أجرت وزارة الداخلية السورية، تعديلات جديدة على نظام رسوم التأشيرات الممنوحة للمواطنين من مختلف دول العالم، في خطوة تهدف إلى تنظيم حركة الدخول والخروج على أراضيها.
ويشمل القرار الجديد، الذي أثار جدلاً واسعاً على الساحة المحلية والإقليمية، تقسيم الدول إلى فئات مختلفة تحدد بموجبها رسوم التأشيرات وفق مستويات متدرجة، مع إعفاء بعضها الآخر بشكل كامل، وذلك وفقاً لطبيعة العلاقات الثنائية والاعتبارات الدبلوماسية.
وفقاً للقرار الجديد، تبدأ الرسوم الجديدة لمواطني عدد من الدول العربية، مثل المغرب والجزائر والسودان واليمن، من 40 دولاراً، وتصل إلى 250 دولاراً لمواطني العراق والإمارات.
أما بالنسبة للدول غير العربية، فقد حددت الوزارة رسوام التأشيرات بـ 40 دولاراً لمواطني الصين، و300 دولار للأميركيين، و75 دولاراً لروسيا، و125 دولاراً لأستراليا ونيوزيلندا ودول الاتحاد الأوروبي، و150 دولاراً للكنديين، و250 دولاراً للمواطنين البريطانيين.
وتدفع هذه الرسوم نقداً بالدولار الأمريكي عند الوصول إلى المطار، أو من خلال نظام التأشيرة الإلكترونية، وينصح المسافرون بالتحقق من متطلبات التأشيرة الخاصة بجنسياتهم قبل السفر، حيث قد تختلف الشروط والرسوم.
كما خصصت الوزارة إعفاءً كاملاً من دفع رسوم التأشيرة لمواطني أربع دول هي: لبنان، الأردن، موريتانيا، وماليزيا، مع منحهم حق الإقامة لمدة تصل إلى ستة أشهر.
ويثير هذا الإعفاء تساؤلات كثيرة، خاصة أن العلاقة مع لبنان والأردن شهدت تقلبات كبيرة خلال السنوات الماضية، مما يعكس احتمالات ارتباط القرار بمصالح مشتركة أو اعتبارات سياسية.
تأثير رفع رسوم التأشيرات على السياحة
من أبرز القرارات الجدلية في التعديلات الجديدة، هو رفع رسوم التأشيرات على المواطنين العراقيين من 50 دولاراً إلى 250 دولاراً، وهو أعلى مبلغ تم تحديده لصالح مواطني أي دولة أخرى، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية التي بلغت رسوم تأشيرتها 300 دولار.
ويأتي هذا القرار رغم أن العراقيين يشكلون شريحة سياحية مهمة جداً بالنسبة لسوريا، لا سيما في مجال السياحة الدينية، حيث يتوافدون بأعداد كبيرة إلى مرقد السيدة زينب (رضي الله عنها) في دمشق، وغيرها من المقاصد الدينية.
وبحسب إحصائيات رسمية، استقبلت سوريا أكثر من 278 ألف عراقي في عام 2023، معظمهم قدموا لأغراض سياحية ودينية، وشهد العام ذاته زيادة بنسبة 25% مقارنة بعام 2022.
وفي كانون الثاني 2024 فقط، سجلت السلطات السورية دخول 44 ألف عراقي، مقابل 11 ألفاً في الشهر نفسه من العام السابق، كما سجلت زيارة مرقد السيدة زينب زيادة في أعداد الزوار العراقيين بنسبة تتراوح بين 23 و24% خلال النصف الأول من عام 2024 مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
من المتوقع أن يؤثر رفع الرسوم بهذا الشكل على تدفق العراقيين إلى سوريا، ما يعني تراجعاً محتملاً في إيرادات السياحة الدينية، التي تعد من المصادر القليلة المتبقية للدخل السياحي في البلاد.
ومع ذلك، لم تقدم الوزارة توضيحاً لأسباب هذا التضييق، أو ما إذا كانت هناك اعتبارات سياسية أو دبلوماسية وراء القرار، لا سيما في ظل استمرار تأثر العلاقات بين البلدين بخلفية تاريخية معقدة.
اقرأ أيضاً: تراجع الحوالات المالية الخارجية 40%.. والداخل السوري يدفع الثمن!
إجراءات الحصول على التأشيرة
وفقاً للأنظمة المعمول بها حالياً في سوريا، يتوجب على أي مواطن عربي أو أجنبي يرغب في زيارة البلاد بهدف الدراسة أو العمل أو الاستثمار الحصول على تأشيرة دخول مسبقة من السفارات السورية.
ويتطلب ذلك تقديم جواز سفر ساري لستة أشهر على الأقل، صور شخصية حديثة، رسوم التأشيرة المحددة حسب الجنسية وعدد مرات الدخول المطلوبة، إضافة إلى تعبئة الاستمارة الإلكترونية.
وبعد تقديم الطلب، يتم دراسة الملف خلال فترة تتراوح بين 10 إلى 60 يوم عمل، وخلال هذه الفترة يمكن لمقدم الطلب متابعة وضعه حصراً مع السفارة، وعند الموافقة، يطلب من صاحب الطلب الحضور إلى السفارة لوضع لصاقة التأشيرة على جواز سفره.
و تجدر الإشارة إلى ضرورة تقديم الطلب مسبقاً، إذ لا يمكن تسريع إجراءات المعالجة أو السماح بالدخول عبر المنافذ الحدودية بدون تأشيرة، كما أن أي محاولة للدخول غير المشروع أو تجاوز مدة الإقامة المسموح بها، قد تعرض صاحبها للمساءلة القانونية وفقاً للقوانين المحلية والدولية.
الحسابات الاقتصادية وراء رفع الرسوم: هل سيكون له عائد حقيقي؟
رغم الجدل السياسي والاجتماعي المصاحب للتعديلات الجديدة، تحمل هذه الخطوة أبعاداً اقتصادية قد تفسر دوافعها.
إذ تشكل زيادة رسوم التأشيرات مصدراً إضافياً للدخل الحكومي، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها سوريا، حيث تعاني من نقص السيولة وشح الموارد.
وتعتمد بعض الدول على رسوم التأشيرات لتمويل السفارات والقنصليات في الخارج، كما أن رفع الأسعار قد يهدف إلى تنظيم تدفق الزوار، عبر التركيز على الفئات القادرة على الإنفاق داخل الاقتصاد المحلي، مما يعزز القطاعات المرتبطة بالخدمات والسياحة.
كذلك، يمكن أن تسهم زيادة التكاليف في تقليل عدد المتقدمين للحصول على التأشيرات، ما يمنح الدولة قدرة أكبر على التحكم في دخول الأفراد، خصوصاً في سياقات إدارة الأزمات أو ضبط الضغط على الموارد المحلية.
من جانب آخر، قد يجذب ارتفاع تكلفة التأشيرات زواراً أكثر قدرة على الإنفاق، مما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد المحلي، حيث تزداد حركة السياحة وتنتعش قطاعات مثل الضيافة والتجارة.
وعلى المستوى الأمني، قد يسهم تضييق شروط الدخول في تقليل الحالات المشبوهة عبر التركيز على المسافرين ذوي الخلفيات الواضحة والمصداقية العالية، مما يعزز الأمن الوطني عبر إجراء فحوصات أكثر دقة للمتقدمين.
كما يمكن النظر إلى رفع رسوم التأشيرات كدليل على استثمار الدولة في تحسين خدماتها السياحية والإدارية، مما يعزز صورتها كوجهة سياحية جاذبة في المستقبل.
ومع ذلك، يبقى هذا البعد الاقتصادي غامضاً في غياب دراسة دقيقة لحجم الإيرادات المتوقعة وتأثير القرار على حركة السياحة والاستثمار.
اقرأ أيضاً: من الجباية إلى العدالة.. المالية تلغي ضريبة البيوع العقارية في حال التراجع عن البيع
مقارنة بدول الجوار: هل توجد تباينات في السياسات؟
على صعيد آخر، تختلف سياسات الدول المجاورة تجاه السوريين، فمثلاً، تبلغ رسوم التأشيرة التركية لمواطنين سوريا 60 دولاراً، بينما تتقاضى بعض المكاتب نحو 105 دولارات تشمل التأمين الصحي والرسوم الأخرى.
أما في الأردن، فتراوح الرسوم بين 40 و120 ديناراً أردنياً حسب نوع التأشيرة، بينما فرض لبنان رسمًا بقيمة 60 دولاراً على فئة معينة من الزائرين.
هذه الاختلافات تطرح تساؤلات حول مدى توافق القرار السوري مع سياسات الجوار، وهل يعتبر انفتاحاً محدوداً أم إعادة تقييم للعلاقات الخارجية تحت ضغوط الداخل.
ردود الفعل والتساؤلات: هل يخدم القرار المصالح الوطنية؟
في ظل عدم صدور تصريح رسمي من الحكومة السورية حول دوافع اتخاذ القرار أو الأهداف المرجوة منه، برزت ردود فعل متباينة.
فبينما رحب البعض به باعتباره “خطوة في إطار المعاملة بالمثل” مع دول كانت تفرض رسوماً باهظة على السوريين، انتقده آخرون باعتباره يأتي في وقت تحتاج فيه سوريا إلى الانفتاح وليس إلى المزيد من التضييق، خاصة في المجال الاقتصادي والسياحي.
والسؤال هو: هل سيساهم هذا القرار في تعزيز الموقف الدبلوماسي أو الاقتصادي لسوريا؟ أم أنه قد يخلق عوائق جديدة أمام التواصل البشري والاقتصادي مع العالم الخارجي؟
في المحصلة، فإن التعديلات الجديدة في نظام التأشيرات السورية، تعد مؤشراً على محاولة الدولة لإعادة تنظيم علاقاتها مع الخارج، لكنها في الوقت ذاته تواجه تحديات داخلية وخارجية تجعل من تقييمها النهائي أمراً يتطلب مزيداً من الوقت والتحليل.