سياسة

جبل الباشان أو جبل العرب.. هل تمتلك السويداء مقومات اقتصادية للانفصال؟

بقلم: هلا يوسف

لم يعد مخفياً على أحد مطالب الانفصال التي يطلقها شيخ عقل طائفة الدروز الموحدين حكمت الهجري بعد أحداث السويداء، وموقفه المعادي للحكومة السورية الحالية. إلا أنه أثار ضجة إعلامية واجتماعية في آخر بيان له عندما استخدم اسم جبل الباشان دلالةً على السويداء التي لطالما عرفناها بجبل العرب. إلا أننا في هذا المقال لسنا بصدد مناقشة الموضوع من الناحية السياسية على الرغم من أهميته، بل سنناقش ما تمتلكه السويداء من مقومات اقتصادية للانفصال عن سورية، وهل ما زالت تحصد من اسم باشان نصيبها، أم أن مقوماتها تغيرت مع الحرب السورية ومرور الزمن؟

أصول تسمية جبل الباشان

لجبل باشان تاريخ عريق على أرضه الممتدة في شرقي نهر الأردن، وهي نفسها المنطقة التي نعرفها اليوم باسم هضبة الجولان. تلك الهضبة التي ما زالت تشهد حتى اليوم صراعاً على هويتها وحدودها، والتي دفع فيها السوريون أرواحهم ثمناً للحفاظ عليها.

كان اسم باشان في العبرية القديمة يعني “الأرض المستوية”، وهو وصف دقيق لطبيعتها المترامية بين جبل الشيخ شمالاً وجبال عجلون جنوباً، وتشمل سهول حوران والجولان واللجاة. وهي أرضٌ اتسمت بالخصب والحياة، وارتبطت بذاكرة الأديان، إذ ورد اسمها في التوراة أكثر من ستين مرة، ووُصفت هناك بأنها “جبل الله” و”جبل الأسنمة”.

اشتهرت باشان منذ القدم بمراعيها الخضراء وثروتها الحيوانية الوفيرة. كانت تربتها السوداء، الناتجة عن الصخور البركانية، تمنحها خصوبة نادرة جعلتها مناسبة للزراعة، فزرع أهلها القمح والشعير والعدس والسمسم والذرة، وعاشوا على خيراتها جيلاً بعد جيل.

تاريخياً، تعاقبت على باشان حضارات كثيرة، بدأت بالكنعانيين، ثم ضُمّت إلى مملكة إسرائيل القديمة، قبل أن تدخل تحت الحكم الروماني الذي ذكرها في العهد الجديد. ومع الفتح الإسلامي، أصبحت جزءاً من بلاد الشام، وبقيت هكذا حتى يومنا هذا.

وعلى الرغم من اختفاء اسم “باشان” من الخرائط الحديثة ليحلّ محله اسم هضبة الجولان، إلا أن صدى الاسم القديم لا يزال حاضراً في ذاكرة الإسرائيليين. حتى إن الاحتلال الإسرائيلي أعاد استخدامه عندما أطلق على عملياته ضد سوريا اسم “عملية سهم باشان”، التي شهدت مئات الغارات الجوية والتوغلات داخل الأراضي السورية.
وبعد استعراضٍ بسيط عن تاريخ اسم باشان وأصوله، ومعرفة مميزات أرضه البركانية ومدى صلاحيتها، لا بد من الاطلاع على حال أرضه اليوم، وواقعه بعد مطالبات انفصال السويداء عن سوريا.

المقومات الاقتصادية والخدمية في السويداء

يعكس التوزع الريفي في السويداء نظام اقتصادي يعتمد على عنصرين، الأول هو الزراعة الذي يشكل جزء أساسي من الاقتصاد (حوالي 40% من الناتج المحلي) والثاني قطاع الخدمات والتجارة بنفس النسبة. على الرغم من أن الزراعة بالعادة توفر استقراراً نسبياً، إلا أن اعتماد نحو 90% من الأراضي على الزراعة البعلية يجعل الإنتاج الزراعي مرهون بكمية الأمطار الهاطلة خلال فصل الشتاء.

هذا الموسم تراجعت الأمطار إلى أقل من 30% من المتوسط السنوي، ما تسبب في خسائر كبيرة، فقد انخفض إنتاج القمح إلى أقل من 2000 طن رغم زراعة أكثر من 30 ألف هكتار، في حين تأثرت محاصيل الحمص والشعير أيضاً بشكل ملحوظ. أما بالنسبة إلى الأشجار المثمرة، فقد تعرضت لتدهور أشد، فقد أدى الجفاف إلى موت عدد كبير منها واضطرار المزارعين إلى تحطيبها، حيث انخفض إنتاج التفاح الذي يشكل مصدر دخل لحوالي 11 ألف أسرة بنسبة 80%، وأصبح الزيتون والخرمة مهددين بالزوال بسبب هطول مطري لا يتجاوز 150 ملم سنوياً.

وحذر مدير الزراعة في المحافظة، مالك الحلبي، من أن هذه الظواهر ليست أزمة موسمية فحسب، بل مؤشر على بداية مرحلة تصحر قد تحول المحافظة إلى صحراء إذا استمرت الظروف لمدة عامين إضافيين.

