سياسة

تخريب معهد الموسيقى الوطني بدمشق..القصة الحقيقية الكاملة

منذ سقوط النظام في الثامن من كانون الأول، تشهد سوريا سلسلة متلاحقة من الأحداث التي تشغل الرأي العام وتثير جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي. فكل يوم يظهر خبر جديد يربك الشارع بين من يصدّق ومن يشكّك، في ظل غياب واضح للمعلومات الدقيقة والمصادر الموثوقة. ومنها ما حدث في معهد الموسيقى الوطني في دمشق.

فقد برزت حادثة تخريب معهد الموسيقى الوطني في دمشق مؤخراً كأحدث القضايا التي أثارت الجدل. فقد فوجئ طلاب المعهد، الواقع ضمن ثانوية جودت الهاشمي، بآثار تكسير داخل المعهد وانتشار صور لمقاعد وأخشاب متكسرة، بحسب ما أوردته صحيفة الوطن.

انتشرت صور الحادثة بسرعة البرق عبر وسائل التواصل، ما فتح الباب أمام موجة من التساؤلات حول ما يجري داخل المعهد، وتعددت التفسيرات بين من اعتبر ما حدث عملاً تخريبياً متعمداً، ومن رآه نتيجة إهمال أو سوء إدارة وسط حالة من الاستياء بين طلاب المعهد وكادره التدريسي الذين فوجئوا بالحادثة.

الرد الحكومي ينفي حادثة تخريب معهد الموسيقى الوطني

بعد انتشار خبر تخريب معهد الموسيقى الوطني في دمشق وما رافقه من جدل واسع على مواقع التواصل، خرجت مديرية التربية بدمشق ببيانٍ رسمي نفت فيه صحة ما تم تداوله، وأكدت أن الصور المنتشرة لا تُظهر عملية تخريب، بل أعمال ترميم كانت تُنفّذ داخل المعهد من قبل متعهد مدني.

وأوضح أحد المسؤولين في المديرية لمنصة تأكد أن الفريق القائم على الترميم ارتكب خطأً غير مقصود خلال عمله، تمثل في هدم جدارٍ فاصل بين المدرسة والمعهد، مما أدى إلى إيقاف العمل مؤقتاً لإعادة البناء وتصحيح الخطأ، وأكدت المديرية أن وزارة التربية على علمٍ بما جرى.

الرواية المتداولة بين التضليل والحقيقة

استدعى الجدل الذي ترافق مع القصة وتضارب الروايات إلى توضيح ما جرى، لذلك خرجت الإعلامية السورية ميريلا أبو شنب، المقيمة في دمشق والعاملة في الموقع الأميركي-السوري No Filter، بفيديو على صفحتها الشخصية توضح فيه تفاصيل القصة.

أبو شنب وصفت الرواية المتداولة بأنها مفبركة ومضللة، مؤكدة أنها تفتقر لأي تدقيق أو تحقيق صحفي حقيقي. وانتقدت الطريقة التي انتشرت بها القصة على نطاق واسع، وتسألت كيف تم تداولها دون التواصل مع إدارة المدرسة أو التحقق من الصور الأصلية، معتبرة أن ما حدث يعكس تسرعاً في النشر وميلاً لتصديق الأسوأ دون دليل واضح.

وفي فيديو لاحق قدّمت أبو شنب ما قالت إنها الرواية الكاملة للحادثة، موضحة أن الخلاف كان بين المتعهد المسؤول عن الترميم وإدارة المعهد، وأن أحد العاملين في المشروع قام ليلاً بالدخول إلى المعهد، وتكسير بعض الحمامات والممر الواصل بينه وبين القاعات الدراسية نتيجة خلافات مع الإدارة. وأضافت أن الآلات الموسيقية لم تتعرض لأي ضرر، وفقاً لما أكده مدير المعهد هيثم أمين والموسيقي محمد عزاوي من المعهد العالي للموسيقى.

وأشارت أبو شنب إلى أنه تم استدعاء الشرطة وتنظيم ضبط رسمي لمتابعة التحقيقات، مؤكدة أن ما حدث لا يُعد عملاً تخريبياً منظماً كما تم تداوله، بل مشكلة تم تضخيمها إعلامياً دون تحقق كافٍ.

شائعات وادعاءات بلا دليل

لعل من أكثر العناصر المثيرة للجدل في الرواية المتداولة على مواقع التواصل، ظهور شخصية وُصفت بأنها “شيخ” قيل إنه أشرف على عملية التخريب بدوافع دينية، ونُسبت إليه تصريحات من نوع “الموسيقى رجس من عمل الشيطان”. لكن الغريب أن هذه المنشورات لم تذكر اسم أو صفة واضحة لهذه الشخصية، ولم تُحدد إلى أي جهة تتبع، مما وضع الرواية في مكان تشكيك واسع.

بينما نفت مديرية التربية بدمشق وجود أي صلة لجهة دينية أو رسمية بالحادثة، مؤكدة أن الجهة المنفذة لأعمال الصيانة هي متعهد مدني، ولا علاقة لها بأي جهة دينية.

ومن خلال متابعة القصة على مواقع التواصل الاجتماعي، تم ملاحظة أن هذه الرواية تكررت في أكثر من ثلاثين صفحة غير إعلامية، وجميعها اعتمدت الأسلوب الدرامي المعتاد في الشائعات الرقمية التي تُنسخ وتُنشر على نطاق واسع دون التحقق منها أو وجود مصدر موثوق.

في النهاية تكشف هذه الحادثة، الاضطراب الكبير الذي تعيشه المجتمعات السورية نتيجة التحولات السياسية الحاصلة، وكيف تتحول أعمال يومية ربما لم نكن نلحظها في السابق إلى حدث إعلامي يتبنى السيناريوهات السيئة قبل التأكد من صحتها.

اقرأ أيضاً: الآثار السورية: مسيرة طويلة من التهريب والتخريب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى