سوريا بموقعها المميز تمثل عقدة جغرافية، وصلة وصل بين بلدان مختلفة، والمعابر الحدودية أبرز ما يميزها وتشكل بوابتها للعالم الخارجي، فهي نقطة مفصلية متحكمة بالاقتصاد السوري وحركتها أساس انتعاشه. عانت المعابر الحدودية من ضغط كبير إبان الحرب في سوريا وشهدت نزاع من حيث فرض السيطرة عليها وكانت بمثابة نقطة لتقاسم مناطق النفوذ في ذلك الوقت. أما اليوم تشهد المعابر ضغط من نوع آخر وهو عودة السوريين إلى بلدهم وتوافدهم بأعداد كبيرة بعد التحرير، حيث سجلت المعابر عودة أكثر من 425 ألف مواطن من دول الجوار إلى جانب عشرات آلاف المغتربين بعد التحرير.
ما بين الصراع وضغط السيطرة والحركة المنتعشة وضغط العودة، ما عدد المعابر الحدودية ما أهمها، وما سجلت منذ التحرير؟
المعابر الحدودية السورية عددها وأهمها
تركيا، العراق، الأردن، لبنان، كل تلك الدول لها معابر حدودية مع سوريا وتشكل تلك المعابر رئة الاقتصاد لسوريا ولتلك البلدان، إذ تعتبر الشريان الرئيسي لبعض هذه الدول، فاعتماد لبنان على سبيل المثال أساسي على المعابر السورية وما يدخل منها وما يصدر إليها.
يوجد في سوريا 22 معبراً حدودياً رسمياً مع الدول المجاورة، 3 مع العراق، 12 مع تركيا، 5 مع لبنان، 2 مع الأردن.
أحد أبرز تلك المعابر وأهمها معبر باب الهوى، الواقع على الحدود التركية في الشمال الغربي لسوريا، الشريان الرئيسي للمساعدات الإنسانية المتجهة إلى إدلب والمناطق المحيطة. مر من خلاله الجزء الأكبر من المساعدات الدولية الموجهة للمنطقة المحررة في ذلك الوقت. المعبر الثاني، هو معبر باب السلامة، معبر حدودي آخر مع تركيا، يقع بالقرب من أعزاز، يتم استخدامه لنقل البضائع والإمدادات، لكن دوره أقل تأثيراً من باب الهوى بالرغم من أهميته.
الثالث، معبر نصيب يربط سوريا بالأردن، ويستخدم بشكل رئيسي للتبادل التجاري بين البلدين، تم إعادة فتحه عام 2018 إثر استعادة النظام السابق السيطرة على جزء من الجنوب السوري. وهو مخصص بشكل أساسي للتجارة.
اقرأ أيضاً: حسين عبد العزيز: المعابر السورية بوابة الحل السياسي
حال المعابر الحدودية قبل التحرير
في العام 2020 سيطر النظام على عشرة معابر فقط، خمسة مع لبنان (جديدة يابوس، الدبوسية، جوسية، تلكلخ، العريضة)، معبران مع الأردن (نصيب، الجمرك القديم)، معبر واحد مع العراق (البوكمال)، ومعبران مع تركيا (كسب، القامشلي).
وفي المقابل كان هناك 12 معبراً خارج سيطرته، خمسة تحت سيطرة ” قوات سوريا الديمقراطية”، واحد منها على الحدود مع العراق (اليعربية)، وأربعة أخرى مع تركيا (عين ديوان، الدرباسية، عين العرب، وإكبس)، في حين سيطرت فصائل المعارضة الأخرى آنذاك على سبعة معابر، واحد مع العراق (التنف)، وستة مع تركيا (باب الهوى، باب السلامة، جرابلس، الراعي، رأس العين، وتل أبيض).
وخارطة السيطرة على المعابر بين أطراف الصراع كانت قد بدأت ترتسم منذ اندلاع الثورة، وتوضحت معالمها في العام 2017 فأضحت تلك المعابر بوابة لزيادة الاقتتال، فمن يمتلكها امتلك الاقتصاد والامداد إلى جانب السيطرة.
وفي استعراض سريع لصراع النفوذ على المعابر نلقي نظرة على خارطة السيطرة في ذلك الوقت، فنرى منذ منتصف 2017 حتى التحرير عام 2024 سيطرة قوات المعارضة آنذاك على المعابر بين سوريا مع تركيا، كما سيطرت على معابر مع الأردن منذ 2015 حتى منتصف عام 2018، وداعش تقاسمت السيطرة أيضاً على كل معابر سوريا مع العراق حتى منتصف عام 2017، وسيطرت قوات قسد على المعابر مع إقليم كردستان العراق، ففي مناطق سيطرة قسد هناك معبران يربطان مناطق نفوذها في الحسكة بإقليم كردستان العراق وهما اليعربية-ربيعة قبالة الحافة الشمالية الشرقية لسوريا، إضافة لمعبر محافظة الحسكة سيمالكا-فيشخابور.
أما المعابر التي سيطرت عليها قوات النظام فهي معبر البوكمال-القائم بدير الزور وهو المعبر الوحيد القابع تحت قبضتها مع العراق في ذلك الوقت، إضافة لمعبري الجمرك القديم-الرمثا، والمعبر الأهم نصيب-جابر مع الأردن بعد إخراجه من سيطرة المعارضة عام 2018، إضافة لمعبر كسب بريف اللاذقية مع تركيا والمغلق منذ عام 2011.
فيما يبلغ عدد معابر النظام مع لبنان 6، وهي معابر: المصنع والدبوسية وجوسية وتلكلخ والعريضة ومطربة الذي افتتح في آذار 2022 في منطقة الهرمل.
