المناطق الحرة من أهم حواضن الاستثمار في سوريا، يرجع ذلك للمزايا التي تتمتع بها، و ما تحتويه من استثمارات قائمة وقدرتها على استقطاب استثمارات جديدة. الهدف من هذه المناطق هو تشجيع خدمة الترانزيت والتبادل التجاري، إضافة لإقامة الصناعات التصديرية التي تتكامل مع الصناعات المحلية وهذا بدوره عامل مهم في توطين التكنلوجيا وتوفير فرص للعمل إلى جانب تعظيم الموارد من النقد الأجنبي، وقد عادت هذه المناطق لتصدر المشهد الاقتصادي في سوريا فما النتائج التي يمكن أن تحققها، وأين تتوزع؟ وما حجم إيراداتها؟
نشاط تلك المناطق متوزع على محاور متعددة، من أهمها الاستيراد وإعادة التصدير، إلى جانب التخزين والتصنيع الخفيف، حيث تسمح للمستثمرين بامتلاك المشاريع مع تشغيل الأيدي العاملة السورية والأجنبية، مع إمكانية تحويل الأرباح بشكل حر للخارج.
المناطق الحرة في سوريا ترسم المشهد الاقتصادي، وأين تتوزع؟
مع إعلان الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية فتح باب التسجيل على فرص استثمارية جديدة في ثماني مناطق حرة متوزعة على مواقع استراتيجية في البلاد، عادت المناطق الحرة لتتصدر المشهد الاقتصادي في سوريا.
هذا التطور أتى في ظل مساعٍ حكومية لتحفيز عجلة الاستثمار ودفعها للأمام، وخلق بيئة أكثر مرونة لاستقطاب رؤوس الأموال المحلية والخارجية، يأتي ذلك بعد سنوات من التراجع الكبير والانحدار الذي شهدته هذه المناطق تبعاً لظروف الحرب.
إلى جانب كونها ركيزة هامة في البنية الاقتصادية السورية، فهي مصممة لتكون نقاط جذب للتجارة والخدمات والصناعة على حدٍ سواء، يرجع ذلك لبوتقة واسعه التسهيلات الجمركية والإدارية، هذه المناطق تعفى من معظم القيود المالية والتنظيمية، ما يجعلها مساحة مفتوحة ومحفزة للأنشطة الاستثمارية التي تحتاج إلى أطر قانونية مرنة وبيئة منخفضة التكاليف.
وهذه المناطق، شكلت نقاط التقاء مهمة بين الأسواق الإقليمية والدولية، وجذبت مستثمرين من دول عربية وأجنبية عبر السنوات الفائتة، لا سيما في قطاعات السيارات، المواد الغذائية، والصناعات التحويلية، إلا أن ارتباط بعضها خلال تلك السنوات بشبكات مصالح ضيقة تتبع للنظام السابق، ما انعكس سلباً على شفافيتها وأدائها.
وفي نيسان الماضي أعلنت هيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية عن فتح باب التسجيل على الفرص الاستثمارية في المناطق الحرة داخل الجمهورية العربية السورية، في المناطق الحرة التالية: دمشق، مطار دمشق الدولي، عدرا، حسياء، حلب (المسلمية)، الداخلية في اللاذقية، المرفئية في اللاذقية، المرفئية في طرطوس.
كما دعت الهيئة المستثمرين الراغبين في التسجيل إلى مراجعة المنطقة الحرة المراد الاستثمار بها، وذلك اعتباراً من 2025/04/27م.
وأوضح مازن علوش، مدير العلاقات المحلية والدولية في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، أن هذه المناطق قد صُممت لتكون بيئة محفزة للتجارة والاستثمار، من خلال عرض حزمة من التسهيلات المتعلقة بالضرائب والجمارك والإجراءات الإدارية، وأضاف أنها تتيح استيراد المواد الخام والسلع وتصديرها، وحتى تصنيعها دون أن تخضع للضرائب التقليدية المفروضة في بقية أنحاء البلاد، ما يجعلها وجهة مفضلة لدى العديد من المستثمرين، وأشار إلى وجود مناطق حرة أخرى خارج سيطرة الحكومة حالياً، مثل المنطقة الحرة في اليعربية الواقعة على الحدود العراقية.
