“الطفولة المنسية”، بهذا يمكن تسمية الطفل السوري خلال الحرب وما بعدها، فلا تزال تُنتهك حقوقه سواء على صعيد الأسرة أو المجتمع، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت بشكل فعال في إيصال الصوت الطفولي المكتوم عبر تداول فيدوهات لأطفال يتعرضون لتعذيب على أيدي ذويهم أو اقربائهم.
فالطفل ابراهيم سطيف ابن مدينة حماة تعرض لتعذيب على يد عمه وزوجته التي وثقت بيدها عملية التعذيب، وقامت بإرسالها لجد الطفل المقيم في الأردن استفزازاً له لكي يأخذه، ليقوم الجد بدوره بنشر الفيديو وإثارة الرأي العام ضد التصرفات الوحشية التي يقوم بها ابنه وزوجته.
استجاب محافظ حماة عبد الرحمن السهيان وقائد قوى الأمن الداخلي ملهم شدود لنداء الطفل المعذب خلال ساعتين من انتشار الفيديو، وقاموا بإرسال دورية لإلقاء القبض على العم الذي كان يهب للفرار من محافظة حماة وتوقيف زوجته بقسم الشرطة، والآن يُقيم الطفل في أحد الفنادق استعداداً لتسليمه لجده المقيم في الأردن، والجدير بالذكر أن الطفل ابراهيم يتيم الأب ولديه أخت مقيمة في ميتم بمدينة حلب.
يُذكر أن عم الطفل ابراهيم سيكون مدان بأكثر من قضية، أولها التسرب الدراسي إذ منع ابن أخيه من الذهاب للمدرسة وثاني قضية هي عمالة الأطفال إذ أجبر ابراهيم على العمل وأخرها الاعتداء الجسدي على الطفل.
اقرأ أيضاً: منظمة حقوقية: القتلى تحت التعذيب في سجون النظام السوري أكثر من 15 ألفاً بينهم 190 طفلاً
انتهاكات حقوق الطفل في سوريا
قضية الطفل ابراهيم تفتح لنا ملف انتهاكات حقوق الأطفال في سوريا التي وصلت لأعداد كبيرة عبرّت فيها هذه الأعداد عن وحشية النزاع خلال الأربعة عشر عاماً الماضية.
أشارت منظمة حقوق الإنسان بتقرير لها صادر عام 2024 عن حجم الكارثة الإنسانية التي حلت بأطفال سوريا، إذ وثقت مقتل ما لا يقل عن 30,293 طفلاً في سوريا منذ آذار 2011، 225 منهم قضوا جراء التعذيب، ولا يزال 5,298 طفلاً معتقلاً أو مختفياً قسرياً.
بينما وثقت المنظمة مقتل 225 طفلاً بسبب التعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة لأطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا منذ آذار 2011 وحتى 20 تشرين الثاني 2024.
بعد استعراض وحشية الحرب السابقة لا يسعنا إلا أن نتذكر بنود قانون حماية الطفل الدولي الذي وقعت عليه جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمم المتحدة.
القانون الدولي لحماية الأطفال
تعتبر الأمم المتحدة أن الطفل جزء من الأسرة التي من الواجب سن قوانين لحمايتها، إذ تشكل الأسرة البيئة المجتمعية الأولى للطفل ولا بد من توفير كافة الأطر القانونية حتى تقوم بدورها التربوي تجاه أطفالها، لكن من ناحية أُخرى أُسندت 45 مادة في القانون الدولي لحماية الطفولة.
بدأت الأمم المتحدة بنودها بتعريف الطفل الذي يشمل كل شخص دون سن الثامن عشر، وأكدت على ضرورة إقرار الدول الموقعة على بنود الاتفاق بحقوق الطفل كحق اكتساب الجنسية والتسجيل عند الولادة، وحق الرفاهية والنمو ضمن بيئة صحية، وشددت على ضرورة قيام دور الرعاية الاجتماعية في كافة الدول بعملها في حال تعرض الطفل للأذى، كما أكدت على التعاون مع الأهل والأوصياء لضمان بيئة سليمة لكافة الأطفال حتى إذا اضطر الأمر إلى توسيع دائرة الحماية للأسرة كاملة.
نوهت الأمم المتحدة إلى ضرورة إسراع الدول الأعضاء بمعالجة أمور الأطفال الذين فقدوا جنسياتهم أو هويتهم بطرق غير مشروعة وإعادة حقوقهم.
في حين تشدد الأمم المتحدة على ضرورة حفاظ الطفل على التواصل مع كلا والديه في حالة طلاق أولياء الأمر مع ضمان حصوله على النفقة الخاصة به، إلا إذا كان هذا التواصل يضر بمصلحة الطفل العليا، كما لا يتم أخذ طفل من والديه بالإكراه إلا في حال ثبوت تعرضه للإساءة اللفظية أو الجسدية، وهنا يحق لكافة الجهات المختصة التدخل في المحاكمة، وفي حال تعرض الوالدين لأي مشكلة كالنفي أو السجن يتم تسليم الطفل لأحد أقرباءه بعد أخذ رأيه.
حق التعبير عن الرأي
يضمن ميثاق الأمم المتحدة حق الطفل في التعبير عن رأيه وتكوين آراءه الخاصة، وعلى ذلك يسمح للطفل بالإدلاء بشهاداته في الأمور القضائية التي تمسه والمسائل الاجتماعية أيضاً، كما يسمح له بالإجهار بدينه ومعتقداته وتكوين الجمعيات ضمن الأطر القانونية التي تفرضها الدولة الموجود فيها.
وسائل الإعلام ودورها
ضمنت الأمم المتحدة حق الطفل في الحصول على كافة المعلومات التي تحقق رفاهيته الاجتماعية والأخلاقية وغيرها عبر وسائل الإعلام، وحثت هذه الوسائل على إنتاج الكتب والمعلومات وتبادلها بين الدول حتى يطلع الطفل على كافة الأحداث التي تدور حول العالم وتهمه، كما نصت على حمايته من المعلومات الضارة، ولم تنسَ حقوق الأقليات بإصدار كتب ومعلومات بلغتهم.
الكلام السابق لا ينفي دور الوالدين في تعليم طفلهما وتربيته بما يتناسب مع مجتمعه الذي يناسبه، كما ضمنت حقوق الطفل الذي ينتمي لوالدين عاملين في الاستفادة من كافة المرافق الحكومية ومؤسسات الرعاية الاجتماعية له.
الحماية من العنف
تضمن الدول الموقعة على حماية حقوق الطفل حمايته من كافة أنواع العنف الجسدي أو اللفظي أو العقلي، حتى عند تعرضه للإهمال أو الإستغلال أو الإساءة الجنسية، وفي حال تعرضه للأمور السابقة يسمح للدولة بأخذ الطفل من والديه أو الاوصياء عليه وفي حال عدم توافر أقرباء مناسبين لتربيته يتم إيداعه في دور الرعاية المناسبة لدين الطفل، كالكنيسة أو التبني أو دور الأيتام والرعاية الاجتماعية مع استمرار مراقبة وضعه والمعاملة التي يتلقاها في تلك الدور.
ذوي الاحتياجات الخاصة
لم ينسَ ميثاق حقوق الطفل الأطفال ذوي الإعاقات المختلفة من حقهم في الحماية، وأشار إلى ضرورة توفير كافة الاحتياجات الخاصة بهم بشكل مجاني قدر الإمكان ومساعدة ذويهم في تأهيلهم وتعليمهم ومساعدتهم في الاعتماد مع أنفسهم، مع التذكير بضرورة التواصل بين الدول لتوفير كافة العلاجات الممكنة وتحقيق الرعاية الصحية والتغذية المناسبة لهم.
حق التعليم
ينطلق هذا الحق بإلزامية التعليم الأساسي في جميع الدول للقضاء على الجهل والأمية مع توفير التعليم الثانوي والمهني للأطفال، بالإضافة إلى التعليم العالي ضمن إمكانياتهم وقدراتهم، مع ضمان نمو شخصيتهم وتحملهم لمسؤوليتهم بما يتناسب مع عمرهم، وتحقيق نوع من الرفاهية الاجتماعية والترفيهية التي تساهم في تكامل شخصيتهم، وشددت على حقوق الأطفال الذين ينتمون إلى أقليات دينية أو عرقية أو إثنية بالإجهار بمعتقداتهم ودينهم دون خوف.
حماية الطفل من الاستغلال
يشمل الاستغلال الجسدي والعقلي، بالإضافة إلى عمالة الأطفال كما تم ذكره في بداية المقال، وفي حال أراد الطفل العمل يجب أن يكون ضمن القانون الموجود في البلد الذي ينتمي إليه، إذ يحدد كل بلد ساعات عمل للمراهقين والأطفال دون أن يؤثر ذلك على تعليمهم وحياتهم الاجتماعية، كما يشمل الاستغلال نوع الاستغلال الجنسي والإجبار على تناول المخدرات والتعرض لمواد تتلف العقل، مع فرض عقوبات على كل من يستغل الأطفال بأي طريقة.
كما يضمن القانون حماية الطفل من الخطف أو المتاجرة به، مع الحفاظ على حريته وإعطاءه هذه الحرية في حال كانت مسلوبة منه.
الطفل والنزاعات المسلحة
تدعو الأمم المتحدة لتحييد الأطفال في حال نشوب النزاعات المسلحة على أن تتعهد الدول بعدم تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشر وعدم إشراكهم في النزاعات، بالإضافة إلى ضمان أمن وسلامة المدنيين الذي يعد جزء من سلامة الأطفال، مع تقديم الرعاية لهم والعمل على إعادة دمجهم بالمجتمع عند انتهاء الحروب أو في حال نزوحهم لبلدان أخرى، كما يمنع حكم الإعدام للأطفال المرتكبين لجرائم وهم تحت سن الثامن عشر.
وفي حال انتهك الطفل القانون أو ارتكب جرائم يعد بريئاً حتى تثبت إدانته، مع إخباره بالذنب الذي ارتكبه وضمان حصوله على المساعدة القانونية، ومحاكمته محاكمة عادلة ونزيهة مع الأخذ بالحسبان سنه وظروفه الاجتماعية وحالته، وعدم إجباره على الاعتراف أو الإدلاء بشهادته، وحقه بالحصول على مترجم في حال لم يكن يفهم اللغة التي يتكلم بها القضاء.
في النهاية، بنود حماية حقوق الطفل تنبع من إنسانية الأشخاص، فإذا احتكمت الدول والأشخاص لضميرهم لكان الطفل بألف خير دون معرفة مسبقة بالقوانين والتعليمات.
اقرأ أيضاً: اللانش بوكس يظهر تفاوت الأحوال الاقتصادية بين تلاميذ المدارس السورية