المجتمع السوري

صادرات سوريا نمو حقيقي أم عجز.. ماذا بقي من الاقتصاد في العام 2025

بقلم: ريم ريا

وسط الدمار وشلل الإنتاج، نمت صادرات سوريا بشكل لافت، فهل استعاد الاقتصاد السوري عافيته؟ يواجه الاقتصاد السوري أزمة غير مسبوقة بعد أكثر من عقد على النزاع، وما سببته الحرب من دمار في البنية التحتية وشلل في القطاعات الإنتاجية. فبلغت خسائره نحو تريليون دولار حسب التقديرات. شهد الاقتصاد السوري في الآونة الأخيرة نمواً في صادراته، في مقالنا هذا سنعرض هذا النمو ونناقش وضع الاقتصاد ككل.

حال الاقتصاد في سوريا من قطاعات وصادرات

في ظل ما تشهده سوريا من فوضى زعزعتها في بعض الأحيان، تحاول الحكومة السورية ضخ الأمل في المجتمع المتهالك اقتصادياً واجتماعياً، وتعمل بكافة جهودها من أجل تعافي الاقتصاد السوري، في ظل ما وقّعته من اتفاقيات اقتصادية من المحتمل تنفيذها، وبعد تسعة أشهر على تولي إدارة البلاد، بعد حكومة سابقة دمرت كل ما فيها، ونسفت اقتصادها، ما هو حال الاقتصاد السوري في العام 2025؟

الزراعة والإنتاج الزراعي

يمر القطاع الزراعي في سوريا بمرحلة أقل ما توصف بأنها سيئة في ظل اجتماع الجفاف مع تدهور في البنية التحتية وارتفاع في تكاليف المدخلات، ما سجل الموسم الزراعي الحالي كواحد من أضعف المواسم في تاريخ سوريا.

القمح، الذي كان يمثل العمود الفقري للأمن الغذائي، سجل في 2024 نحو مليوني طن، أي أقل من نصف مستويات ما قبل الأزمة، ومع جفاف 2025 هبطت التقديرات إلى ما بين 0.9 و1.1 مليون طن فقط، وهو من أدنى المستويات المسجلة، الأمر الذي يفرض الحاجة إلى استيراد ما يقارب ثلاثة ملايين طن لتغطية الاستهلاك.

أما الشعير والأعلاف فقد تضررا بشدة، وتضررت تبعاً لها تربية الأغنام والماعز وارتفعت أسعار العلف. وعن محصول القطن فَقَد مكانته التاريخية بسبب استنزاف المياه وتراجع القدرة على التسويق، وأشجار الزيتون اليوم تشكو تراجع محصولها.

فجوة القمح آخذة في الاتساع، مع عجز يقدَّر لعام 2025 بنحو 2.7 مليون طن، ما يشكل ضغطاً على منظومة الخبز المدعوم ويجعل البلاد أكثر اعتماداً  على الاستيراد والمساعدات الخارجية. ويؤكد خبراء أن كل دولار يُستثمر محلياً في إنتاج القمح يمكن أن يولّد ما يعادل أربعة دولارات من الغذاء، وهو ما يعكس جدوى توجيه الموارد إلى هذا القطاع.

الصناعة في سوريا

سجل القطاع الصنعي في سوريا تراجعاً حاداً، بسبب انهيار البنية التحتية، الأمر الذي دفع الصناعة إلى العمل بأقل من نصف طاقتها، مع استمرار استنزاف الكفاءات ورأس المال. في الوقت الحالي تعاني الصناعات التحويلية التقليدية من نقص المواد الأولية وارتفاع تكاليف الانتاج. كما أن صعوبة التمويل الحالية وتكلفة الصيانة وقفتا في وجه ما تبقى من الصناعات الصغيرة والمتوسطة. فالصناعة السورية باتت معتمدة بشكل متزايد على الاستيراد لتأمين المواد الأولية، تحديداً في صناعة النسيج.

سوق العمل والتجارة

الأسواق السورية تعمل ضمن بيئة منقسمة إدارياً واقتصادياً، مع سياسات جمركية وضريبية متباينة بفعل الوضع الاقتصادي، ما رفع تكاليف النقل. الأسواق الكبرى في دمشق وحلب وحمص ما زالت قائمة، لكنها تعاني من ضعف القدرة الشرائية، وارتفاع أسعار السلع الأساسية نتيجة الاعتماد الكبير على الاستيراد وتكاليف النقل.

أما القدرة التصديرية شبه متوقفة، باستثناء بعض الصادرات الغذائية أو الألبسة منخفضة الجودة إلى أسواق إقليمية قريبة. معظم الإنتاج موجّه للاستهلاك الداخلي، لكنه يواجه منافسة من سلع مستوردة (شرعية أو مهربة) غالباً ما تكون أرخص وأكثر جودة، ما أضعف حوافز الإنتاج المحلي.

اقرأ أيضاً: وصفة التعافي للاقتصاد السوري.. هذا ما تحتاجه سوريا قبل بلوغ اقتصاد الوفرة

توصيف حالة الاقتصاد السوري في الوقت الحالي

رغم نبضات التعافي إلاّ أن الاقتصاد ما زال هشاً، فمجمل مؤشرات الاقتصاد في سوريا تشير إلى حالة هشاشة واضحة في الشبكات الاقتصادية في كل قطاع على حدة، أو الشبكات بين القطاعات.

غياب الدولة عن بعض الأمور في عمليات التخطيط نتيجة الوضع الاقتصادي والأمني، يُصعّب وضع الاقتصاد السوري ويهدد بتفتيته بالمطلق، وبعض الأمور غير المضبوطة في الاقتصاد، إضافةً إلى المؤشرات والدلالات التي تشير لفجوات وليس مجرد ثغرات في الاقتصاد في الوقت الحالي، تطرح سؤالاً: هل ما نجده من إعلانات حول مشاريع مقبلة، هو في الحقيقة مجرد إعلان نوايا؟ وهل ستتحول إلى واقع في ظل الأوضاع السياسية والأمنية والمؤسساتية الحالية؟

وضع الصادرات السورية .. وأكثر البلدان توجهاً لها

عند مراقبة الصادرات السورية خلال النصف الأول من عام 2025، لوحظ أنها سجلت نمواً بنسبة 39% مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق 2024، فقد بلغت قيمتها 500 مليون يورو (نحو 580 مليون دولار).

بالتقدير الأولي هذه النسبة جيدة جداً، لكن الرقم لا يمثل انتعاشاً حقيقياً، بل أشبه بمحاولة الصعود من قاع عميق، ولا معنى من مقارنة هذه النسبة بمستويات ما قبل الأزمة فكل شيء مختلف، والصادرات انخفضت بنسبة 95% منذ العام 2010.

فعندما تصل نسبة النمو إلى 39%، يجب النظر إلى النقطة التي بدأت منها. حيث تصبح المقارنة مع العام الفائت غير دقيقة تماماً، بسبب العقوبات والحصار، واليوم بعد إزالة هذه العقوبات يُنتظر تحسن طبيعي في النشاط التجاري من دون أن يعني ذلك تحسناً في القدرة الإنتاجية أو التنافسية، لذلك فإن الارتفاع لا يعكس بالضرورة تطوراً هيكلياً إيجابياً، بقدر ما يعكس استعادة جزئية لما تم فقده. التعافي في الحالة السورية ليس بالأمر السهل، لكن كل نبضة اقتصادية جيدة يمكن لها أن تُسرع العملية.

فالصادرات التي بلغت نحو 580 مليون دولار خلال 7 أشهر، وإن كانت تُقدَّم كإنجاز اقتصادي، إلا أن نصيب الفرد منها لا يتعدى 34 دولاراً، أي 9,18% من دخل الفرد من الناتج المحلي.

وسط مراقبة لحركة الصادرات والواردات، وغياب الإحصائيات الرسمية الدقيقة للواردات بشكل دقيق، تم الاعتماد على إحصائيات البيانات التركية إذ بلغ حجم الواردات التركية 1,8 مليار دولار خلال فترة 7 أشهر، مقابل 143 ألف دولار صادرات فقط، وهو مؤشر كارثي، لأن الأرقام لا تعكس مجرد خلل في الميزان التجاري، بل تشير لتدفق أحادي الجانب للسلع التركية إلى السوق السورية، بينما تبقى الصادرات شبه معدومة.

كذلك العجز مع الأردن كبير نسبياً، فوفق دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، صعدت الصادرات الأردنية إلى سورية بنسبة 405% مسجلةً 149,2 مليون دولار، مقابل تصدير سورية ما قيمته 64,8 مليون، أي بعجز يقارب 84,4 مليون دولار.

حسب الأمم المتحدة فالخسارة في الناتج المحلي الإجمالي في سوريا بلغت نحو 800 مليار دولار منذ 2010،وإن أي نمو في الصادرات لا يأتي من إضافة طاقات إنتاجية جديدة، بل يُصنف على أنه استنزاف للطاقات الإنتاجية المتبقية، وعملية تصدير المتاح من الموارد المتبعة في الوقت الحالي، ماهي إلاّ عملية على حساب السوق السوري المحلي واحتياجاته، و على حساب بناء وتطوير هذه الطاقات على المدى الطويل.

عند طرح نمو هذه الصادرات، علينا الوقوف عند نقطة هامة، ألاّ وهي أن الاعتماد على تصدير الموارد الطبيعية بدلاً من التركيز على التنمية الصناعية الشاملة، رغم سرعته كحل للأزمات الاقتصادية، لكنه يحمل ويفضي لتداعيات خطرة لها مسار واحد وهو التبعية لاقتصادات مجاورة وتراجع في مستوى التنمية. فهذا النوع من الحلول يستخدم مع اقتصادات مغايرة للاقتصاد السوري تعاني من جانب أو أكثر وغير منهارة مثلة، أو تستخدم كحلول إسعافية لأزمات اقتصادية طفيفة وليس مستفحلة وممتدة منذ سنين كالحالة السورية.

فما يحدث اليوم، ما هو إلاّ صورة تقليدية  للاقتصادات التابعة المعتمدة على استيراد السلع النهائية بشكل كبير، مقابل صادرات محدودة، تقتصر على المواد الخام. هذه الطريقة التقليدية تستنزف العملة الصعبة وتزعزع اقتصاد البلاد، وتعرقل دعم الاستثمار في القطاعات الإنتاجية، وهذا يؤدي إلى تبعية اقتصادية من شأنها تعميق الأزمات.

تعافي الاقتصاد السوري بصادراته ووارداته ليس بالأمر السهل، ولن يتم في ليلة وضحاها. إن أيّ تقدم ونمو حالي هو إيجابي لكن علينا الحفاظ على مصدر هذا النمو وقاعدته لا استنزافها، مع رفع العقوبات، ما يحتاجه الاقتصاد السوري للتعافي هو استراتيجية وطنية قائمة على دعم الصناعة وتنمية الزراعة وإنقاذها من كربتها، لتكونا ركيزتين للانطلاقة نحو الانتعاش فالتعافي، ثم نحو الاكتفاء الذاتي لكن على المدى الطويل والبعيد.

اقرأ أيضاً: الصادرات المدنية إلى سوريا.. هل يفتح القرار الأمريكي الجديد باب الانتعاش الاقتصادي؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى