خبير الاستثمار سامي إسماعيل: الأمن القانوني أهم من الحوافز والمزايا الضريبية

حاوره: عروة درويش
حين يتحدّث سامي إسماعيل عن الاستثمار في سوريا، فهو لا يطلق أحكاماً من وراء مكتب مغلق، بل ينقل صورة قريبة من نبض السوق، مستنداً إلى دراسات ميدانية وآراء موثقة جمعها بنفسه من مستثمرين سوريين داخل البلاد وخارجها. ربّما الأهم أنّ سامي، وهو خبير استثماري ومؤسس ومدير وكالة Indicators Consulting، لا يكتفي بتشخيص المشكلة، بل يفتح النقاش على بدائل عملية، من إصلاح القضاء، إلى رقمنة التحكيم، وحتى التفكير بصيَغ تمويل مرنة تتناسب مع واقع اقتصادي هش لكنه مليء بالكفاءات.
في هذا الحوار، يأخذنا سامي إسماعيل في جولة من الواقع إلى ما يمكن أن يكون. لا وعود مبالغ بها، ولا سوداوية مطلقة. فقط مزيج من التحليل والمقترحات، يصعب تجاهله لمن يفكّر فعلاً في بناء مستقبل اقتصادي لسوريا ما بعد الحرب.
المحور الأول: البيئة الاستثمارية وثقة المستثمرين
- أجريتم استطلاعاً لقياس مزاج المستثمرين السوريين حيال الاستثمار في سوريا وأولوياتهم ومطالبهم. ماذا أظهرت النتائج من أجل أن يدرك صانعو القرار ما هي الخطوات العاجلة التي يجب أن يتخذوها اليوم من أجل طمأنة رأس المال السوري في الداخل والخارج؟
نعم، أجرينا استطلاعاً في شهر شباط، وآخر في الشهر الماضي. الهدف الأساسي من الاستطلاعين هو أن نفهم بشكل دقيق شعور المستثمرين السوريين حيال الوضع الاقتصادي أو الوضع في سوريا بشكل عام. ومن المهم أن أنوّه بأنّه المستثمرين الذين أجابوا على الاستطلاع كان جزء منهم داخل سوريا، وآخرون خارج سوريا.
النتائج أظهرت أن أكثر ما يشغل بال المستثمر السوري هو أمران أساسيان: الأمن والأمان بنسبة 16٪ – وهو أمر متوقع ومنطقي، والثقة بالقانون والقضاء بنسبة 13.8٪، يليهما الإجراءات القانونية والإدارية المبسطة بنسبة 12٪.
في المقابل، الحوافز الضريبية وتوفر اليد العاملة الماهرة كانت بنسب منخفضة «5.8 و4.1 على التوالي». هذا يعني أن الأولوية عند المستثمر ليست التسهيلات، بل الشعور بالأمان القانوني والمؤسساتي.
لهذا فالإجابة المباشرة على سؤالك هي: تحقيق الأمن والأمان ومنحه الأولوية، فجميع الأنشطة الكلاسيكية التي تعتمدها الدول لتحفيز الاستثمار، مثل الحوافز الضريبية، بالنسبة للمستثمرين هو الأكثر أهمية.
هناك أمر لابدّ من التفصيل فيه: الفارق بين الأمن الحسي المعروف، وبين الأمن الاقتصادي وهو القانوني بطبيعته، والذي يقع ضمن أولويات المستثمرين أيضاً. كثير من المستثمرين يذهبون إلى بلدان ليست مستقرّة وهم يأخذون في الحسبان ما قد يواجههم ويكونون متحضرين له، رغم أنّ هناك الكثير ممّا حصل في الشهور الأخيرة ممّا يخيف رجال الأعمال.
لكن الأمن القانوني يعني بالنسبة للمستثمر أنّ أمواله بأمان، وأنّ الهيكل القانوني للقيام بالأعمال وتأسيس الشركات مستقر، وأن الحماية للحقوق الفكرية لن تسمح لأحد بسرقة علامته التجارية، وما إلى هنالك ممّا قد يجعل المستثمرين يحتملون بعض عدم الاستقرار.
- هناك دائماً سؤال يشبه معضلة «البيضة أم الدجاجة»: الاستقرار الأمني شرط للاستثمار، بينما الاستثمار بحدّ ذاته قد يحق هذا الاستقرار عبر تشغيل الناس والأموال وفتح السلم الاجتماعي…الخ. برأيك، من الناحية الاقتصادية، ما هي أنواع الاستثمارات الأمثل في سوريا اليوم في ظلّ هذه الظروف؟ أعني: ما نوع الاستثمارات القادرة على تحمّل جزء من اللااستقرار، وفي الوقت ذاته تملك إمكانية النمو والمساهمة في تحقيق بيئة أكثر استقراراً؟
بالتأكيد. هناك استثمارات تكون ملائمة أكثر للبيئات المتقلبة، على سبيل المثال: تصدير الخدمات. فالاستثمار في تصدير الخدمات أقل تأثراً بالتقلبات الأمنية، فهو لا يحتاج إلى أماكن للمعامل، ولا تهمه الكهرباء والمواد الأولية…الخ من أجل الإنتاج. الخدمات لا تحتاج أيضاً إلى بنى تحتية معقدة.
كما أنّه من وجهة نظري، المجتمع السوري لديه مستوى تنافسية مرتفع في مجال تصدير الخدمات، سواء تحدثنا عن خدمات مثل الترجمة، البرمجة، التصميم، البحوث، لذا، فهي خيار ممتاز خاصة إذا لم يكن لدينا تحسّن سريع في الكهرباء والبنية التحتية.
يمكننا اعتبار تصدير الخدمات هو الطريق المختصر لتسريع التعافي الاقتصادي.
- يُقال دائماً إنّ بيئة الاستثمار تحتاج إلى استقرار قانوني وقضائي كعنصرين حاسمين. لكن البنية القضائية في سوريا مهترئة منذ زمن طويل ولا يمكن حلّ مشاكلها بشكل سريع. هل ترى حلولاً جزئية يمكنها طمئنة الاستثمار، مثل تقوية مراكز التحكيم التجاري، أو رقمنة القضاء المتخصص بالنظر في النزاعات التجارية والاستثمارية؟
نعم. نحتاج لحلول سريعة وهي ممكنة. كمثال السعودية شهدت في السنوات العشرة الأخيرة نمو سريع لرواد الأعمال والشركات الناشئة «Startups»، والبيئة القانونية في السعودية ليست متغيرة بشكل سريع أيضاً، ولكن الشركات التي تفتح في السعودية تقوم بالتسجيل في مكان آخر، وعبر هذه الشركة تجري أعمالها في السعودية. يحدث الأمر ذاته في الإمارات وفي غيرها.
لهذا نحتاج في سوريا إلى «مناطق حرة Free Zones» يمكن للشركات المسجلة فيها أن تقوم بالأعمال وفق قوانين استثمارية متطورة أكثر وليس وفق القانون السوري. لنأخذ مثال أن تقوم شركة باللجوء إلى «التمويل الجماعي Crowd Funding» – وهي وسيلة لتمويل مشروع أو منتج أو فيلم قبل أن يبدأ، فهذا النوع من التمويل يحتاج إلى قوانين معقدة ليست لدينا في سوريا، يمكن للشركة التي تريد أن تعمل في سوريا أن تعتمدها ضمن المناطق الحرة. مثلاً، تسجل الملكية الفكرية في دولة أخرى، بينما تعمل شركة التشغيل في سوريا. هكذا نحمي الأصول ونستفيد من اليد العاملة المحلية.
طبعاً نأمل ألّا تعود العقوبات علينا، فهذا سيصعّب الأمور كثيراً على المستثمرين الأجانب والسوريين في الخارج. إنّ جميع الأمثلة التي قلتها والتي في ذهني تحتاج إلى تغييرات قانونية سريعة. في الحقيقة قرأت الإعلان عن بعض المشاريع، ولا أعتقد أن هذه المشاريع يمكن أن تنجح دون مناطق حرة.
من المهم أن ندرك أنّه في المنطقة الحرة يمكن للشركات الابتكار دائماً في الإجراءات والقوانين التي يمكنها أن تعمل بموجبها، وهو ما يطلق عليه عادة اسم «صندوق الرمل Sand Box»، حيث يمكن للشركات ابتكار أدوات مالية واستثمارية لا يمكنها أن تلجأ لها دون هذا النوع من المرونة القانونية، وهي التي لا نمتلكها في سوريا اليوم بكل تأكيد.
بعض الأشياء التي تثير المخاوف في سوريا هو الحماية الضعيفة للحقوق الفكرية، والقضاء الذي ليس لديه أي سوابق جيدة، ولهذا أتمنى أن أسمع في الفترة القادمة عن حقّ تمّت استعادته.