أما المستفيدين من فرص الاستثمار المعلنة، فشدد علوش على أن الباب مفتوح أمام المستثمرين السوريين وغير السوريين، وسيحصل الجميع على التسهيلات ذاتها، لكن مع الالتزام بالإجراءات القانونية لتسجيل الشركات والمشاريع وفق القوانين المعمول بها داخل الأراضي السورية.
والمناطق الحرة الحالية تشمل ثماني مناطق رئيسية، وهي: المنطقة الحرة في دمشق، المنطقة الحرة في مطار دمشق الدولي ،المنطقة الحرة في عدرا (قرب دمشق)، المنطقة الحرة في حسياء (قرب حمص)، المنطقة الحرة في حلب (المسلمية)، المنطقة الحرة في اللاذقية (المنطقة المرفئية)، المنطقة الحرة الداخلية في اللاذقية، ومنطقة حرة في طرطوس.
اقرأ أيضاً: الحكومة السورية تقرر نقل المنطقة الحرة بدمشق إلى المعضمية خلال 5 سنوات
إيرادات المناطق الحرة في سوريا في أعوام مختلفة
رغم عدم توفر معلومات دقيقة بشكل نهائي ورسمي، إلا أن إيرادات شركة المنطقة الحرة السورية الأردنية قد ارتفعت خلال الربع الأول من 2025 بنسبة 780% مقارنةً بإيرادات الربع الأول من العام السابق، كما أظهر تقرير إيرادات الشركة وجود إقبال كبير من المستثمرين على الاستثمار في المنطقة الحرة، حيث وقّعت الشركة نحو 80 عقداً استثمارياً خلال الربع الأول من العام الجاري، ذلك حسب وكالة الأنباء الأردنية بترا.
أما في العام 2024 أعلنت المؤسسة العامة للمناطق الحرة في سورية حصول تطور لافت وقفزة نوعية في إيراداتها، حيث وصلت إلى نحو 226.83 مليار ليرة سورية، وهو ما يعادل زيادة ضخمة بنسبة 437% مقارنة بنفس الفترة من العام 2023.
وبالنسبة لحركة البضائع، فقد سجلت ارتفاع مشهود، حيث بلغت قيمة البضائع والآليات المستوردة إلى المناطق الحرة حوالي 1.461 مليار ليرة، مما يمثل زيادة بنسبة 395% مقارنة بالعام 2023.
كما وصلت قيمة البضائع والآليات المصدرة إلى 1.709 مليار ليرة، بزيادة قدرها 349%، أما الرسوم الجمركية، سجلت ارتفاع بإيراداتها المحصّلة لصالح مديرية الجمارك العامة في سورية إلى 171 مليار ليرة سورية، مسجلة بذلك زيادة بنسبة 388%.
كما ازداد عدد العاملين في المنشآت المستثمرة داخل المناطق الحرة ليصل إلى 5,549 عاملاً، بزيادة قدرها 542 عاملاً عن العام 2023، ما عكس نمو اً مستمراً في النشاط الاستثماري داخل تلك المناطق.
أما العام 2023 فقد كان مثمراً، حيث سجلت الإيرادات الإجمالية للمؤسسة العامة للمناطق الحرة مبلغاً وقدره /268.28/ مليار ليرة، والرسوم الجمركية المستوفاة خلال هذا العام بلغت /78016/ مليون ليرة، وفيما يخص المستثمرين فقد بلغ عددهم 682 مستثمراً، ورأس المال المستثمر /386.24/ مليون دولار.
وبالنسبة للعمالة، بلغ عدد العاملين في المنشآت المستثمرة /5630/ عاملاً علماً أن قيمة البضائع والآليات المستوردة إلى هذه المناطق /859.11/ مليار ليرة، وقيمة البضائع والآليات المصدّرة من المناطق الحرة /797.64/ مليار ليرة.
اقرأ أيضاً: الموانئ الجافة: نقطة انطلاق قوية لتعزيز الاقتصاد السوري
الجهود المبذولة لتحسين تلك المناطق
في أيار الماضي، أعلن من قبل الجانب السوري عن توقيع مذكرة تفاهم مع شركة موانئ دبي العالمية (دي بي ورلد) بقيمة 800 مليون دولار أميركي، وذلك لتطوير وإدارة وتشغيل محطة متعددة الأغراض في ميناء طرطوس.
وتنص المذكرة على العمل المشترك لتأسيس مناطق صناعية ومناطق حرة، إلى جانب إنشاء موانئ جافة ومحطات عبور للبضائع في عدد من المناطق الاستراتيجية داخل الأراضي السورية، هذا ما يفتح آفق واسعة للاستثمار، ويبرز الحضور الاقتصادي لسوريا على خارطة التجارة الإقليمية والدولية.
كذلك وقعت سوريا مذكرة تفاهم استراتيجية مع شركة CMA CGM العالمية الرائدة في مجال النقل البحري والخدمات اللوجستية، من أجل إنشاء وتشغيل موانئ جافة في كل من المنطقة الحرة السورية الأردنية المشتركة، والمنطقة الحرة في عدرا بريف دمشق، وهذه الخطوة تأتي ضمن رؤية الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية لتطوير البنية التحتية اللوجستية، مع إعادة تأهيل دور المناطق الحرة وإبرازها كمراكز محورية للتجارة الإقليمية، ذلك عبر ربطها بشبكات النقل البحري والبري الدولية ما يحقق تكامل وترابط بين المرافئ والموانئ الجافة، ما ينعكس على حركة البضائع ويسرعها وبالتالي يخفض التكاليف.
كما تم من قبل الهيئة توقيع مذكرة تفاهم استراتيجية مع شركة Fidi Contracting الصينية، نصت على منح الشركة حق استثمار كامل المنطقة الحرة في حسياء بمحافظة حمص، بمساحة تُقدّر بنحو 850 ألف متر مربع، بغية إنشاء منطقة صناعية متكاملة تحتوي على مصانع متخصصة ومنشآت إنتاجية.
مذكرة التفاهم شملت منح الشركة الصينية حق استثمار 300 ألف متر مربع من المنطقة الحرة في عدرا بمحافظة ريف دمشق، لترسيخ مشاريع تجارية وخدمية تواكب متطلبات السوق المحلي والإقليمي، مدة العقد تبلغ عشرين عاماً، لكن على الشركة المستثمرة أن تلتزم بتنفيذ مراحل المشروع حسب جدول زمني محدد، ما يحقق الجدوى الاقتصادية ويفعل دور المناطق الحرة كنقطة جذب للاستثمارات الأجنبية المباشرة ومحرك للتنمية الاقتصادية.
ختاماً، تشكل المناطق الحرة متنفساً للاقتصاد في سويا، فهي حواضن للاستثمار المحلي و الأجنبي، فبفعلها تتعزز مكانة سوريا على الساحة الاقتصادية العالمية، ما ينعكس على اقتصادها الداخلي، ويفعل دور الأيدي العاملة السورية ويستقطب أيدي عاملة أجنبية مما يحرك السوق الاقتصادية السورية بمختلف آفاقها، بعد أن عانت من ركود طويل تبعاً للأزمة السورية وما خلفته.
اقرأ أيضاً: سوريا تحدد رسوم عبور «ترانزيت» جديدة على الشاحنات بدءاً من نيسانط
