بالتزامن مع التحركات الدبلوماسية – السياسية المتصاعدة في المنطقة، استقبل سعادة سفير خادم الحرمين الشريفين في دمشق، الدكتور فيصل المجفل، السياسي السوري عبيدة نحاس: رئيس حركة التجديد الوطني، في مقر السفارة السعودية. وصف المتابعون هذا اللقاء، الذي أُعلن عنه عبر تغريدة نشرها نحاس على حسابه الرسمي، بأنه مناسبة «لبحث الهم المشترك السوري السعودي» في إطار مستقبل «زاهر ومليء بالتنمية والازدهار»، كما ورد في نص التغريدة.
هذا الحدث، بما يحمله من دلالات تجاوز المجاملات الدبلوماسية، يعكس التوجه المتنامي لدى المملكة نحو لعب دور فاعل في مسار استقرار سورية، ويُسلّط الضوء في الوقت ذاته على تحركات عبيدة نحاس بوصفه فاعل سياسي يختار لقاءاته بعناية في المشهد السياسي السوري الذي يبدو أعقد ممّا يمكن تفكيكه بمقال.
عبيدة نحاس: الواقعية السياسية بصوت هادئ
برز اسم عبيدة نحاس كأحد الأصوات التي حافظت على توازن نادر في الخطاب السوري المعارض، جامعاً بين الالتزام بالمبادئ الوطنية والدعوة إلى تسويات عملية. فالرجل، الذي ينحدر من مدينة حلب ويحمل خلفية أكاديمية في العلوم السياسية والممارسة السياسية، يُعرف بعلاقاته الواسعة عربياً وإسلامياً، وقدرته على بناء جسور تواصل حتى في أحلك الظروف.
منذ بداية الأزمة السورية، انخرط نحاس في عدد من المبادرات السياسية والإعلامية، متمسكاً بخيار «الإصلاح التدريجي» والحوار كمدخل للخروج من الانهيار. ولعل اللقاء مع السفير السعودي ليس إلا ثمرة لهذا الخط السياسي، الذي لطالما دعا إلى ربط مستقبل سورية بإطار عربي متماسك ومستقر.
كما أن سمعته الجيدة في الأوساط الخليجية – خاصة السعودية – كانت دائماً علامة فارقة في حضوره، فقد عُرف باحترامه للمواقف السيادية، وبعده عن الشعارات الحادة، وحرصه على أن تكون «سورية لكل أبنائها» بعيداً عن الاصطفافات الطائفية أو المحاور المتصارعة.
السعودية وسورية: عودة بثقل ومسؤولية
لم تكن علاقة المملكة العربية السعودية بسورية يوماً علاقة عابرة. فمنذ الخمسينيات، كانت الرياض حاضرة سياسياً واقتصادياً في محطات مفصلية من تاريخ سورية، وظلّت ترى في استقرارها ضمانة لمحيط عربي متماسك.
وعلى الرغم من سنوات القطيعة التي فرضها تعقّد الملف السوري، فإن المملكة، وفي ظل قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أبدت مرونة عالية تجاه إمكانية إعادة تموضعها في هذا الملف. فكانت البداية مع دعم عودة سورية إلى الجامعة العربية، ثم اللقاء العلني بين ولي العهد والرئيس السوري في جدة، وأخيراً افتتاح السفارة السعودية في دمشق والتوسط لدى الأمريكيين لرفع العقوبات السريع عن سوريا.
لكنّ الأهم من ذلك كله هو أن الدور السعودي لم يكن يوماً انتهازياً، بل ظل مرتبطاً بمفاهيم الاستقرار والتنمية، وضرورة تجنيب سورية مزيداً من التمزق. وقد حرصت المملكة على أن تربط أي دعم اقتصادي أو سياسي لدمشق بحد أدنى من الضمانات التي تحفظ كرامة الشعب السوري، وتحدّ من تغوّل التدخلات الخارجية السلبية.
قراءة في اللقاء: ما بين الرمزية والدور القادم
لقاء السفير السعودي بعبيدة نحاس يُمكن قراءته كرغبة من الرياض في الانفتاح على الأصوات السورية العقلانية، تلك التي تملك خطاباً وطنياً جامعاً، وخبرة سياسية تتيح لها أن تلعب أدواراً مستقبلية في المرحلة الانتقالية، إن كُتبت لها شروط النجاح.
كما يعكس اللقاء استعداد المملكة للمساهمة في الحل، لا عبر صفقات سريعة، بل من خلال التعامل مع واقعية وجود طبقة سياسية سورية قادرة على الانتقال بالبلاد من الجمود إلى الإصلاح، من المحاور إلى السيادة، ومن التبعية إلى التوازن.
اقرأ أيضاً: الثروة الحيوانية في سوريا.. كنز يتآكل في صمت!
اقرأ أيضاً: بيان المبيض: نجمة الجناح التي أحرقتها نيران الغاز المنزلي!