وعلى الرغم من محاولة مواجهة الجفاف باستخدام الري الصناعي إلا أنه محدود بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية، فالآبار الجوفية معرضة للجفاف، وارتفاع أسعار الوقود وقطع الغيار، إضافة إلى آثار الحرب، كلها ظروف جعلت تقنيات الري خارج قدرة معظم المزارعين. نتيجة لذلك، توقف نحو 75% من الأراضي الزراعية عن الإنتاج هذا الموسم.

ترافقت الأزمة الزراعية مع تراجع قطاعي التجارة والخدمات نتيجة الثورة التي بدأت عام 2011، والتي أدت إلى تدهور القدرة الشرائية، انهيار قيمة العملة، وانقطاع سلاسل الإمداد مع باقي المحافظات. هذه العوامل مجتمعة أسهمت في ارتفاع البطالة والفقر منذ عام 2012، إذ لم يكن هناك قطاع قادر على امتصاص الصدمات أو خلق فرص بديلة.

هل السويداء قادرة على الانفصال عن سوريا اقتصادياً؟

عند النظر إلى الواقع الاقتصادي والخدمي في السويداء اليوم ومقارنته بما كانت تملكه المحافظة في السنوات التي سبقت الثورة السورية من خيرات واستقرار اقتصادي، نجد أن أي مشروع استقلالي أو حكم ذاتي فيها يبرز هشاشة الإمكانيات المادية والإدارية للمحافظة. فالاقتصاد المحلي شبه محصور بالزراعة التقليدية، خصوصاً العنب، التفاح، الزيتون، والقمح، والتي هي معتمدة بالأصل على كمية الأمطار السنوية التي تتراجع عاماً تلو الأخر كما ذكرنا سابقاً، وبالتالي هي مصدر مالي لكن غير مستقر. بالإضافة إلى غياب أي صناعة تحويلية أو بنية تحتية للطاقة والمعادن. هذا يعني أن السويداء تفتقر إلى قاعدة إنتاجية مستدامة يمكن أن تدعم اقتصاداً سيادياً أو مكتفياً ذاتياً.

تعتمد المحافظة بشكل كبير على موقعها الجغرافي وعلاقاتها الخارجية، خصوصاً مع الأردن. حيث يشكل معبر نصيب-جابر المنفذ الأساسي للبضائع والوقود، وكان قبل عام 2011 يسجل تجارة تتجاوز 500 مليون دولار سنوياً بين البلدين. أما حالياً وبعد تحسين العلاقات بين دمشق وعمان في 2025، ارتفعت الصادرات الأردنية إلى سوريا بنسبة 482% خلال أول شهرين، مما يؤكد أهمية هذا المعبر لاستمرارية الاتصال الاقتصادي للمحافظة، قد ترى هذه نقطة اقتصادية تُحتسب للسويداء. إلا أنه في حال تم انفصال السويداء عن سوريا دون اعتراف حصرياً من الأردن قد يعني إغلاق المعبر وعزل السويداء اقتصادياً.

وبالنظر إلى الواقع السياسي الواقعة فيه السويداء، نجد أن مجموعة قوى إقليمية تتحارب على أرضها، مما يعني اقتصاد مرهون بأطراف خارجية في حال الانفصال عن سوريا. ويمكن إعطاء مثال على ذلك من قلب السويداء عندما قدمت إسرائيل تصاريح عمل لعناصر درزية من السويداء في الجولان برواتب تصل إلى 100 دولار يومياً. هذا يعني أن الاعتماد الاقتصادي على دولة مجاورة تمنع بناء دولة سياسية مستقلة إذا افترضنا أنه حصل الانفصال، فما بالك لو أنها ستكون مرهونة لاحتلال قائم على فكرة التوسع والاستيطان؟ ففي أفضل الأحوال ستكون مجرد تابع مأمور من دولة أخرى.

وهذا ما أدركه عدد من النشطاء السياسيين والاقتصاديين في السويداء منذ أعوام، وأكدوا أن السويداء لا تمتلك المقومات الاقتصادية اللازمة للانفصال أو حتى للإدارة الذاتية، مثل غياب مصادر النفط أو المعابر الحدودية التي يمكن أن تضمن دخلاً مستقلاً للمحافظة.

وأوضح الناشط السياسي مروان حمزة أن فكرة الإدارة الذاتية في السويداء تتقاطع مع نموذج الحكم الذاتي المطبق في شمال شرق سوريا، الذي تمثله “قسد” عسكرياً و”مسد” سياسياً، معتبراً أن قبول هذا المشروع يعني إضفاء شرعية على ما يصفه بـ”مشروع الدويلة الكردية”.

وأضاف حمزة أن السويداء تفتقر إلى الموارد التي تمكّنها من إدارة نفسها بشكل مستقل، بخلاف مناطق الأكراد التي تمتلك النفط والقمح والقطن. وأشار إلى أن غياب هذه المقومات يجعل فكرة الانفصال أو قطع الصلة مع دمشق غير واقعية، وهو ما يدفعهم إلى رفض المشروع.

لذلك نستنتج أنه سواء تم تسمية السويداء بجبل العرب أو جبل الباشان، لن يغير من واقعها الاقتصادي المحدود شيء، بل على العكس يمكن أن يدخل أبناء المحافظة في دوامة فقر وضيق اقتصادي خانق. إلا في حال احتلال إسرائيل لها وضمها لدولتها المزعومة.

اقرأ أيضاً: الفيدرالية: بين سوريا والميزان القانوني الدولي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى