اعتدنا على أنّ بلادنا تنتج الأحزان أكثر مما تنتج من اللاعبين الناجحين، لكن رغم ذلك لمع اسم بيان المبيض، الشابة القادمة من محافظة حمص، كلاعبة كرة قدم تحاول أن تصنع لنفسها مساراً في فضاء يكاد يخلو من المسارات. كانت بيان تلعب في مركز الجناح الأيسر، ذاك الموقع الذي يتطلب ذكاءً ميدانياً وسرعة قرار أكثر مما يتطلب عضلات.
من نادي محافظة حمص، بدأت بيان المبيض تكتب سطرها الأول في دفتر الكرة النسائية السورية. فظهرت في مباريات الدوري المحلي، وسجّلت أهدافاً حاسمة، بينها هدف جميل في مرمى جرمانا، قبل أن تُستدعى إلى معسكرات منتخب الشابات، ومن ثم إلى التشكيلة الأساسية للمنتخب الأول المشارك في بطولة غرب آسيا.
ورغم أن رصيدها من الألقاب لا يزال متواضعاً، إلا أنّ مجرد وصولها إلى المنتخب في ظل الإمكانيات المتاحة يعدّ بحد ذاته إنجازاً كبيراً.
بيان المبيض… في مرآة اللاعبات العالميات
من يشاهد طريقة لعب بيان لا يخطئ ملامح من النجمات العالميات: انطلاقاتها الجانبية تذكّر بفران كيربي Fran Kirby، الإنكليزية التي تُتقن التسلل بين الخطوط. لمساتها الأخيرة فيها من حدة أليكس مورغان الأمريكية Alex Morgan، فيما يشبه أسلوبها أحياناً جرأة كولومبيّة مدريد ليندا كايسيدو Linda Caicedo.
لكن الفرق واضح: اللاعبات المحترفات يُصقلن في أكاديميات مزوّدة بالمعدّات، والمدربين، والمحللين، بينما شقّت بيان طريقها في ملاعب بدائية، بلا دعم طبي أو فني يذكر، وضمن دوري يفتقر حتى إلى أرشيف مرئي.
ربّما لو أُتيحت لها البيئة المناسبة، لكان عليها أن:
-
تطوّر اللعب بقدمها غير المفضلة،
-
تدرس التحرك دون كرة كما يفعل المحترفون،
-
تركّز على الرؤية التكتيكية لا فقط المهارات الفردية،
-
وتدخل في برامج بدنية منظمة تضمن الجاهزية طوال الموسم.
الحريق الذي لا علاقة له بالمباراة
لكن، في 26 حزيران 2025، تغيّر كل شيء فجأة. لم يكن في مباراة، ولا في تدريب. بل في لحظة عابرة لا يمكن التنبؤ بها، حين انفجرت جرة غاز في منزلها، وأصيبت بحروق شديدة.
جسد بيان لم يعد كما كان بالتأكيد، لكنها لا تزال لاعبة لا تستسلم.
أطلقت بعض الصفحات نداءات للتضامن، وتحدثت تقارير من وزارة الرياضة والشباب عن اهتمام رسمي، حيث جاء في البيان:
«وزارة الرياضة والشباب تتمنى الشفاء العاجل للاعبة منتخب سوريا لكرة القدم بيان المبيض.
ما زالت وزارة الرياضة والشباب تتابع الحالة الصحية للاعبة منتخب سورية “بيان المبيض”، التي أُصيبت بجروح خطيرة إثر انفجار جرة غاز في منزلها، ونُقلت إلى تركيا لتلقي العلاج.
وزير الرياضة يتابع شخصياً تطورات وضعها الصحي، موجّهاً بتقديم الرعاية والدعم الكاملين، والتنسيق مع عائلتها والفريق الطبي لضمان تلبية احتياجاتها.
وتتمنى الوزارة الشفاء العاجل لبيان والعودة للوطن بصحة جيدة».
لكن الغياب الإعلامي عن تفاصيل إصابتها، والرعاية المحدودة، تكشف هشاشة الواقع الرياضي الذي تعيشه المواهب النسائية السورية.
ما بين الاحتراق والاحتمال
اليوم، لا نعرف إن كانت بيان ستعود إلى الملاعب. لكن من نجا من نار الحرب، ومن تخطّى عتمة الإهمال، قد يقدر على العودة. فالجناح الذي عرف الطيران، لا ينسى السماء بسهولة.
عسى أن نعود ونشاهد بيان مع المنتخب من جديد. لكن علينا كمجتمع رياضي أن نتعلم أيضاً أن نحفظ أسماء من يتألّقون في الظلال.
اقرأ أيضاً: انفتاح اقتصادي متسارع بين سوريا وتركيا: مصالح مشتركة في جهود إعادة الإعمار
اقرأ أيضاً: صناعة الأدوية في سوريا من أزمات الحرب إلى بوادر الانفتاح.. هل ستنتعش قريباً؟