اقرأ أيضاً: هيئة المنافذ البرية والبحرية: احذروا الاحتيال
حال المعابر الحدودية بعد التحرير
عند سيطرة إدارة العمليات العسكرية بعد سقوط النظام في سوريا، سعت الحكومة الانتقالية في دمشق لإعادة تأهيل هذه المعابر، بالرغم من المصاعب التقنية من جانب، والإدارية من جانب التي تعرقل العمل في بعض الأحيان.
وعند مراقبة حركة بعض المعابر بعد التحرير نلمس تفاوت في الحركة التجارية وتنقل المسافرين المغادرين والوافدين. فمعبر البوكمال، شهد اتفاقاً بين قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” يقضي بدخول الأخيرة إلى شرق الفرات والسيطرة على المنطقة، والمعبر كان قد تعرّض لعمليات نهب وتدمير كبيرة قبل انسحاب الطرفين، حيث يقول المدير العام لمعبر البوكمال أحمد بكار: “إن المعبر يخضع لأعمال صيانة شاملة بهدف إعادة تأهيله، وقد أغلقت أقسام الهجرة والجوازات وأمانة الجمارك بعد تعرضها للتدمير الكامل، مما أدى إلى توقف الحركة التجارية”، وأضاف: ” أن إدارة المعبر نسّقت مع الجانب العراقي لتقليص الحركة فيه جزئياً إلى حين انتهاء أعمال التأهيل”، كما أوضح أن الحركة لم تتوقف بشكل كلي، حيث يسجل المعبر يومياً دخول 60 إلى 75 شخصاً، كان معظمهم من السوريين واللبنانيين اللذين فروا من الحرب الإسرائيلية اللبنانية الأخيرة وآثارها. لكن في المقابل توقفت الحركة التجارية تماماً بسبب عدم وجود تجهيزات إلكترونية مرتبطة بالخدمات في دمشق.
أما معبر نصيب الحدودي مع الأردن من أكثر المعابر تضرراً، قد وصلت نسبة الدمار فيه إلى 90%. لكن الجهود المبذولة لإعادة تشغيله تدريجياً بدأت تثمر بحسب مديره خالد البراد.
شهد الخط التجاري للمعبر أيضاً حركة دخول يومية تصل إلى 200 شاحنة، مقابل خروج 100 شاحنة، مع خطط لرفع قدرة المعبر الاستيعابية إلى 4 آلاف شاحنة يومياً، كما كان الحال قبل عام 2010.
وأشار البراد إلى وجود تعاون تقني مستمر مع الجانب الأردني لتسهيل حركة العبور وتحسين الخدمات، هذا ما ينعكس على التبادل التجاري وحركة المسافرين.
كما يعتبر معبر “جديدة يابوس” مع لبنان الأكثر نشاطاً، حيث يسجل يومياً حركة عبور تصل إلى 15 ألف مسافر، وفق مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية مازن علوش.
كما تخضع بعض المعابر السورية لسيطرة جهات دولية ومحلية، ما يزيد من تعقيد الوضع. فمعبر التنف على الحدود العراقية السورية، تديره قوات التحالف الدولي بالتعاون مع جيش سوريا الحرة، وقد أفاد أحد المصادر: ” بأن المعبر استُخدم مرتين في عام 2023 لنقل إمدادات من قاعدة الأسد العراقية إلى سوريا. لكن المنطقة المحيطة بالمعبر لا تزال تحتوي على ألغام زرعها تنظيم داعش في السابق، ولم تتم إزالتها بالكامل”.
كما أكد مازن علوش مدير العلاقات العامة في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية: “أن المعابر الحدودية السورية سجلت عودة أكثر من 425 ألف مواطن من دول الجوار، وعشرات آلاف المغتربين منذ التحرير”، وأوضح في تصريحه أيضاً: “أنه منذ تاريخ 8 كانون الأول 2024 وحتى الثامن من الشهر الجاري، استقبلت المعابر الحدودية السورية الأعداد المذكورة من المواطنين، ضمن مسار العودة الطوعية من دول الجوار، وفي مقدمتها تركيا التي عاد منها أكثر من 250 ألفاً، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من العائدين من لبنان، الأردن، والعراق”.
كذلك سجلت المعابر الحدودية دخول عشرات الآلاف من المغتربين القادمين من أوروبا والخليج ومختلف دول العالم، بهدف الزيارة أو العودة النهائية للاستقرار في وطنهم، علماً أنه منذ إعادة افتتاح معبر العريضة الحدودي مع لبنان قد شهد المعبر حركة عبور تجاوزت 20 ألف مسافر بين قادمين ومغادرين، وسط إجراءات ميسّرة وسلسة.
وتم الكشف أن العمل جارٍ حالياً على افتتاح خط تجاري دائم بين سوريا ولبنان عبر معبر العريضة ذلك بعد عطلة عيد الأضحى المبارك، بالإضافة لاستكمال أعمال تجهيز البنية التحتية، وإعادة تأهيل المرافق الخدمية في المعبر بشكل ممنهج ومتكامل.
ختاماً، هناك إجماع من قبل مسؤولي المعابر الحدودية من الإدارة الجديدة على أن الدمار الشامل للبنية التحتية هو أبرز التحديات التي تواجه إعادة تشغيل المعابر، إلى جانب عقبة التخلف التكنولوجي التي خلفتها الإدارة السابقة، مع انعدام للتجهيزات الحديثة في أغلب النقاط الحدودية، وضعف في التنظيم الإداري في معظم المعابر، على أمل إيجاد حلول سريعة ومرضية في القريب العاجل.
اقرأ أيضاً: مهربون ينشطون في نقل السوريين بين مناطق المعارضة والحكومة في ظل إغلاق المعابر