020. الجدير ذكره أنه حتى السقوط لم يكن يسمح لأي شركة اتصالات مشغلة من القدوم إلى السوق السورية، إذ بقيت كل من “سيرياتيل” و”mtn” في حالة احتكار للسوق، مع تلويح الأخيرة بالرغبة بمغادرة السوق السورية في عام 2020.

اقرأ أيضاً: هل يغير مشروع “أوغاريت 2” واقع الاتصالات في سوريا؟

الحديث عن مشغل ثالث في سوريا قبل السقوط

كانت وزارة الاتصالات السورية أعلنت في شباط عام 2021 عن إطلاق المشغل الثالث لشركات الخليوي في سوريا، تحت اسم “وفا تيليكوم” برأسمال معلن يبلغ 10 مليارات ليرة سورية، وبعدد أسهم يبلغ 100 مليون سهم، قيمة كل منها 100 ليرة سورية، الرقم الذي عُدّ ضئيلاً جداً بالمقارنة مع رأسمال شركتي الاتصالات “سيرياتيل” و”إم تي إن” اللتين تحتكران الاتصالات الجوالة في سوريا منذ 24 عاماً.

دخول المشغل الخليوي الثالث إلى السوق السورية، تأجل مراتٍ عدّة، وكان من المفترض أن ينطلق بعد الحصول على الترخيص، وأشار قرار الترخيص وتبدأ مدّة العقد 22 عاماً من تاريخ اجتماع الهيئة العامة التأسيسية، مع جواز التمديد على أنّ تصدّق الوزارة على ذلك.

جاء هذا القرار بعد انسحاب شركة “MCI” الإيرانية من مشروع تشغيل المشغل الثالث، الذي وقّعت عقده مع “النظام” آنذاك. ولا يزال الغموض يلف هذا المشغل الثالث الذي لم يطلق حتى اليوم، وسط إشارات سابقة تفيد بأن ملكيته كانت تعود إلى شخص مقرّب من النظام في سوريا.

اقرأ أيضاً: أزمة الاتصالات في سوريا: إعفاءات دون حلول… لماذا تستمر الانقطاعات؟

تحسينات القطاع في سوريا .. بمسعى من الحكومة السورية

كشف وزير الاتصالات وتقانة المعلومات السورية “عبد السلام هيكل” عن مشاريع استراتيجية ستشهدها البلاد، تهدف إلى تحويل سوريا إلى مركز رقمي عالمي، وتحسين جودة الإنترنت والخدمات الخليوية فيها.

أقرّ الوزير بأن قطاع الاتصالات لم يشهد تطويراً حقيقياً خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، مؤكداً أن الوزارة تعمل حالياً على إصلاح القطاع الخليوي وتحديث خدماته مع التركيز على تحسين البنية التحتية التي تعد أساساً لأي تقدم رقمي، وأوضح أن سوريا تتعامل مع شركات الاتصالات في دول المنطقة وليس مع الحكومات بشكل مباشر.

في سياق متصل، أطلقت وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات، في 15 حزيران الماضي، مشروع “برق نت” الهادف إلى تطوير بنية الألياف الضوئية للمنازل والمكاتب في عموم البلاد، ويعتمد مشروع “برق نت” على تصميم شبكي حديث وكثيف، ينفّذ بأعلى المعايير الفنية لضمان الأداء والاستمرارية، وذلك عبر نموذج النفاذ المفتوح VULA – Virtual Unbundled Local Access، الذي يسمح للشركات المؤهلة على الاستثمار في البنية التحتية مقابل بيع حركة الإنترنت بالجملة إلى مزوّدي الخدمات، ليطرحوا بدورهم منتجاتٍ متطورة ومنافسة للمستخدمين النهائيين.

إضافةً إلى العمل على مشروع “سيلك لينك”، الذي سيربط سوريا بالأردن والسعودية عبر شبكة من الكابلات البحرية، لتصبح سوريا المدخل الاستراتيجي من أوروبا، فيما سيكون الخليج هو المخرج إلى آسيا.

كما أن الوزير نوّه في أحد تصريحاته الصحفية، إلى أن سوريا ستشهد تطوراً استثنائياً خلال المرحلة المقبلة، رغم أن سرعة الإنترنت الحالية “ليست في أفضل حالاتها”، إلا أنها “تتجاوز 1 ميغابت بكثير”، في إشارة إلى التحسن التدريجي الذي تشهده الخدمة.

صرحت الوزارة مؤخراً، بأن خدمة الخليوي على أعتاب تحول جذري مع بداية 2026، وأن الشبكة ستكون كما يستحق السوريون، وتولي الوزارة أهمية خاصة لتطوير قطاع الاتصالات، لأنه يمثل ركيزة أساسية في عملية التنمية وإعادة الإعمار، من خلال تحديث البنية التحتية للشبكات، وإدخال خدمات الجيل الخامس تدريجياً، إلى جانب السعي لاستقطاب الاستثمارات والشراكات الدولية بما يضمن تحسين جودة الخدمة وتوفيرها بأسعار مناسبة. وتشير تقارير إلى أن حجم الأضرار المادية لقطاع الاتصالات بلغت  حوالي 200 مليار دولار، نتيجة الحرب والعقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على البلاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى