شركات الأدوية البيطرية قطاع نشط ومؤثر في سوريا، رغم أن هذا القطاع لا يحب الأضواء لكنه قطاع منتج ومثمر محلياً ويُصدّر من باكورة نجاحه للدول المجاورة وصولاً لغير المجاورة كالسعودية. تأثرت معامل الأدوية البيطرية في الصراع، لكن وبرغم الصعوبات التي واجهتها استمرت بالإنتاج ولم ينقطع الدواء البيطري عن السوق المحلية ولم تتوقف كذلك عملية تصديره للسوق الخارجية.
قطاع الأدوية البيطرية لا يحب الثرثرة، يعمل بصمت وإنجازاته هي من تتكلم، على ضوء ذلك في العام 2023 أشرفت النقابة على مؤتمرات فروعها في المحافظات ومنحت لقب طبيب استشاري ل 11 طبيب مع العمل لإيجاد تشريع “منح ترخيص” لفتح مكاتب استشارية للحاصلين على هذا اللقب. كما حلقت أجنحة شركات الأدوية البيطرية في معرض “أغريتكس”، وكانت مركزاً لاستقطاب مربي المجترات الصغيرة والدواجن. لنتعرف على هذه الصناعة ونقف على أحوالها ونطلع على أيرز ما قدم في هذا المعرض.
تفوق شركات صناعة الأدوية البيطرية السورية وتوسعها نحو الأسواق العربية والعالمية
بعد إثباتها تفوقها في الأسواق المحلية بفعل جودتها العالية ومواصفاتها النموذجية، غزت الأدوية البيطرية السورية الأسواق العربية والإقليمية وباتت مصدراً لدخول القطع الأجنبي للبلاد، ويبلغ عدد معامل هذه الصناعات بحسب رئيس لجنة الأدوية البيطرية في غرفة صناعة دمشق وريفها الدكتور محمد رضوان عابدين نحو 78 معملاً مرخصاً.
ويتم العمل بالتنسيق مع وزارة الزراعة على ترخيص العديد من المعامل بغية تحسين واقع هذه الصناعة والاستفادة من الكوادر الطبية السورية، وأصحاب الاختصاص المتواجدين من أجل الارتقاء بتلك الصناعة نحو الأفضل، إلى جانب مواكبة التقدم العالمي فيها وتطويعه لمصلحة الإنتاج المحلي.
كما أشار عابدين إلى أن التوجه نحو زيادة عدد معامل الأدوية البيطرية ضرورة ملحة، تبعاً ّلأهمية المنتج السوري في السوق الخارجية، ونوّه لضرورة تعزيز التعاون مع شركات ومعامل خارجية، لتبادل الخبرات وطرح المنتج السوري في السوق الدوائية لهذه الدول. لافتاً لوجود آلاف الأصناف الدوائية البيطرية المرخصة ذات الجودة العالية والمواصفات الدقيقة القياسية، المصنعة محلياً، وأكد على ضرورة تصديرها إلى بعض الدول، والتعاون مع الشركات العربية والإقليمية الدوائية.
ووفقاً لرئيس لجنة الأدوية البيطرية يتم التعاون مع وزارة الزراعة التي تعتبر الراعي المحتضن لهذا القطاع، على إزالة العقبات التي تواجه واقع هذا القطاع، وتذليل الصعوبات التي سببتها الإجراءات القانونية المتخذة من النظام السابق. في إشارة منه إلى أن لجنة الدواء البيطري قدمت خلال اجتماعها مع وزير الزراعة الحالي العديد من الاقتراحات المتعلقة بتطوير قطاع الأدوية البيطرية، مؤكداً على أهمية إنشاء المجلس الأعلى للصناعات الدوائية البيطرية، إلى جانب تنشيط الأبحاث الدوائية وتحريك عجلتها، من خلال زيادة المخابر الجامعية، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص الفني في وضع القوانين، مع تيسير إجراءات التصدير للدواء البيطري، والتشديد على اتخاذ إجراءات قانونية صارمة تمنع تداول المواد الأولية لغير الصناعة.
اقرأ أيضاً: قطاع الدواجن في الحسكة يواجه كارثة صحية واقتصادية
واقع الأطباء البيطريين وما دور النقابة في تعزيز عملهم
في ظل الإسقاط من التوصيف الوظيفي التي تتبعه وزارة الزراعة مع الأطباء البيطريين، تعمل نقابات الأطباء البيطريين في بعض المحافظات السورية ومنها محافظة حماة، حيث أن النقابة في حماة تشرف على عمل الأطباء البيطريين بشكل عام وعلى تنظيم المهنة بشكل مهني وصحيح ضمن الإمكانيات المتاحة، فبحسب الدكتور عبد العزيز عبد المجيد شومل رئيس فرع حماة لنقابة الأطباء البيطريين للعام 2024، في شهر 9 من العام ذاته، أن النقابة تساهم في تنظيم العمل بالقطاعين العام والخاص وتطوير مهنة الثروة الحيوانية، إضافة لمشاركتها في وضع القوانين المطوّرة للثروة سواء في قطاع الدواجن أو الأبقار والأسماك، كما تعمل على الإشراف على عمل المسالخ وأصول الذبح وحماية الإناث إضافة للجان ضبط عمل المهنة.
وفي معرض تصريحاته تطرق إلى مشكلات المهنة، حيث أوضح الدكتور شومل أن النقابة دائماً ما تحاول تسليط الضوء على الصعوبات بمختلف المؤتمرات واللقاءات مع الوزارات المعنية، في محاولة لاستصدار قوانين للتخلص من العقبات وبالتالي تحسين واقع الثروة الحيوانية من خلال ملامسة المشكلات واقتراح الحلول وإيجادها.
فلا يمكن لنا إهمال واقع الثروة الحيوانية الذي يتأثر باستخدام هذه الأدوية، فالإضاءة التي قدمها الدكتور شومل في محلها، وتعتبر نقطة جوهرية يجب الاستناد عليها في إنتاج الأدوية البيطرية وتطويرها، كما أن لها علاقة بارتفاع أسعار الدواجن والمواشي ومشتقاتها من اللحوم والبيض والألبان، إضافة للأعلاف والوقود وغيرها من المستلزمات التي من شأنها رفع التكلفة وبالتالي رفع الأسعار.
كذلك يجب دراسة أسعار هذه الأدوية وطرحها بشكل مدروس، بمعزل عن السنوات الماضية ومسببات ارتفاعها آن ذاك، لأن مربي الدواجن والمواشي في سنين الحرب القاسية كانوا يضطرون لرفع الجرعة وبالتالي ينعكس ذلك على المستهلك.
أما فيما يتعلق بعدد الأطباء البيطريين في سورية، فقد بلغ، بحسب شومل، قرابة 4500 طبيب منهم 1500 في حماة، مشيراً إلى أنه لا يجوز لأي طبيب مباشرة المهنة إلا بعد انتسابه للنقابة حتى الأستاذ الجامعي، عمله يندرج تحت مسمّى المهنة، ورغم أن أعمالهم واختصاصاتهم تختلف، لكنها بشكل عام تحقق حالة من التوازن والتطوير في الثروة الحيوانية، ومجرد وجودهم هو حماية وضمان للقطاع.
وهنا يبرز تساؤل يجب طرحه هل سألت النقابة نفسها من تمثل على أرض الواقع؟ 4500 طبيب بيطري مسلوبي الحقوق في زواريب مديريات الزراعة لا يملكون من يمثلهم بشكل فعلي إلاّ بعض النقابات النشطة لخدمة هذه المهنة والقطاع الذي تشغلّه، مما دفع الكثير منهم أسوّة بالكثير من الأطباء العاديين والصيادلة لترك مهنهم وعدم العمل بها والاتجاه نحو الهجرة آملين أن يحطوا رحالهم في أرض تقدر عقولهم وما يحملونه من كفاءة.
ومن حق النقابة أن تكون غير راضية عن وزارة الزراعة التي تعتبر الأب الراعي لقطاع الثروة الحيوانية، فأطباؤها يلمسون انتقاصاً من قيمتهم واستخفافاً بعملهم، هذا ما بدا جلياً بلهجة الدكتور شومل حيث تصاعدت حدّة غيرته على مهنته وعمله قائلاً: “نحن نكافح للوصول إلى توصيف إداري صحيح، هناك ظلم في وزارة الزراعة وتغييب للأطباء البيطريين عن بعض المناصب القيادية في مديريات الإنتاج الحيواني وتطوير الثروة الحيوانية، فيقولون مهندس زراعي فقط، نحن نجتهد اليوم من أجل التوصيف وهو مطلب دائم لنا وحق شرعي يجب الحصول عليه”.
كما رأى شومل أن الطبيب البيطري يجب أن يكون موجوداً في جميع القطاعات الإدارية التي يستحقها تحت مبدأ الكفاءة هي المعيار، مشيراً إلى معاناتهم المستمرة ضمن وزارة الزراعة وعدم مساواتهم مع زملائهم من المهندسين الزراعيين رغم أن أطباء البيطرة أغلبهم ذوو شهادات عالية ودرجات ممتازة، مضيفاً إلى أن تطوير الثروة الحيوانية يحتاج لإحداث هيئة عامة لها تضمّ مختلف قطاعات الثروة الحيوانية الموجودة بوزارة الزراعة لأن الدولة تعيش على القطاع الحيواني والزراعي بالدرجة الأولى.
اقرأ أيضاً: الأمن الغذائي في سوريا.. هل الزراعة في مهب الريح؟!
مشاركة الشركات في معرض ” أغريتكس” ونجاحاتها
ضمن تصريح الطبيب البيطري عماد الدين البكار، من شركة “فرات الشام” للأدوية البيطرية “فراتكو” المشاركة في المعرض، أشار إلى تميز المنتجات المقدمة في اللقاحات المستوردة من شركات مهمة في إسبانيا والصين وفيتنام وباكستان، وأنها تتمتع بالجودة العالية والمختبرة على المجترات والدواجن ومن بينها لقاح فولفاك، إلى جانب الأدوية البيطرية والفيتامينات المتنوعة، ولفت إلى أن هذه المشاركة تلبي طموحات المشاركين باستعراض منتجاتهم في ظل المنافسة العالية بين الشركات.
بدوره صاحب شركة “ألفازوو” عمار أبو علي أكدّ، أن الشركة تنتج أكثر من 90 صنفاً من الأدوية البيطرية للمجترات والدواجن، وتشمل الحقن والشرب والبودرات والمراهم ذات الجودة العالية، ومن بين الأدوية “ألفا ديكلازوريل – ألفا فلور – ألفا تلمو – ألفا فوسفو – ألفا ديكلا – ألفا تولترا”، لافتاً أن هذه المشاركة تأتي للتعارف بين الشركات وتعزيز التواصل فيما بينها لإمكانية التعاون في المستقبل.
أما شركة “بيو ريف” لاستيراد وتصدير الأدوية البيطرية والمتممات العلفية، وفق مدير مبيعات الشركة الدكتور خلدون سعد، فتنتج أحدث الأدوية البيطرية ذات المواصفات القياسية على المستوى العالمي، سواء كانت المحلية أو المستوردة، بهدف ضمان صحة الثروة الحيوانية، لافتاً إلى أن المعرض شهد مشاركة واسعة، ما يبشر ببداية لسوريا الجديدة، في ظل انفتاح العالم على سوريا من خلال وجود شركات من خارج البلاد.
في مشاركة لافته لنحو 142 شركة محلية وعربية ودولية في فعاليات معرض “أغريتكس الدولي للمستلزمات الزراعية والبيطرية”، استعرضت الشركات المشاركة منتجات ومعدات عدة تلبي احتياجات السوق الزراعية بشقيها النباتي والحيواني.
وقد لمسنا عبر التصريحات المنبثقة عن شركات الأدوية تقدماً ملحوظاً في آلية التصنيع واستخدام التقنيات الحديثة، إضافة إلى حجم المشاركة الذي يعتبر لافت بعد كل ما مرت به الصناعة في سوريا لاسيما الصناعة الدوائية بمختلف أشكالها، ما يبشر بتصاعد في الإنتاج يغطي أسواقاً خارجية أكثر ويظهر المنتج الدوائي السوري بفاعلية أكبر، من شأنها رفع مكانة سوريا في هذا القطاع ووضعها في مصافي الدول المتطورة فيه، في حال تكاثفت الجهود وتضافرت للنهوض الشامل بهذا القطاع وترميم ما يحتاج ترميمه.
ختاماً، شركات الأدوية البيطرية في سوريا أثبت نفسها كرقم صعب في السوق المحلية رغم كل الصعوبات، وأنها منافس شرس في الأسواق الإقليمية والدولية.
كما أثبتت بجدارة تفوق المنتج السوري رغم الإمكانيات القليلة والظروف القاسية، وعرّت التقصير من قبل وزارة الزراعة في حق الأطباء البيطريين وتحجيم فرصهم في العمل بمجالاتهم دون شرذمة في أروقة مديريات الزراعة، آملين أن تلتفت الوزارة لحالهم وتحسن من أوضاعهم وتقدرهم، إلى جانب العمل على الحد من هجرتهم.
اقرأ أيضاً: الثروة السمكية في سوريا: يمكن الرهان على السمك في الماء!