الكاتب: أحمد علي
لم يبدأ فجر اليوم بشروق الشمس فقط، بل بأسئلة ثقيلة تدور في رؤوس المواطنين حول حال الأسواق السورية ما بعد زيادة الأجور يوم أمس الأحد 22 حزيران 2025: هل سيكفي الراتب الجديد المعيشة؟ هل سترتفع الأسعار مجدداً أم لا؟ ماذا عن الدولار؟ فمنذ سنوات، يقف السوري أمام معادلة اقتصادية معقّدة: دخل محدود، أسعار متقلبة، وسوق يتحرك وفق إيقاع غير مفهوم. وبينما يتفاءل البعض بالمرسوم الرئاسي القاضي بزيادة الرواتب بنسبة 200%، يطلق آخرون تحذيرات مدوية من موجة تضخم قادمة.. فكيف تتجه الأمور؟ وما رأي أهل العلم والاختصاص؟
خزام: زيادة الرواتب 200% بلا إنتاج تعني انفجاراً في الأسعار
كان الخبير الاقتصادي جورج خزام من أوائل الذين علّقوا على زيادة الرواتب بنسبة 200% للعاملين في الدولة والمتقاعدين المدنيين والعسكريين (ما قبل العام 2011). ورغم تهنئته للموظفين، إلا أن تحليله كان بعيداً عن الاحتفال. في رأيه، فإن رفع الرواتب دون رفع الإنتاج المحلي هو بمثابة ضخ وقود في محرك يعاني من أعطال هيكلية.
يرى خزام أن الأسواق السورية تعتمد بشكل كبير على البضائع المستوردة أو تلك التي تحتوي على مواد أولية أجنبية. وبالتالي، فإن أي زيادة في الاستهلاك – الناتجة عن ارتفاع القدرة الشرائي – ستقود إلى زيادة الطلب على الدولار، ما يؤدي حتماً إلى ارتفاع سعر صرفه.
ويضيف: «إذا لم تكن الزيادة ممولة من منح أو دعم خارجي بالعملة الصعبة، فإن طباعة المزيد من العملة المحلية ستكون الخيار الوحيد، وهذا سيسرّع من انهيار قيمة الليرة». ويشير إلى أن الصرافين، الذين عملوا على تجفيف السيولة في السوق، سيتخلون عن الليرة بشكل سريع، مما سيزيد من ضغط الطلب على الدولار ويرفع سعره بشكل مضاعف.
الكوسا: زيادة ذات طابع إسعافي.. ونجاحها مرهون بثلاثة شروط
من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي الدكتور محمد الكوسا أن مرسوم زيادة الرواتب بنسبة 200% جاء كخطوة «إسعافية» تحمل طابعاً مزدوجاً؛ اجتماعياً واقتصادياً، في محاولة لرأب الهوة الكبيرة بين الدخول المنخفضة واحتياجات الحياة اليومية. ويؤكد الكوسا أن الموظف السوري كان يعيش تحت خط الفقر العالمي، براتب لا يتجاوز 20 دولاراً شهرياً، فيما كان معاش المتقاعد لا يتعدى 15 دولاراً، ما جعل تأمين الغذاء والدواء أمراً شاقاً على معظم الأسر، وأجبر كثيرين على البحث عن مصادر دخل إضافية للبقاء.
ويضيف الكوسا أن رفع الراتب إلى نحو 60 دولاراً والمعاش إلى 45 دولاراً، ورغم بساطة الأرقام في منظور البعض، حمل أثراً نفسياً ملموساً لدى شريحة واسعة من المواطنين. غير أن هذا الأثر مهدد بالتآكل إذا لم يُقابل بضبط صارم للأسواق، محذّراً من سيناريوهات شهدناها سابقاً، حين قفزت الأسعار بنسبة 40–60% بعد أي زيادة، لتبتلع معظم أثرها الإيجابي.
وفي قراءته للانعكاسات العامة، يشير إلى أن الزيادة قادرة على تحفيز الطلب المحلي بنسبة 25%، وتحسين مؤشرات معيشية مثل الصحة والتغذية، لكنها في المقابل قد تدفع التضخم السنوي إلى 120%، وتُفاقم من تراجع قيمة الليرة بنسبة تصل إلى 25%، إذا لم تُضبط عبر سياسات مالية حكيمة.
ويختم الكوسا بالتشديد على أن الأرقام وحدها لا تصنع التعافي، بل يجب أن تُرافق الزيادة ثلاث ركائز أساسية: رقابة حكومية تمنع استغلال السوق، سياسة مالية متوازنة تدعم القوة الشرائية دون تفجير التضخم، ورؤية اقتصادية طويلة الأمد تخرج البلاد من مرحلة الإسعافات المؤقتة نحو الاستقرار الشامل.
محمد الحلاق: خطوات متوازية لتجنّب الانفجار
من جانبه، اعتبر محمد الحلاق، رجل الأعمال ونائب رئيس غرفة تجارة دمشق سابقاً، أن زيادة الرواتب خطوة جيدة لكنها بحاجة إلى ثلاثة مسارات تسير بالتوازي كي لا تفقد قيمتها:
- صرف الرواتب بسلاسة ودون تأخير.
- خفض سعر الصرف إلى ما دون عشرة آلاف ليرة، مستفيدين من توفّر القطع الأجنبي في المصرف المركزي.
- منع ارتفاع أسعار المواد الأساسية، وعلى رأسها الخبز والمحروقات.
ويشير الحلاق إلى أن تعديل الحد الأدنى من الراتب الخاضع لضريبة الدخل إلى 750 ألف ليرة يُعتبر خطوة إيجابية، لكنه ينبّه أيضاً إلى أن هذه الزيادة قد تشكّل عبئاً إضافياً على القطاع الخاص، الذي يتحمل تكاليف التأمينات الاجتماعية.
د. عمار يوسف: تحسين المعيشة لا يعني فقط رفع الراتب
وصف الخبير الاقتصادي الدكتور عمار يوسف القرار بأنه «جيد في ظل الإمكانات الحالية»، لكنه حذّر من أن تستغل الزيادة كذريعة من قبل التجار لرفع الأسعار.
وأكد يوسف أن المطلوب ليس فقط تحسين الراتب، بل تحسين المعيشة ككل، وهذا يتطلب ضبط الأسواق وتعزيز الرقابة. كما شدد على ضرورة أن تنعكس الزيادة فعلياً في حياة المواطنين، لا أن تُمتص بمجرد دخولها إلى السوق.
د. إبراهيم قوشجي: تنشيط الطلب رهن بتوافر السيولة
من جانبه، وصف الدكتور إبراهيم نافع قوشجي، الخبير المصرفي والاقتصادي، الزيادة بأنها أداة مهمة لتحفيز الطلب الداخلي وتحريك عجلة السوق، خاصة بعد سنوات من الركود.
لكن قوشجي وضع شرطاً أساسياً لتحقيق هذا الأثر: توافر السيولة في الجهاز المصرفي، مؤكداً أن أي تأخير في صرف الرواتب سيجعل الأثر الاقتصادي للمرسوم نظرياً فقط. كما دعا إلى تفعيل سياسات مرافقة، مثل تحفيز الإنتاج المحلي ومنح تسهيلات ائتمانية وضريبية.
اقرأ أيضاً: زيادتان على الرواتب والمعاشات في سوريا بمرسومين رئاسيين
د. فادي عياش: فرصة للوفاء بالوعود وتحريك الأسواق
من جهته، عدّ الخبير الاقتصادي فادي عياش في هذه الخطوة مؤشراً إيجابياً على التزام الحكومة الجديدة بوعودها، رغم الظروف المعقدة التي تمر بها البلاد. وأكد أن زيادة الرواتب تُعد عنصراً مساعداً في تحسين القدرة الشرائية وتحريك الطلب الداخلي.
لكنه، كغيره من الخبراء، شدد على أهمية منع تكرار حلقات التضخم السابقة، من خلال تثبيت الأسعار وتحسين كفاءة توزيع الرواتب، سواء عبر الصرافات أو المنصات الإلكترونية مثل تطبيق «شام كاش».
ما بين الأمل والقلق: الشارع يترقّب
وفي الوقت الذي عبّر فيه الكثير من الموظفين والمتقاعدين عن ارتياحهم من المرسوم، فإن الشعور العام لم يكن خالياً من القلق. معظم المواطنين يدركون أن التجربة السابقة مع زيادة الرواتب لم تكن مشجعة، حيث ارتفعت الأسعار بسرعة أضعفت أثر الزيادة على الحياة اليومية.
ويبدو أن الجميع بانتظار الخطوة التالية: فهل ستتم السيطرة على السوق؟ هل ستتحسن قيمة الليرة؟ وهل سيتم تطبيق هذه الزيادة فعلياً دون تعقيدات بيروقراطية؟ أم ماذا؟!
لا شك أن المرسوم الرئاسي خطوة تُحسب لصالح الحكومة الجديدة، وتؤشر إلى نية حقيقية في تحسين الأوضاع المعيشية. لكن حتى تنجح هذه الخطوة، فإنها بحاجة إلى بيئة اقتصادية مستقرة، ونظام رقابي صارم يمنع التلاعب، وأدوات تنفيذ فعّالة تضمن أن تصل الزيادة كاملة إلى المواطن دون أن يلتهمها السوق.
وهي معادلة دقيقة تحتاج إلى تناغم بين السياسة المالية والنقدية والرقابية، حتى لا تتحول البشرى إلى عبء جديد في مسلسل المعاناة اليومية.