المحور الثاني: صندوق التنمية والصندوق السيادي
- في أحد منشوراتك، عبّرت عن دعمك لفكرة صندوق التنمية الذي تمّ إنشاؤه في سوريا، وأشرت إلى ضرورة التزام الصندوق السيادي السوري بمبادئ سانتياغو Santiago، ربطاً بالشفافية والمحاسبة أمام السوريين، لا أمام السلطة التنفيذية فقط. من واقع خبرتك:
- كيف تشرح آلية عمل هذه الصناديق لشخص مهتم ولكن ليس مختص؟
- ما هي أهم هذه المبادئ التي يجب تطبيقها من وجهة نظر شخص يعرف الأولويات الاقتصادية والاستثمارية.
الصندوق السيادي هو وعاء مالي تملكه الدولة، يمكن تخيله بشكل مبسط أنّ الدولة قامت بفتح حساب في بنك، وتريد أن تستخدم هذا الحساب للاستثمار في شبكة من الأعمال التي تجلب عائدات وطنية. الهدف من الصندوق السيادي هو حماية مستقبل موارد الدولة عبر حماية شبكة الأعمال وجعلها أكبر. كما يُستخدم الصندوق السيادي كأداة سياسية. فإذا ما أخذنا مثال الصندوق السيادي السعودي PIF، فقيامه بالاستثمار في مكان ما يعني أنّ الدولة تريد تشجيع هذا المكان وحكومته، وراضية عن العلاقات معها.
بالنسبة لمبادئ سانتياغو، في المرحلة الحالية لا توجد معلومات كافية عن هيكليته أو استراتيجيته لنحدد مواطن النقص، فرغم أني قرأت قرار التأسيس، فلا نزال بحاجة لمعرفة أكثر عن الطريقة والهيكلية التي سيتم اعتمادها.
لكن في العموم هناك ثلاثة أجزاء يجب أن ننظر لها بعين الرعاية: الهيكل القانوني وإطار العمل المؤسسي «Institutional Framework»، والأهداف، والتوائم مع الأهداف الاستراتيجية الكبرى للدولة «Macroeconomic policy».
علينا أن نعلم ما هي الحوكمة التي يتم تطبيقها، وكذلك سياسة إدارة المخاطر التي يتبعها، وبرأيي أنّ هذا من أسهل الأشياء كون العاملين في هذا النوع من الأعمال يكونون ذوي خلفية مالية ولديهم خبرة. بالنسبة للأهداف والمواءمة مع الأهداف الاستراتيجية الكبرى للدولة، فرغم وجود بعض الصعوبات، فهي ليست بالأمر الصعب، ففي النهاية إذا ما افترضنا أن سياسة الاقتصاد الكبرى للدولة هي دعم المرافئ البحرية واستضافتها، عندها سيقوم الصندوق السيادي بالاستثمار في مجالات عمل تصب في النهاية في مصلحة هذا الاتجاه، كرقمنة الخدمات البحرية ولوازمها الخ.
في الحقيقة، الأمر الوحيد الذي يشغل بالي هنا هو الإطار المؤسساتي. فهيكل الحوكمة غير معروف بالنسبة لي بعد، ولكن ما يهمنا هنا وفقاً لمبادئ سانتياغو هو الشفافية والوضوح، والفصل بالأدوار والمسؤوليات بشكل واضح، بحيث يمكن المحاسبة على الأعمال التي لا تتواءم مع الأهداف وغيرها، علينا أن ننتظر ونرَ كيف ستتم إدارة هذا الملف.
جاء في الإعلان بأنّ التقارير سيتم تقديمها فقط للرئاسة، وهو أمر لم يعجبني. ليست المشكلة في الرفع إلى الرئاسة بوصفها سلطة عليا يمكنها وضع فيتو على الأعمال والسياسات، فهذا أمر مألوف وله آثار جيدة في الكثير من الأحيان. لكن المشكلة هي حصرها في الرئاسة فقط وعدم نشرها للمواطنين بشكل شفاف دون تقارير عامة شهرية ونصف سنوية وسنوية. هذا يضعف ثقة الناس والشعب بالصندوق وإجراءاته، فهم لن يملكوا المعلومة ولا القدرة على الاعتراض على قرار ما. لنفترض قيام الصندوق بالاستثمار في أحد المجالات الراكدة، هذا سيعني خسارة واضحة يجب السماح للناس ضمن آليات واضحة. وليس فقط الشفافية والاعتراض، بل يجب أن يكون هناك آلية واضحة للاقتراح. يمكننا مثلاً أن نرى تجربة الصندوق السيادي في أبو ظبي، والذي يتشارك مع المواطنين في الكثير من المشاريع.
