“حمص عطشى”.. بهاتين الكلمتين عبّر سكّان حمص عن استيائهم من واقع المياه المتدهور في مدينتهم، فقد أطلق عدد من النشطاء حملة تهدف إلى إيصال صوت الأهالي إلى الجهات المعنية، والمطالبة بإيجاد حلول فورية لأزمة المياه المتفاقمة، والتي ازدادت حدّتها مع بداية فصل الصيف، حيث تزداد الحاجة إلى المياه بشكل ملحّ.
وجّه السكّان نداءاتهم إلى المحافظ، والمسؤولين، والجمعيات الخيرية، وتجار المدينة، مطالبين بإيجاد حلول عاجلة للأزمة المتصاعدة، كما ناشدوا الحكومة في دمشق بتأمين الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة الأساسية.
فعدد كبير من أحياء حمص لا تصلها المياه سوى مرة واحدة كل أربعة أيام، وقد تمتد فترة الانقطاع إلى أسبوع أحياناً، أما الأحياء “المحظوظة”، فتُضخ إليها المياه مرة كل يومين فقط.
برز حيّا البياضة ودير بعلبة في صدارة المشهد كأكثر الأحياء تضرراً من انقطاع المياه، بينما تعاني باقي الأحياء من انقطاعات متفاوتة، ولم تقتصر الأزمة على المدينة فحسب، بل امتدت إلى الأرياف أيضاً، إذ أفاد المكتب الإعلامي في منطقة الحولة بأن هذه المناطق تعاني منذ سنوات من نقص المياه، إلا أن الوضع بات أكثر سوءاً الآن، وسط مطالبات شعبية بضرورة توزيع المياه بشكل عادل بين الأحياء.
شكاوى المواطنين
لم تتوقف شكاوى المواطنين عند حدّ الانقطاع، بل شملت أيضاً طريقة الضخ. فكتب أحدهم على “فيسبوك”: “تصل المياه بضغط ضعيف لا يكفي لبلوغ الخزانات دون كهرباء، والمشكلة أن المياه تصل حين تنقطع الكهرباء، فلا يستفيد أحد منها”، وطالب بتنسيق أوقات ضخ المياه لتتزامن مع توفر الكهرباء.
تسببت أزمة المياه في زيادة الأعباء المالية على الأهالي، إذ اضطر الكثير منهم إلى شراء المياه من الصهاريج التي يتجاوز سعر تعبئة الواحدة منها 35 ألف ليرة سورية، أو اللجوء إلى وسائل خاصة لتأمين المياه.
اقرأ أيضاً: المياه المعدنية في سوريا.. من الكماليات إلى الضرورات
الأسباب الكامنة وراء أزمة المياه
أوضحت محافظة حمص أن أسباب الانقطاع المتكرر متعددة، أبرزها الجفاف الذي شهدته المنطقة هذا العام، ما أدى إلى انخفاض منسوب نبع “عين التنور” الذي يغذّي المدينة، إضافة إلى التغيرات المناخية وشبكة المياه المتهالكة التي باتت بحاجة إلى صيانة شاملة لتتمكن من ضخ المياه بشكل طبيعي إلى جميع المناطق.
ومن بين الأسباب أيضاً، العودة الكثيفة لسكان المدينة بعد سنوات من النزوح، مما شكّل ضغطاً إضافياً على الشبكة، التي كانت بالكاد تؤمّن المياه للقاطنين، وقد علّق أحد السكان قائلاً: “يجب التفكير بتأمين الخدمات الأساسية قبل أي شيء. نريد تنفيذ الحلول لا قرارات مكتوبة على الورق فقط”.
وتعتمد عملية ضخ المياه من نبع التنور على مولدات كهربائية كبيرة، إلا أن الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي على مستوى سوريا ككل، تسببت بتوقف تلك المولدات، ما شكّل سبباً مباشراً لأزمة المياه.
ويُعدّ الهدر أحد العوامل التي زادت من حدة الأزمة، فقد اقترحت إحدى المواطنات على مواقع التواصل إغلاق المسابح التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، وتوجيه الاستهلاك إلى الاستخدامات المنزلية والري، ورغم أن البعض رأى في اقتراحها شيئاً من المبالغة، إلا أن الحاجة الملحة للمياه تدفع بالناس إلى التفكير في حلول غير تقليدية.
ما هي الحلول المطروحة؟
أكد مدير مؤسسة المياه في حمص أن هناك حلولاً بدأت الجهات المعنية بتنفيذها بالفعل، ومنها استخدام تسعة آبار موجودة في منطقة القصير المعروفة بـ”دُحيريج”، وقد تم تشغيل ثمانية منها حتى الآن.
كما توجد خطة لافتتاح آبار جديدة في عدد من المناطق، حيث يبلغ عددها الإجمالي 51 بئراً، تم تأهيل 12 منها، وستدخل الخدمة تدريجياً، وأشار إلى أن الأزمة تحتاج إلى حلول مستدامة لا مؤقتة، ولهذا صادق محافظ حمص، عبد الرحمن الأعشى، على تخصيص جزء من الموازنة لفتح آبار جديدة.
عبّر عدد من أهالي حي دير بعلبة عن استغرابهم من تجاهل الجهات الحكومية لعدد من الآبار الموجودة في منطقتهم، مؤكدين أنها غير مستثمرة، مطالبين بالالتفات إلى هذه الموارد واستغلالها بالشكل الأمثل.
وأشار معاون مدير مؤسسة المياه، عمر شمسيني، إلى وجود دراسة لاستغلال مياه أعالي نهر العاصي لتغذية مدينتي حمص وحماة، لكن العقبة الأساسية تكمن في الكلفة المرتفعة للمشروع، التي تقدّر بحوالي 20 مليون دولار.
كما تعمل المحافظة على استبدال المولدات الكهربائية التي تغذّي نبع التنور بألواح طاقة شمسية، لضمان استمرار الضخ وعدم توقفه بسبب انقطاع الكهرباء.
خلاصة القول، لا بد من وضع خطة استراتيجية شاملة للتعامل مع أزمة شحّ المياه في حمص، تضمن إيصال المياه لجميع المواطنين بعدالة وانتظام، مع التركيز على حلول مستدامة تخدم الحاضر وتحمي المستقبل، وتضع نهاية جذرية لأزمة المياه في المدينة.
اقرأ أيضاً: سوريا عطشى: أزمة المياه تهدّد حياة الملايين والمستقبل مخيف!