الكاتب: أحمد علي
بظلّ عالم يموج بالصراعات، تطفو على السطح تنظيمات لا تُشبه إلا الفوضى ذاتها، تحمل رايات دينية وشعارات أيديولوجية، لكن جوهرها أبعد ما يكون عن الدين، ونخص في قولنا هنا «داعش».. وتنظيم «داعش» ليس مجرد نتاج لبيئة مضطربة أو فراغ أمني، بل هو مشروع مركّب، تحركه شبكات عابرة للحدود، وتخدمه مصالح إقليمية ودولية. وفي هذا السياق، يظهر من جديد كتهديدٍ موجه ضد الدولة السورية الجديدة بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، ويعلنها هدفاً مباشراً ضمن مشروعه الفوضوي.
داعش تصف حكومة الشرع بـ «العلمانية» وتضعها هدفاً
بحسب مقابلات صحفية أجريت مع عدد من عناصر تنظيم «داعش» داخل سجون قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، يتبيّن أن التنظيم بات يعتبر الدولة السورية الجديدة «دولة علمانية»، ويُوجب قتالها بوصفها «عدواً دينياً» وفق خطابه المتطرف. وفي هذه المقابلات التي أُجريت لأغراض بحثية، اتضح أن خلايا التنظيم تخطط لاختراق الحكومة، وزرع الفوضى في مفاصل الدولة، وشيطنتها إعلامياً لاستقطاب الساخطين، لاسيما من يرون في انفتاح الدولة على الدول العربية والغربية نوعاً من «الخيانة».
داعش ليست ظاهرة طبيعية… بل مشروع مبرمج
ما يثير الانتباه ليس فقط خطاب الكراهية الذي يعتمده التنظيم، بل بنيته التنظيمية التي أُعيد تشكيلها داخل السجون، حيث استفاد من الفساد داخل سجون «قسد»، وتمكّن من تهريب الهواتف، والتواصل مع الخلايا الخارجية، وتنسيق هجمات مثل هجوم سجن الصناعة في الحسكة عام 2022. ووفقاً لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، فإن التنظيم رغم خسائره الجغرافية، لا يزال يمتلك القدرة على العمل من خلال الخلايا الصغيرة والعمليات الخاطفة، في ظل بيئة إقليمية تشهد هشاشة أمنية.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن مثل هذه التنظيمات هي صناعة أجهزة دولية وليست تنظيمات ناشئة بشكل عفوي واعتباطي، وليس أدلّ على ذلك من قول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إحدى أحاديثه، بأن داعش من صنيعة هيلاري كلينتون.
وفي حديثه عن التنظيم، قال الخبير الأمني مارتن ريردون (Martin Reardon) إن «داعش لا يعمل فقط على زرع الخوف، بل يهدف إلى تحطيم البنى النفسية للمجتمعات، مما يخلق أرضية خصبة للتجنيد وخلق الفوضى». ويضيف: «التنظيم يتغذى على الانقسام، وكلما ازدادت الثغرات داخل الأنظمة، اتسعت فرصه».
من جهتها، قالت جيل سانبورن (Jill Sanborn)، وهي مديرة تنفيذية سابقة في FBI NCTC: «الإرهابيون يغتنمون الفوضى التي يعيشها العالم اليوم» مشيرة إلى تزايد العمليات الفردية المستوحاة من التنظيم، لا سيما هجمات «الذئب الوحيد» بسيارات أو عبوات يدوية.
قطع الطريق على البيئة الحاضنة
لا بدّ من الإشارة في هذا السياق، أن منع ولادة بيئة حاضنة للتطرف، لا يتطلب مواجهة عسكرية وأمنية فحسب، بل رؤية شاملة تدمج بين الأمن والفكر والإصلاح. لذلك، على الحكومة السورية الجديدة، اتخاذ خطوات عاجلة لحماية الداخل من تسلل هذا المشروع التخريبي، ومن هذه الخطوات:
- العمل السريع والمكثف على انتشال السوريين من طاحونة الفقر والبطالة، التي تعدّ العامل المسبب الأساسي للاندفاع باتجاهات متطرفة ناقمة على السلطات. وذلك عبر رفع سويتهم المعيشية وضخ طاقاتهم في عجلة العمل الجديدة.
- تفعيل الأجهزة الاستخباراتية لمتابعة نشاط خلايا التنظيم على مساحة سوريا، والتعاون مع الفصائل المحلية والجهات الدولية الراغبة بمواجهة داعش. وفي هذا السياق، يشير تقرير لمركز ICCT إلى أن منع التجنيد يبدأ من تعزيز حضور الدولة في المناطق الريفية، وسد الثغرات الأمنية.
- تبنّي خطاب ديني عقلاني متوازن ومعتدل لمواجهة الفكر المتشدد، وعدم التساهل في التعامل مع الخروقات أو الأخطاء التي تظهر في هذا الإطار، فالفراغ الخطابي الذي تتركه بعض المؤسسات الدينية يُملأ بخطابات متطرفة. لذا، من الضروري إطلاق حملات توعوية وإعلامية، تعتمد على فقهاء عقلانيين، وتقدم الإسلام كدين تسامح ومحبة وإخوة.
- الإدانة المباشرة والصريحة لأعمال الجهات التي تكتسب هذا الطابع الإرهابي بما فيها «داعش»، والوقوف ضدّها بشكل معلن وصريح بما يسمح بتجنيد الشعب ووحدته ضدّها، ويسهل العمليات ضدّها. والانتباه والتمييز ما بين هذه الأعمال الإرهابية التي دائماً ما تكون لها أهداف سياسية، وبين الأعمال الإجرامية التي تعاني منها كل المجتمعات بسوية متفاوتة.
- الالتفات للداخل والسعي لتمتين الجبهة الداخلية عبر مستويات مطلوبة من الشراكة السياسية بعيداً عن الاستئثار.. لأن هذا الأخير يبدو أنه أصبح مدخلاً وثغرة يستغلها أعداء البلد الداخليين والخارجيين للهجوم على السلطات الجديدة وإفشال مشروعها، ولذلك فهو لا يخدّم السلطة والشعب والبلد، بقدر ما يخدّم أعداءهم.
المعركة لم تنتهِ بعد..
ما كشفته المقابلات مع عناصر داعش هو أن التنظيم لم يمت، بل يُعاد تشكيله في الظلال. وسواء اختار اسماً جديداً أو أسلوباً جديداً، فجوهره واحد: نشر الفوضى والانقضاض على الدولة. ولذلك، من الضروري على الحكومة السورية الحالية أن تتحرك، لا على أساس شعارات، بل وفق استراتيجية متعددة الأبعاد، تبدأ من الداخل وتمتد إلى التحالفات. فالمعركة مع داعش لم تنتهِ… بل بدأت من جديد.
اقرأ أيضاً: هل بدأت معارك سوريا الجديدة ضدّ «داعش»؟