تصدّر قرار وزارة التعليم العالي السورية الأخير واجهة النقاش الأكاديمي والحقوقي، بعد أن فرضت الوزارة شرطاً جديداً للاعتراف بالشهادات الصادرة عن 11 جامعة خاصة من الجامعات السورية في شمال البلاد. والقرار الذي بدا للوهلة الأولى روتينياً في مضمونه الإداري، لم يمر مرور الكرام، بل فجّر موجة من التساؤلات: هل هو إجراء تنظيمي بحت؟ أم أنه يحمل في طيّاته تمييزاً واضحاً ضد مؤسسات التعليم العالي في الشمال السوري؟
الجامعات السورية: 11 جامعة مشروطة بالتصديق!
القرار الذي صدر مطلع أيار الجاري، نصّ على عدم الاعتراف بأي شهادة صادرة قبل 11 شباط 2025 من جامعات محددة، ما لم تكن مرفقة بتصديق رسمي من وزارة التعليم العالي، وتحديداً توقيع معاون الوزير لشؤون المؤسسات التعليمية الخاصة. والجامعات المعنية بالقرار جميعها تقع في ريف محافظة حلب، وتضم: جامعة حلب في المناطق المحررة، جامعة الشام الخاصة، الجامعة الدولية للعلوم والنهضة، جامعة آرام، الجامعة السورية للعلوم والتكنولوجيا، جامعة الزيتونة في أعزاز، جامعات باشاك شهير والمعالي في الباب، والزهراء والرواد في جرابلس، إضافة إلى جامعة الأمانوس في عفرين.
السياق السياسي والتحالفات السابقة
تقع هذه الجامعات ضمن مناطق سيطرة «الجيش الوطني السوري» وتخضع لإدارة «الحكومة السورية المؤقتة» المرتبطة بالائتلاف السوري الذي كان معارضاً للسلطة السابقة، وهي بيئة سياسية مختلفة عن تلك التي تسيطر عليها «حكومة الإنقاذ» في إدلب. ورغم هذا الاختلاف، فإن جامعات إدلب حصلت على اعتراف الوزارة سابقاً، بينما تم استثناء جامعات ريف حلب من هذا الاعتراف، باستثناء مؤقت وجزئي لجامعة حلب في المناطق المحررة.
بيانات استنكار وغضب أكاديمي
عقب القرار، أصدرت إدارات الجامعات المتأثرة بياناً مشتركاً، أعربت فيه عن استيائها من عدم معاملتها أسوة بباقي الجامعات، خاصة أنها حصلت على اعتراف من «مجلس التعليم العالي في الشمال». واعتبر البيان أن القرار يحرم شريحة واسعة من الطلاب من الاعتراف بشهاداتهم رغم التزامهم بالمعايير الأكاديمية، مما يكرّس شعوراً بالتمييز والإقصاء.
البيان أكد أن هذه الجامعات ساهمت في تأمين التعليم لعشرات الآلاف من الطلاب المفصولين أو المحرومين من الدراسة في الجامعات الرسمية نتيجة الظروف الأمنية والسياسية، وبالتالي فإن حرمانها من الاعتراف، أو اشتراط إجراءات إضافية دون مبررات واضحة، يمثل إجحافاً بحق مؤسسات التعليم وطلابها وكوادرها.
ردّ الوزارة: إجراءات تنظيمية لا أكثر
في المقابل، نفت وزارة التعليم العالي أن يكون في القرار أي نوع من التمييز، معتبرة أن ما طُلب من هذه الجامعات هو تقديم ملف اعتماد أكاديمي لدراسة وضعها ومدى استيفائها للشروط اللازمة للاعتراف الرسمي. وسبق للوزير السابق عبد المنعم عبد الحافظ أن صرّح بأن الوزارة مستعدة لاعتماد أي جامعة تفي بالمعايير المطلوبة.
مع ذلك، أثار تراجع الوزارة عن الاعتراف السابق بجامعة حلب في المناطق المحررة ـ التي كانت قد اعتبرتها جامعة حكومية رسمية ـ تساؤلات إضافية، خاصة بعد إدراجها في القائمة الجديدة للجامعات المشروطة بالتصديق.
جدل مستمر بين «التمييز» و«الإجراء المؤقت»
يرى البعض أن القرار خطوة روتينية تهدف إلى ضبط الفوضى في قطاع التعليم العالي الخاص، في ظل انتشار مؤسسات أكاديمية غير مرخّصة أو غير مستوفية للشروط. بينما يعتبره آخرون خطوة سياسية لإقصاء مناطق الشمال من المشهد الأكاديمي السوري، في ظل غياب الاعتراف المتوازن بين مناطق النفوذ المختلفة.
اقرأ أيضاً: كنوز سوريا المجمّدة في الخارج: هل حان وقت العودة؟
مستقبل غامض لآلاف الطلاب
بين التصعيد والتهدئة، يبقى مصير آلاف الطلاب في جامعات الشمال السوري معلقاً بين قرارات بيروقراطية لا تراعي السياق الاستثنائي الذي يعيشه هؤلاء الشباب، وبين انتظار طويل لاعتراف رسمي قد لا يأتي قريباً. فهل ستُفتح أبواب الحل عبر اعتماد آلية عادلة وشاملة للاعتراف بكافة الجامعات السورية على قاعدة الكفاءة؟ أم أن الجامعات ستبقى رهينة الانقسام السياسي والجغرافي في البلاد؟