إن أردنا أن نكون مختصرين، يجب أن تكون السياسات والإجراءات واضحة ممّا يجعل المواطنين يشعرون ويقولون بأنّ هذا الصندوق «لنا». أعيد وأذكر بأن المشكلة لا تكمن في أن تكون لدى الرئيس فيتو، ولكن المشكلة في أن لا نعرف ماذا يجري.
اقرأ أيضاً: حاكم مصرف سورية يشيد بالاستثمارات السعودية فما دورها في تحسن العملة؟
المحور الثالث: إمكانات الاقتصادية وقطاعات واعدة
- سامي، يبدو من بعض منشوراتك أنّك تتبنى فكرة أن سوريا تمتلك المؤهلات لتكون مركزاً إقليمياً للإنتاج والتصدير. لماذا ترى ذلك؟ وهل نتحدث عن واقع حالي، أم عن رؤية بعيدة الأمد تحتاج سنوات عديدة قبل أن تصبح قابلة للتحقق؟
في الحقيقة نعم، أرى ذلك بشدّة. فإذا ما أغفلنا العوامل المعروفة مثل الموقع الجغرافي الهام، والقرب من الكثير من الموارد، فالسبب الرئيسي لاعتقادي هو العنصر البشري. السوريون يملكون كفاءة عالية في الصناعة والخدمات والتجارة، ولديهم مرونة ومهارات تواصل قوية، سواء أكانوا يعملون في وظائف تتطلب مهارات أو غيرها.
لدينا ثقافة إنتاج حقيقية، وهذا ليس موجوداً في كثير من الدول المحيطة. حتى في الخارج، السوريون ينجحون لأنهم لا يخافون من العمل والإنتاج الصناعي وغيره، وقد أثبتنا نجاحات في الكثير من الدول التي عملنا بها.
كما أنّ التجار والموظفين السوريون لديهم مهارات بيع ملفتة، يمكنك كمثال السفر إلى ماليزيا أو الإمارات أو أي مكان، وستجد أنّ العاملين في البيئات الخدمية «الفنادق مثلاً» من الممتازين، ويدرك أرباب العمل ذلك. إنّ المهارات التي يمتلكها السوريون، والتي يمكن أن نصنفها كـ «مهارات ناعمة Soft Skills»، مثل القدرة على البيع، هي مهارات هامة وتعطينا ميزة استثنائية.
هناك الكثير من الجنسيات التي لا يفضّل أصحاب الأعمال التعامل معها، فليس لديهم ما يمكن أن نسميه «اللسان الحلو» الذي لدى السوريين، بل أميل للفظاظة.
- ألستَ متحيزاً للسوريين في هذه النقطة لأنّك سوري؟
لا في الحقيقة، فأنا تعاملت مع أكثر من ستين جنسية، وبات لديّ بسبب تجربتي والمراقبة والتكرار أنماط يمكن الاعتماد عليها في الوصول لهكذا نتائج. قد تكون تجارب آخرين لا تتطابق مع تجاربي، ولكن تجربتي تدلّني على ما قلت.
المحور الرابع: السوريون في الخارج
- هناك شركات لسوريين في الخارج أصبحت جزءاً من بيئة الأعمال وأسواق الخدمات وسلاسل الإمداد في البلدان الأخرى، فلماذا برأيك سيعود المستثمرون مع شركاتهم إلى سوريا؟
في الواقع، إن أردت تحييد الأسباب الشخصية الخاصة بالحنين للوطن والبيئة التي يفضّلها، فليس هناك من سبب يدفع المستثمر للعودة.
لكن أنا أتحدث هنا عن كلمة «يعود» بمعنى أن يجري «إعادة تموضع كاملة Full relocation»، فيلغي جميع أعماله في الخارج وينقلها إلى سوريا هي وبقية حياته. لكن ليس بالضرورة أن تكون الأمور على هذه الحال، ففي مثل هذا النوع من الأسئلة لا يوجد جواب «أبيض وأسود».
إن وضعنا البيئة الاقتصادية السورية أمام بيئة استثمارية مستقرة أخرى، سنكتشف أنّ البعض يفضّل «الاستدامة» على «المغامرة»، وبالتالي لن يكون هذا المستثمر ممّن يعودون إلى سوريا. لكن من ناحية أخرى، فأي شركة بحجم كبير ستدرك بأنّ نسب المنافسة في سوريا منخفضة جداً، وأن الشركات المحلية ليست قوية كفاية لتشكّل منافس عنيد، وبالتالي يمكن أن يفضل البعض ذلك نظراً لمضمونية الربح المرتفعة.
لدينا هنا مجموعة من الأسباب والمبررات المتناقضة التي تبرر العمل في سوريا وكذلك تنفّر من العمل في سوريا، وبالتالي فإنّ مسألة إعادة التموضع الكاملة ليست سؤالاً يحتمل إجابة واحدة.
كما أنّ علينا أن ننتبه أنّ هناك الكثير من الأعمال التي يمكنها عدم الإغلاق في مكانها والعودة إلى سوريا بشكل كامل. فبعض الأعمال يمكنها تخصيص مبالغ استثمارية للاستفادة من الوضع في سوريا، وهذا في الحقيقة يجري منذ ما قبل التحرير وسقوط السلطة ولا دخل له بالأمر. يعتمد الأمر هنا على الكثير من العوامل، من أهمها طبيعة العمل المستقر في الخارج. فإن كنت تعمل في المجال الإنتاجي أو الإعلامي، قد يكون من المفيد لك أن تعود بشكل جزئي إلى سوريا مستفيداً من فارق التكاليف. لكن إن كان عملك في مجال العملات الرقمية، فعودتك إلى سوريا تعني إغلاق عملك بشكل كلي.
- ما هو السؤال – أو الأسئلة – الذي لم أطرحه عليك اليوم، وتعتقد أنه ضروري لفهم الواقع الاقتصادي السوري، أو لتصحيح بعض التصورات المغلوطة حول مستقبل سوريا الاقتصادي؟
لديّ شعور إيجابي لأنني قرأت إعلان وزارة الاقتصاد عن مهن مالية محددة باتت تحتاج إلى اتباع دورات مهنية والنجاح بها حتّى يمكن ممارستها، فهذا يعني أنّ هناك من يدرك الحاجة لتطوير المهن المناسبة للاستثمار.
أيضاً، من جانبي أتمنى تعميم تجربة تشريع التمويل. كمثال ما ينقص هو أدوات التمويل الجماعي، وصناديق مغلقة مثل Private Equity Funds. هناك كثير من المستثمرين يملكون رأس مال متوسط ويحتاجون إلى أدوات قانونية تسمح لهم بالعمل بشكل جماعي وآمن. نحتاج إلى تشريعات، وآليات تنفيذ، وتدريب للقضاة والمحاسبين والمستشارين. هذا النقص يحرم سوريا من فرص كبيرة لجذب رؤوس أموال صغيرة ومتوسطة، خاصة أنّ هذا يسمح للمستثمرين القادمين من الخارج، مهما كانت جنسيتهم، بأن يكون لديهم شركاء يثقون بهم، وهذا ليس بالأمر السهل في عالم الأعمال.
إضافة لذلك نحن بحاجة إلى إكمال المنظومة. فلا يكفي أن نصدر قانون، بل يجب أن نكمل بالتنفيذ، وبناء المؤسسات، وتدريب الكوادر. مثلاً، قانون الـ ETFs «قانون صناديق الاستثمار لعام 2011، ويحمل الرقم /11679/م.و »، لكن لم يتفعّل. في دول مثل الإمارات، الأمور واضحة: المستثمر يعرف أين يدخل، وما هي حقوقه، وما هي واجباته. في سوريا، يجب أن نخلق البيئة ذاتها. يجب أن نعطي أدوات للمستثمر الصغير والمتوسط، وأن نوفّر له وسيلة كي يشارك بمشاريع بطريقة قانونية، وآمنة، ومربحة. لأن الاستثمار هو شعور بالشراكة، وليس مجرّد مغامرة مالية.
في الختام…
في حديثه، لا يبدو سامي إسماعيل من أولئك الخبراء الذين يرفعون سقف التوقعات بلا أساس، ولا من الواقعيين الذين فقدوا القدرة على الحلم. هو ببساطة شخص ينظر إلى المشهد من الداخل، يقرأ تضاريسه، ويقترح مسارات يمكن سلوكها.
ما قاله ليس مجرد تحليل تقني، بل رسالة ضمنية: الاستثمار لا يحتاج فقط إلى قوانين، بل إلى بنية تحترم تلك القوانين. لا يحتاج فقط إلى رأس مال، بل إلى رؤية ترى الناس شركاء لا مجرد ممولين. بين سطور الحديث، ثمة دعوة لمن يصنع القرار: لا تتعاملوا مع الاقتصاد كملف، بل كقضية وطنية تمس حياة كل سوري، داخل البلاد وخارجها.
اقرأ أيضاً: التدمير «الإسرائيلي» لمطار حماه العسكري.. الرسائل والأهداف والتداعيات!
اقرأ أيضاً: مصطفى عيسى: نريد لسوريا أن تستعيد أبناءها عبر مشاريع ذكية لا شعارات



