سياسة

تبديل العملة في سوريا: هل يغفل وزير الاقتصاد الفرق بين مهلتي السحب والتبديل؟!

الكاتب: أحمد علي

عاد الجدل حول تبديل العملة في سوريا إلى الواجهة بعد إطلالة حاكم مصرف سوريا المركزي عبر “العربية”، وحديثه عن تعايشٍ لخمس سنوات بين الإصدارات القديمة والجديدة. الجدل لم يكن محصوراً في الشكل والهوية البصرية، بل امتد إلى قلب الموضوع: ما الذي يقوله القانون؟ كيف تُنفَّذ العملية زمنياً؟ وما أثرها على التضخم والثقة المصرفية؟ هنا قراءةٌ تُقارب النصوص الرسمية كما تُقارب نبض السوق، وتجمع آراء خبراء سوريين يختلفون في التفاصيل ويلتقون عند ضرورة المصارحة بالأرقام.

تبديل العملة في سوريا: فرق قانوني حاسم بين “مهلة السحب” و“مهلة التبديل”

في تعليقها على الأمر، أوضحت الدكتورة رشا سيروب نقطة مفصلية أغفلها كثيرون عند سماع عبارة “خمس سنوات”: القانون يميّز بين مرحلتين لا ينبغي الخلط بينهما. “مهلة السحب” هي النافذة الزمنية التي تُعلن بمرسوم لسحب فئة أو أكثر من التداول مع إبقاء قوتها الإبرائية طوال هذه المهلة (أي أنها قانونية في كل المعاملات)؛ وبحسب قانون النقد الأساسي رقم 23 لعام 2002، لا يجوز أن تقلّ عن ثلاثة أشهر (إلا لضرورة قصوى لا تقلّ عن سبعة أيام). بعد نهاية هذه المهلة، تفقد الأوراق المسحوبة قوّتها الإبرائية ولا يجوز استعمالها في المعاملات.

أمّا “مهلة التبديل” فهي الخمس سنوات التي يلتزم خلالها المصرف المركزي بتسديد قيمة الأوراق المسحوبة لمن يُحضرها خلال تلك الفترة؛ وهي ليست فترة تعايش للتداول، بل مهلة استحقاق لاسترداد القيمة من شبابيك المصرف المركزي. هكذا يضع القانون حدوداً واضحة بين زمن الاستخدام وزمن الاسترداد المالي.

لماذا أثارت “خمس سنوات” مخاوف تضخمية؟

حين يُفهم حديث الخمس سنوات على أنه تعايشٌ طويل لتداول ورقتين معاً، ينشأ هاجسٌ تضخمي مشروع: أي ضخٍّ إضافي للكتلة النقدية دون امتصاصٍ مقابل قد يعني ضغطاً جديداً على الأسعار. هذا ما نبّهت إليه سيروب، مطالبةً بخطاب رقمي يشرح كيف ستُدار الكتلة النقدية، وما أدوات التعقيم النقدي التي ستستخدم لتفادي أثرٍ تضخمي متأتٍ من بقاء أوراق قديمة وجديدة جنباً إلى جنب.

وفي المقابل، حملت مقابلة الحاكم على “العربية” رسائل طمأنة بشأن آلية الاستبدال والجدول الزمني ومصدر الطباعة، لكن فجوة التوضيح القانوني بقيت سبباً لالتباسٍ سهل الانتشار في الفضاء العام. وهنا تتقدّم الحاجة إلى بيانٍ إجرائي مفصّل يربط تصريح الإعلام بنصّ القانون، ويُظهر مراحل السحب، ثم أمد الاسترداد، وأدوات ضبط السيولة أثناء العملية.

آراء الخبراء: بين الحذر الإصلاحي وواقعية السوق!

وخارج ثنائية “مع أو ضد”، يذهب عدد من الخبراء السوريين إلى مقارباتٍ أكثر تركيباً. إذ يرى الدكتور كرم شعار أن حذف الأصفار أو تغيير الشكل لا يعالج جذور الاختلال النقدي ما لم يَسبقه إصلاحٌ مالي ونقدي وانضباط في السعر الموازي وتوحيد قنوات التحويل؛ وإلا تحول الإجراء إلى معالجة شكلية لا تلامس جوهر التضخم. ويُضيف شعار أن التعقيدات اللوجستية لعملية الاستبدال تفرض خططاً دقيقة وتواصلاً عاماً منظَّماً.

وهذا الموقف لا يرفض تبديل العملة في سوريا من حيث المبدأ، لكنه يقيّده بسلسلة شروط تمهيدية تجعل الورقة انعكاساً لواقعٍ أقوى لا قناعاً يجمّل الواقع القائم.

ومن زاويةٍ قريبة، يحذّر الدكتور فراس شعبو من أن حذف الأصفار “لا يغيّر جوهر المشكلة” ما لم تُدعَم العملية بسياسة نقدية منضبطة واحتياطيات كافية وتنسيق مالي-نقدي صادق. فالثقة لا تُبنى على الورق، كما يقول، بل على الإنتاج والتصدير وضبط الواردات والمالية العامة. لذلك يقترح أن يكون التبديل خاتمة مسار إصلاحي لا بدايته، حتى لا يغدو التبديل خطوة تجميلية فوق اقتصاد لم يبرأ بعد من علله البنيوية.

أما الدكتور شفيق عربش، فيضع إصبعه على “الصراع مع الدولار” بوصفه خطأً استراتيجياً طالما ظل الإنتاج ضعيفاً، محذّراً من وهم الحلول التقنية السريعة مثل العملة الرقمية أو حذف الأصفار بمعزل عن زيادة العرض الحقيقي من السلع والخدمات. ووفق هذا المنطق، لا تكفي إدارة شكل النقد أو عدد أصفاره، بل لا بد من إدارة القدرة الشرائية الفعلية للمواطن عبر سياسات إنتاجية ومالية متوازنة.

وعلى الضفة الواقعية اليومية، يظهر رأيٌ أقدم لأستاذ الاقتصاد عابد فضلية يدعو لطباعة فئاتٍ أعلى لتسهيل المعاملات وتقليل الكلف التشغيلية المرتبطة بعدّ النقد ونقله، مع إقراره بأن ذلك لا يُطفئ جذوة التضخم وحده.

هذه المقاربة “التيسيرية” تعترف بأن تبديل العملة في سوريا قد يحقق فوائد إجرائية فورية إذا حُسن تصميمه، لكنها تشترط توازنه مع أدوات كبحٍ تضخمي وسياسات عرضٍ أوسع.

ما الذي يعنيه القانون عملياً لمواعيد السحب والتداول؟

تؤكد المواد 19 و20 من قانون النقد الأساسي أن سحب أي فئة أو تبديلها يقرَّر بمرسوم بناء على توصية مجلس النقد والتسليف، وأن مهلة التبديل المحددة في المرسوم لا يجوز أن تقلّ عن ثلاثة أشهر، مع إبقاء الأوراق المسحوبة قانونية الإبراء طوال هذه المهلة.

عند انتهائها، تُرفع القوة الإبرائية نهائياً، ويظل للمواطن خمس سنوات يراجع خلالها المصرف المركزي لاستبدال أوراقه غير المتداولة. هذا التصميم يمنح السلطة النقدية مرونةً إدارةً ووضوحاً للمكلَّف، ويمنح الجمهور أماناً زمنياً لاسترداد القيمة. لكنه، في الوقت نفسه، يُعرّي الحاجة إلى خطابٍ رسمي يفسّر الفارق بجلاء حتى لا تتحوّل “الخمس سنوات” إلى عنوانِ تداولٍ موازٍ غير مقصود.

التضخم والكتلة النقدية: من أين يأتي الخطر وكيف يُدار؟

أخطر ما في عمليات التبديل ليس الطباعة بحد ذاتها، بل ما إذا كانت الكتلة الجديدة ستُضاف إلى كتلة قائمة دون امتصاص، فتتسع السيولة الأسمية على حساب القوة الشرائية الحقيقية. عندها يصبح رفع أسعار الطاقة وتكاليف الإنتاج سبباً ثانياً يضاعف الأثر النقدي لسنوات التعايش.

وهنا تتبدّى أدوات التعقيم: إلزام جزء من السيولة الجديدة بالعودة عبر قنوات مصرفية، تقييد تنامي الائتمان الاستهلاكي غير المنتج، إطلاق أدوات ادخارية بخيارات عائدٍ واقعية، وتوسيع قاعدة الإيرادات العامة دون إرهاق النشاط الحقيقي. فمن دون ذلك، قد تتحول عملية تبديل العملة في سوريا إلى محفّزٍ إضافي للتضخم بدل أن تكون خطوة نحو استقرارٍ نقدي.

ما الذي يمكن أن تكسبه السوق إذا أُحسن التنفيذ؟

تجارب الدول في التبديل تُظهر مكاسب عملية مهمّة حين تترافق العملية مع إدارة صارمة للسيولة وتواصل عام واضح: تقليص اقتصاد الظل عبر إلزام الكتل النقدية الكبيرة بالعبور في النظام المصرفي، تسهيل المحاسبة والجباية بتقليل الأصفار، وتخفيف كلف العدّ والنقل على الشركات والمتاجر.

في المقابلات والحوارات التلفزيونية، طُرحت فكرة استخدام عملية التبديل لضبط النقد المتداول خارج القنوات الرسمية، وهي ميزة محتملة إذا صُمّمت آليات الإفصاح والحدود النقدية بتوازن يمنع هروب السيولة إلى بدائل محفوفة بالمخاطر.

شروط النجاح

لأن النقد مرآةُ الاقتصاد، فإن نجاح تبديل العملة في سوريا يحتاج إلى حزمةٍ متزامنة لا تسلسلاً متراخياً: استقلاليةٌ عملية لمصرف سوريا المركزي في تفاصيل التنفيذ تحت سقف القانون؛ حملة تواصل عامة تشرح جدول السحب والتبديل وخطوات المواطن يوماً بيوم؛ أدوات تعقيم تمتصّ السيولة الزائدة قبل أن تشعل الأسعار؛ ضبطٌ للإنفاق العام وإصلاحات ضريبية توسّع القاعدة بدلاً من رفع المعدلات؛ وتوحيد مسارات سعر الصرف قدر الإمكان مع تحسين تنافسية المنتج المحلي. عندها فقط تتراجع الفجوة بين النص والواقع، ويتحول التبديل من حدثٍ نقدي إلى خطوةٍ في مسار استعادة الثقة.

بين ورقةٍ جديدة وذاكرة قديمة

ختاماً، لا نكشف مستوراً إنْ قلنا إنّ الناس لا يثقون بالأحبار، بل بالسياسات التي تحمي مدخراتهم وقدرتهم الشرائية. وإذا كان خطاب الدكتورة رشا سيروب قد نبّه إلى الفارق القانوني بين مهلة السحب ومهلة التبديل، فإن أصوات خبراء سوريين آخرين ذكّرت بأن الإجراء النقدي، مهما كان مُحكماً، لا يصنع الاستقرار بمفرده. فالاستقرار يُصنع حين يتكامل القانون مع الشفافية، والتنفيذ مع التعقيم، والورقة مع الإنتاج. وهكذا يمكن لعملية تبديل العملة في سوريا أن تكون بداية قصة اطمئنان، لا فصلاً جديداً في ذاكرة القلق.

اقرأ أيضاً: هل طباعة العملة حل للأزمة الاقتصادية السورية؟

اقرأ أيضاً: قراءة راهنة لمشهد الفوسفات السوري: حجمه وخرائطه وتاريخه الاستثماري؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى