المجتمع السوري

سوريا ومادة الحبيبات البلاستيكية المجددة.. عقلنة أم كارثة مُلطّفة؟

بقلم: ريم ريا

استجابة لمذكرة تم رفعها من قبل غرفة صناعة دمشق وريفها، أصدرت وزارة الاقتصاد والصناعة في سوريا الأحد 5 تشرين الأول قراراً يقضي بالسماح باستيراد مادة الحبيبات البلاستيكية المجددة من مشتملات الفصل “39” من النظام المنسق للتعرفة الجمركية. ووصفت هذه الخطوة بالصائبة من قِبل رئيس لجنة البلاستيك في غرفة صناعة دمشق وريفها “محمد سواح”.

في هذا المقال سنوضح مفهوم الحبيبات البلاستيكية المجددة ونطرحه بشكل أبسط، موضحين استخداماتها ولماذا تطالب بعض المصانع المحلية بوجودها، باحثين مدى صلاحيتها للاستهلاك البشري، مناقشين وضعها في تشريعات إقليمية أخرى.

أسباب القرار.. وما هي الحبيبات البلاستيكية في سوريا

حسب ما أوضح رئيس لجنة البلاستيك في غرفة صناعة دمشق وريفها، هذا القرار له أثر مباشر في دعم الصناعيين وتخفيف كلفة الانتاج، والسماح باستخدام الحبيبات البلاستيكية المجددة سيتيح للمعامل إنتاج أصناف مختلفة من حيث الجودة “نخب أول ونخب ثانٍ”، بما يتناسب مع القدرة الشرائية للمستهلك السوري. وأضاف “السواح”، أن هذا القرار يساعد على استعادة التوازن في السوق أمام المنتجات المستورة من دول الجوار وغالباً موادها لا تخضع للرقابة.

كشرح مُبسط عن هذه المادة، الحبيبات البلاستيكية المجددة هي حبيبات بلاستيكية يتم إنتاجها من إعادة تدوير النفايات البلاستيكية، وهي المادة الخام الأساسية لصناعة منتجات بلاستيكية جديدة. ويتم تصنيع هذه الحبيبات عن طريق تقطيع النفايات البلاستيكية النظيفة وصهرها ثم تحويلها إلى حبيبات صغيرة الحجم، غالباً ما تشبه حبوب الأرز، والتي يمكن استخدامها لإنتاج مجموعة واسعة من المنتجات البلاستيكية.

اقرأ أيضاً: غرفة تجارة دمشق تخطط لبنى كبيرة: مركز تحكيم تجاري ومبادرات رقمية لتحديث بيئة الأعمال

الحبيبات البلاستيكية المجددة.. جديدة على سوريا؟

هذه الحبيبات البلاستيكية ليست جديدة على السوق السورية، في العام 2020 فعّلت “الشركة الأهلية للمنتجات المطاطية والبلاستيكية” في دمشق خط إنتاج جديد بداية العام الجاري، يعمل على إعادة تدوير المخلفات الصناعية والنفايات البلاستيكية ويحوّلها إلى حبيبات بلاستيكية تستخدم في الإنتاج مجدداً، بما يغني عن استيرادها.

وقال مدير الشركة “أنس ياسين”، إن طاقة الخط الإنتاجية تتراوح بين”50 – 60” كغ بالساعة، وقدرت كلفته بنحو 45 مليون ليرة سورية، والهدف منه الوصول إلى نقطة الصفر في الهدر ضمن الشركة، مما يعد سابقة على مستوى القطاع العام. وحول الإنتاج الفعلي للشركة خلال 2019، فقد قدرت قيمته الإجمالية بنحو 675 مليون ليرة، بزيادة 114% وما قيمته 84 مليون ليرة عن عام 2018.

كما تعد الأهلية ضمن 13 شركة تابعة لـ”المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية”، والتابعة بدورها إلى “وزارة الصناعة”، ويأتي إنتاج الحبيبات البلاستيكية في الشركة الأهلية ضمن الاستراتيجية التي تتبعها “وزارة الصناعة” بإعادة تأهيل المؤسسات والشركات التابعة لها، وعودة منتجاتها من حيث القيمة والكمية والحجم، وإيجاد منتجات تلبي حاجة السوق المحلية.

