منذ سقوط النظام، تتسابق المشاريع الاقتصادية، ولا سيما الخليجية، فمعظم هذه المشاريع يملكها ويموّلها مستثمرون خليجيون مدفوعون بأسباب إنسانية واقتصادية لإعادة إعمار سوريا، بلد الحضارة والتاريخ، نحو المدن السورية كافة لتحويل معالمها المهدمة والعشوائية إلى مشاريع تتماشى مع الحداثة والتطور الحاصل في البلدان. من بين هذه المشاريع، يبرز مشروع “بوليفارد النصر” في مدينة حمص، الذي غمرت إعلاناته الطرقات معلنة قرب بدء تنفيذه.
“بوليفارد النصر” هو أحد المشاريع الاقتصادية التابعة لرجل الأعمال السوري-الخليجي، رفاعي الحمادة، بهدف تحويل آثار الحرب في عدة مناطق إلى مجمّع عقاري حديث، يضم شققاً سكنية، ومحال تجارية، ومرافق ترفيهية، ويمتد المشروع من شارع نزار قباني إلى حي الميماس، وصولاً إلى سوق الهال وحي القرابيص في حمص القديمة، وتُقدر قيمة المشروع بـ 400 مليون دولار.
بوليفارد النصر…اعتراضات وإشكاليات قانونية حول الملكية
من بعيد، يبدو المشروع مذهلاً ويُلبي تطلعات السوريين ببناء مدينة عصرية والخروج من آثار الحرب بسرعة معقولة، إذ يُتوقع أن يُستكمل خلال خمس سنوات فقط من تاريخ إعلان البدء بتنفيذه.
لكن، واجه المشروع اعتراضات من جهات عدّة، ولكل جهة أسبابها. من أبرز هذه الاعتراضات، موقع المشروع، إذ تم اختيار مناطق لم تتعرض للقصف أو التدمير، وما زالت بحالة جيدة، مثل سوق الهال وشارع نزار قباني وحي الميماس، في حين أن الدمار طال مناطق أخرى ضمن حي القرابيص.
ويتساءل البعض: هل من المنطقي هدم مناطق سليمة لإقامة مشروع، وتجاهل أحياء مدمّرة بشدة كـبابا عمرو، والبياضة، والخالدية؟
كما أن من بين الاعتراضات ما يتعلّق بـأراضي المشروع، إذ إنها مستملكة للدولة منذ عهد النظام السابق، ولم يتم تعويض أصحابها، وبعضها موضع نزاع قانوني. آلية التعويض لهذه الأراضي غير واضحة حتى الآن، فبحسب إحدى المصادر الإعلامية سيتم تعويض من يملك أوراق ثبوتية بعقاره بعد 2011، أما من تم استملاك أرضه قبل 2011 من المفترض أنه قبض تعويض من النظام السوري وبالتالي لن يكون لدى المواطن حق بالمطالبة بثمن أرضه مما يفتح الباب لجملة من الطعون القانونية المتوقعة.
أما بالنسبة لأصحاب البيوت المهدّمة في حي القرابيص، فسيتم تعويضهم إما بمنازل مماثلة من حيث الموقع والمواصفات، أو بمبالغ مالية توازي قيمة عقاراتهم، مع الإبقاء على تصنيف “حديقة القرابيص” كحديقة ضمن المشروع.
حتى الآن، لم يصدر أي تعليق رسمي من الجهات المعنية في حمص، سواء على الصعيد القانوني أو الإعلامي، ما يزيد من قلق المواطنين المتأثرين بالمشروع، ويثير الكثير من التساؤلات حول مستقبله.
اقرأ أيضاً: برج إسلام: لوحة خيالية هاربة من عالم الحكايات!
هل هذا المشروع للمواطن البسيط أم للنخبة؟
يتساءل أحد سكان حي القرابيص: هل ستتناسب هذه المشاريع الضخمة والحديثة مع المهجّرين الفقراء، أم ستكون حكراً على طبقة أغنياء حمص والمتنفذين فيها؟
ويُكمل حديثه قائلاً: “نحن أبناء حي القرابيص نرغب في العودة إلى منازلنا، ومن أراد الإعمار، فليبدأ من الأحياء الفقيرة والمهدّمة، قبل الحديث عن الحداثة وتحسين وجه المدينة ومعالمها”.
وأضاف قائلاً: “هذه المشاريع تُذكّرنا بنفس فكرة ‘حلم حمص’ الذي أطلقه محافظ حمص السابق، إياد غزال، في عهد النظام، حيث طُرحت مشاريع اقتصادية وسكنية فخمة، لكن وسط غياب الشعب والناس البسطاء”.
وفقاً لأحد التقارير المتعلقة بمشروع بوليفارد النصر، فإن الشقق السكنية فيه ستكون مناسبة لذوي الدخل المحدود، مع إمكانية التقسيط لمدة تصل إلى عشر سنوات وتسهيلات لذوي الشهداء، كما أُشير إلى أن المشروع سيوفر فرص عمل لما يقارب ستة آلاف مواطن.
من هو رجل الأعمال رفاعي الحمادة
يُعدّ رجل الأعمال السوري الخليجي، رفاعي الحمادة، أحد أبرز عرّابي إعادة الإعمار في سوريا، ولا سيما في مدينة حمص التي ينحدر منها. ويشغل الحمادة منصب المدير التنفيذي وصاحب “مجموعة حمادة القابضة”، التي تُعد من أبرز مجموعات العمل السعودية في مجالات الإنشاءات والهندسة والتصميم الداخلي، سواء في المملكة العربية السعودية أو على مستوى منطقة الخليج. كما تمتلك المجموعة فروعاً في عشر دول حول العالم.
وفي سياق الجهود المبذولة لإعادة الإعمار، عقد الحمادة اجتماعاً مع محافظ دمشق، ماهر مروان، ومحافظ حمص، الدكتور عبد الرحمن الأعمى، لبحث سبل إعادة إعمار مختلف المحافظات السورية. وقد حضر الاجتماع وفد من شركة “هيسكو”، الذراع الإنشائي للمجموعة، والتي نفّذت عشرات المشاريع الكبرى في عدد من دول المنطقة والعالم، ويعمل ضمن كوادرها ما يقارب ألفي موظف.
والجدير بالذكر أن المعلومات السابقة لم تُذكر من قبل شركة العمران للتطوير العقاري، التابعة لرجل الأعمال رفاعي الحمادي، ولم تصدر عن جهة حكومية أو رسمية أيضاً، بل تمّ تداول معظم هذه المعلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتقارير تلفزيونية، ويُقال إن الإعلان الرسمي عن المشروع سيتم خلال الأيام القليلة القادمة، وذلك في مؤتمر صحفي سيتم خلاله الكشف عن كافة التفاصيل.
اقرأ أيضاً: برج ترامب في دمشق هل يتحول القول إلى فعل؟