في عام 2023، أشار صناعيو البلاستيك إلى أن بعض المشكلات تكمن في تمويل المستوردات حيث طالبوا باستثناء الحبيبات البلاستيكية من التمويل عبر المنصة، الأمر الذي سيتيح الفرصة أمام المنتج السوري للمنافسة في الأسواق التصديرية وخاصة بالدول المجاورة. أما في عام 2024، فوافقت رئاسة مجلس الوزراء في شهر تشرين الثاني على توصية اللجنة الاقتصادية المتضمنة، الاستمرار بالسماح باستيراد مادة الحبيبات البلاستيكية PVC (بولي كلوريد الفينيل) لحين استكمال وزارة الصناعة الدراسات والإحصائيات الخاصة بالمنشآت الوطنية التي تنتج المادة والتأكد من قدرتها على تغطية احتياجات السوق المحلية بما لا يؤثر سلباً على الصناعة الوطنية ويدعم الاقتصاد الوطني.

الفرق بين المواد المجددة والمكررة .. وصلاحيتها للاستهلاك

ورد في القرار الذي أصدرته وزارة الاقتصاد والصناعة في سوريا مصطلح “المجددة” فما الذي تختلف به المواد المجددة عن المواد المكررة؟ إضافةً إلى أنّ القرار ذكر بأنّ بعض المواد المستوردة لا تخضع للرقابة في إشارة إلى احتمالية ضررها، كما ذكر القرار فائدتها لجيبة المواطن وأنها تناسب قوته الشرائية المنخفضة، فماذا عن صحة هذا الادعاء، وهل هي مناسبة للاستهلاك البشري؟

تتباين المصادر نوعاً ما حول الفرق بين الحبيبات المجددة والمكررة، فرغم وجود هذا الفرق، بعض المصادر تعتبر مصطلح “مجددة” مرادف لمصطلح “مكررة”، لكن الفرق يكمن في أن الحبيبات البلاستيكية المكررة تشير إلى المواد التي كانت مستخدمة في السابق أو نفايات بلاستيكية وأعيد جمعها وتنظيفها وتذويبها لإنتاج حبيبات جديدة صالحة للاستخدام.

أما الحبيبات المجددة فهي ناتجة عن معالجة أكثر تقدماً للبلاستيك المعاد تدويره، من خلال استخدام عمليات فيزيائية أو كيميائية تهدف إلى إزالة الشوائب واستعادة بعض الخصائص الأصلية للمادة مما يجعلها أقرب في الأداء إلى الحبيبات البكر.

من خلال التوصيف السابق يمكننا القول أن الفرق الأساسي بين النوعين يكمن في درجة النقاء والجودة، فالمواد المكررة في الغالب تحتوي على شوائب أو اختلافات لونية وخصائصها الميكانيكية أقل من الحبيبات الأصلية، بينما المواد المجددة تتميز بتجانس أعلى واستقرار حراري وميكانيكي أفضل بفعل عمليات التنقية المتقدمة.

وفي هذه الحالة، وحسب الكمية المستخدمة، يمكن أن تصبح أغلى نسبياً بفعل عمليات المعالجة الإضافية، لكنها أكثر جدوى اقتصادية على المدى الطويل للمصانع التي تهتم بثبات الجودة وتقليل الأعطال، وسنشرح هذا بشكل مبسط:

تعتمد تكلفة إنتاج الحبيبات على كمية الخصائص الميكانيكية المستخدمة فيها، لكنها تمنح المصانع مرونة في التكاليف والجودة، فيمكن ضبط نسبة المواد المجددة في الخليط لتناسب نوع المنتج المستهدف (رديء، وسط، باهظ)، وبالتالي كلما زادت نسبة الحبيبات المجددة انخفضت الكلفة، لكن تقل معها الجودة ما يسمح بتحديد درجة المنتج. رغم تقارب خواصها مع المواد البكر إلاّ أنها تبقى أرخص منها وتمكّن المصنع من إنتاج خطوط منتجات اقتصادية بجودة متباينة لفئات مختلفة.

أما عن صلاحيتها للاستهلاك البشري، إن منتجات PVC لها تأثير عميق ومعقد على حياة الإنسان، وهي تتغلغل في حياتنا اليومية بعدة طرق، ولها بعض التأثيرات السلبية. فقد يتم إنتاج مواد خطرة، مثل مونومر كلوريد الفينيل والمواد المضافة، أثناء إنتاج PVC، مما قد يشكل مخاطر محتملة على صحة الإنسان والبيئة، ولذلك، علينا أن ندرك أن منتجات PVC لها تأثير مزدوج على حياة الإنسان.

نخلص إلى أن الحبيبات البلاستيكية المجددة أفضل للمصانع، فهم يتحكمون بكلفتها عبر الخصائص الميكانيكية، وبالتالي تنعكس على الجودة فيمكن إنتاج المنتج بجودات مختلفة تتيح لكل الفئات استهلاكه.

لكن ماذا عن الفقراء وذوي الدخل البسيط، هل يُسَاومون على صحتهم بناءً على قدرتهم الشرائية؟

تعامل بعض القوانين مع هذه المنتجات

حبيبات البلاستيك التي تسمح بها الإمارات لا تقدم فقط منتجات عالية الجودة، بل تلتزم أيضاً بالاستدامة وحماية البيئة، حيث تسعى الشركات البلاستيكية في الإمارات إلى تبني ممارسات صديقة للبيئة واستخدام تقنيات مبتكرة لتقليل النفايات والآثار البيئية السلبية.

ويمكن القول إن حبيبات البلاستيك المسموح بها في الإمارات تجسد توازناً مثالياً بين الجودة والابتكار والاستدامة. وفي ظل الاهتمام المتزايد بالاستدامة وحماية البيئة، تسعى الإمارات إلى تطبيق أعلى معايير البيئة والصحة والسلامة في صناعة البلاستيك، مما يجعل حبيبات البلاستيك الإماراتية خياراً مسؤولاً بيئياً واقتصادياً.

أصدرت وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة بدولة الإمارات قراراً وزارياً بشأن تنظيم تداول مياه الشرب المعبأة في عبوات بلاستيكية معاد تدويرها. الهدف من هذا القرار تحفيز منظومة التصنيع القائمة على مواد البلاستيك المعاد تدويرها، وفق اشتراطات محددة تضمن تحقيق أعلى معايير الحفاظ على الصحة العامة وسلامة الغذاء.

يندرج القرار ضمن التوجهات الاستراتيجية للوزارة، ويسمح القرار باستخدام المواد البلاستيكية الخام المعاد تدويرها “rPET” والتي تنتجها منشآت إعادة التدوير لاستخدامها في تعبئة مياه الشرب وفق عدة اشتراطات، منها أن تكون حاصلة على موافقة وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة طبقاً لإجراءات التسجيل، وأن تحصل على شهادة المطابقة وفقا للنظام الإماراتي للرقابة على الأدوات الملامسة للأغذية.

كما تُلزم منشأة تصنيع المواد الخام من المواد البلاستيكية المعاد تدويرها بتوفير الوثائق التي تثبت تطبيق نظام جودة فعال وتطبيق ممارسات التصنيع الجيدة للمواد والأغراض التي من المفترض أن تتلامس مع الغذاء، وتقرير باجتياز منتج إعادة التدوير اختبارات أحد المختبرات المعتمدة في الدولة.

أما في تركيا، فتلتزم  الشركات بالمعايير الدولية في صناعة المنتجات البلاستيكية، كما ترتبط الشركات المصنعة للبلاستيك بشراكات وعقود انتاج مطابقة للمواصفات الأوروبية، وبالتالي فإن المنتجات البلاستيكية التركية تعد من المنتجات الآمنة للاستخدام.

اقرأ أيضاً: الصدامات المناخية في سوريا: عامل آخر يفاقم أزمة السوريين

الفرق بين تكلفة المواد البلاستيكية المجددة وغير المجددة

تكلفة الحبيبات البلاستيكية المجددة عن غير المجددة مختلفة في سوريا، ويرجع ذلك إلى نوع البلاستيك (مثل PET أو PP أو HDPE) وظروف السوق المحلية وأسعار النفط العالمية، فأثناء العقوبات ونتيجة منع الاستيراد والتصدير كانت التكلفة مرتفعة. إلا أن الحبيبات المجددة تكون غالباً أرخص بنسبة تتراوح بين 20% و50% في فترات توفر خردة بلاستيكية كافية وانخفاض تكاليف المعالجة.

ما دفع  غرفة دمشق للمطالبة باستيراد الحبيبات المجددة، هو أن المصانع السورية تفضل استخدام تلك الحبيبات، لأن تكاليفها أقل ، كما أن إنتاجها يستهلك طاقة أقل مقارنة بالبلاستيك البكر وخصوصاً في ظل أزمة الكهرباء التي لا تزال تعاني منها البلاد، مما يقلل المصاريف التشغيلية. ومع ذلك، قد ترتفع تكلفة الحبيبات المجددة أحياناً عندما تكون الخردة نادرة أو عند الحاجة إلى معالجة وتنقية إضافية لضمان الجودة المطلوبة، إلا أن معظم المصانع تفضلها عملياً لأنها تحقق توازناً أفضل بين السعر المقبول والجودة المقبولة ضمن الظروف الاقتصادية الحالية في سوريا. لذلك أوضح “السواح”، أنها خطوة صائبة في دعم الصناعيين وتخفيف الكلف الإنتاجية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى