المسلسلات القصيرة ضيفة خجولة في دار الدراما السورية، في ظل التطورات السريعة في العالم الفني وتحديداً صناعة الدراما، ظهر نوع جديد من المسلسلات يتسم بالمدة الزمنية القصيرة أي تتراوح حلقاته بين 10-15 حلقة في أغلب الأحيان، هذا النمط من الدراما يتسم باختصاره للمحتوى الدرامي إلى جانب تركيزه عليه وعلى سياق الأحداث، أكثر من حَشو المَشاهد وإطالة مدة العرض فقط لتعبئة الهواء على التلفزيون أو إبقاء نسب المشاهدات مرتفعة على منصات عرض الدراما.
هل عمر المسلسلات القصيرة في الدراما السورية قصير؟ أم وجودها مازال خجول ومهملة لأنها تغرد خارج نطاق الفكر الدرامي السوري المعهود؟ وهل هي غائبة أم مغيبة؟ أسئلة عديدة سنبحث عن إجابات لها في هذا المقال.
تاريخ المسلسلات القصيرة في سوريا
الكثير يعتقد أنها حديثة العهد على المشهد الدراما السوري، لكن الحكاية مختلفة كلياً، فهذه المسلسلات ليست وليدة السنوات الأخيرة، فأغلب المسلسلات التي تم إنتاجها في ثمانينيات القرن الماضي كانت تقتصر على 15 حلقة كحد أقصى لها.
لكن الفكر الدرامي السوري نجح في صبغ طابع المسلسلات الطويلة ذات ال 30 حلقة على الدراما السورية، ونجح في توليف فكر المشاهد وبرمجته على أن الدراما السورية تعني أحداث متتالية عبر حلقات طويلة تمتد لشهر وربما أكثر من العرض.
وترجع تلك الصبغة الدرامية ومجاراة صناع الدراما في سورية لها، إلى دخول الإنتاج السوري في فورة المنافسة العربية ومضمارها ضمن سباق التربع على عرش الدراما العربية، وارتباط عرض المسلسلات في شهر رمضان الذي بات موسماً لتلك المنافسة، فأضحى فرضاً على شركات الانتاج تقديم مسلسلات من 30 حلقة ولو كان على حساب ضعف الحبكة وغياب السرد التشويقي مع تتالي مدة العرض.
وقد شهد العام 2021 ظهور كبير للمسلسلات السورية القصيرة، يذكر منها “بصمة حدا” الذي يغوص بالدراما النفسية الكاشفة لثغرات المجتمعات العربية وتحديداً السوري بعدما أنهكته الحرب الطاحنة، وعمل :طبق أصل” في إطار 13 حلقة تناولت العلاقات الزائفة وسلطت الضوء على الصراعات العنيفة في علاقات الأشقاء، ومسلسل “انتقام بارد” ضمن عشارية (10 حلقات) تناولت تشابك الحب بين الخطأ والصواب، وجملة من الألاعيب النفسية التي تدور رحاها بين الحقيقة والخيال في حياة البشر.
عادت تلك المسلسلات لتظهر في تاريخ الدراما السورية بعد أن نَفَرَ المُشاهد من الدراما المملة المطاطة التي تروي في ثلاثين حلقة ما يمكن قوله في ربع أو نصف عدد تلك الحلقات بأسلوب شيق وحبكة درامية وإنتاج قوي.
اقرأ أيضاً: من بداية خجولة إلى القمة: كيف أصبحت الدراما السورية سيدة الشاشات؟
سمات المسلسلات ذات الحلقات القصيرة
أهميتها وتميزها مستمد من عدة عوامل لعبت دوراً في تعزيز مكانتها وانتشارها، فهي توفر للمشاهدين محتوى مكثف وسريع ويمكن هضمه من المشاهد بشكل تلقائي بفعل مجاراته لنمط الحياة الحديثة المتسارع.
إلى جانب ذلك تتيح لصناعها استعراض مختلف الأفكار الإبداعية والمبتكرة بطريقة مرنة ومن زوايا مختلفة بوقت قصير، وبكلفة أقل، هذا ما ينعكس على تنوعها وتعدد المواضيع والأعمال التي تقدمها، فهذا النوع من العروض القصيرة قابل لأن يكون منوع ومركب بصورة جاذبة أكثر من المسلسلات ذات العرض الطويل.
فإذا ما ناقشنا فكرة طرح الأعمال المركبة ذات ال 30 حلقة نلاحظ أن المُشاهد سيضيع لأن الحبكة الدرامية مع تتالي العرض ستضعف وستكون محط لحشو الأحداث لمد مدة العرض، وهذا ما يُغيب أهم عناصر العرض “الإثارة والتشويق”، التي تجد ضالتها في المسلسلات القصيرة التي تبقي المشاهد منجذب لها بفعل تتالي وتسارع الأحداث وهنا يكمن جوهر التشويق وحبس الأنفاس.
كما أن هذا النوع من الدراما سهل الترويج، تحديداً في العصر الرقمي الحالي، بفعل الانتشار الهائل لمنصات البث الرقمي ما يساعد على رواجها بشكل واسع في العديد من الدول، ما يشبع احتياجات المُشاهد المتجددة لأعمال أكثر تشويق وأقل مدة.
وحسب رأي الناقد الفني جوان ملا، فإن انتشار منصات عرض الأعمال الدرامية التي تواكب الدراما العالمية المتجهة لهذا النمط من الإنتاج الفني القصير، ساهم بولادة المسلسلات القصيرة في الدراما العربية على حسب تعبيره، وأضاف أن سر التوجه لها المنحى القصير من الدراما من قبل المُشاهد يكمن في أحداثها المتسارعة والبعيدة عن الملل، هذا ما غيّر معايير صناعة الدراما التقليدية لتواكب المحتوى الترفيهي الحالي الذي يخدم تطلعات الجمهور للترفيه السريع والمختصر.
ومصر هي أكثر الدول العربية اتجاهاً لإنتاج هذه الأعمال، وبات هذا النوع حاضر على خارطتها الدرامية بقوة بمعزل عن أعمال المواسم الرمضانية، فكثر الإنتاج خارجها، هذا ما يفتح باب المنافسة العربية على إنتاج هذا النوع من المسلسلات ما يعني زيادة ضخها وطرحها وإطلاق منصات عرض رقمية بشكل مكثف، ما يمهد لظهور امبراطوريات إنتاج من أجلها، فأين الدراما والإنتاج السوري من كل ذلك؟
اقرأ أيضاً: مسلسل قيصر خارج السباق الرمضاني بسبب غضب شعبي
الدراما السورية ما موقفها من العروض الدرامية القصيرة
محاولات خجولة ومحدودة من الدراما السورية لخوض غمار المسلسلات القصيرة، على الرغم من جاذبيتها العالية للإنتاج بسبب قلة التكلفة وللجمهور لعامل التشويق والاختصار، لازالت الدراما السورية تشيح بوجهها عن هذه المسلسلات وتبقي إنتاجها محصور بالموسم الرمضاني فقط وبشكل ضعيف وقريب للاستحياء.
نمط المسلسلات ذات ال 30 حلقة مازال مسيطراً على عقول شركات الإنتاج السورية بفعل تركيزها على الموسم الرمضاني وطرح الأعمال فيه، فلا يخفى على أحد أن الأعمال السورية هي سيدة الدراما العربية.
هذا النمط هو ما يصعب ترويج هذا النوع من المسلسلات إلى جانب غياب منصات عرض سورية ما أضعف إمكانية خلق سوق محلية لهذا النوع من الأعمال تمهيداً لتوسعها فيما بعد. ناهيك أن ما يضعف الرغبة بالإنتاج القصير هو مزاج الجمهور السوري الذي لا يرغب بمشاهدة منصات العرض الرقمية لغياب وافتقاد أدوات الوصول إليها أو محدوديته في ظل الوضع الحالي.
وعلى رأي الناقد جوان ملا، أن الجمهور السوري ما زال معتاد على مشاهدة مسلسلات ال 30 حلقة، لكن رغم ذلك شهدت الدراما السورية خلال الموسم الرمضاني الحالي حضوراً للمسلسلات القصيرة في محاولة منها للحاق بركب هذا المنعطف والتحول المفاجئ الذي اجتاح عالم الانتاج وصناعة الدراما. نذكر من المسلسلات التي تم عرضها “روز” و” يا أنا يا هي”، ولاقت قبولاً لا بأس به في الأوساط الجماهيرية.
ختاماً، المسلسلات القصيرة في بوتقة الدراما السورية غائبة ومغيبة في آن معاً، لأن الإنتاج الدرامي السوري يغلب عليه طابع المسلسلات الطويلة ذات الـ 30 حلقة وربما أكثر، إلى جانب أن الجمهور السوري اعتاد على قالب محدد من مدد العرض الطويلة، والعامل الأبرز هو التحديات الإنتاجية والإخراجية المرتبطة بتقديم مسلسلات قصيرة بالمدى المنظور، على أمل أن تخرج شركات الانتاج السورية خارج هذه المصفوفة الدرامية التي باتت تقليدية، وتتبنى إنتاج هذا النوع من الأعمال لتضيف لجعبة الدراما السورية مزيداً من التألق والإشراق.
اقرأ أيضاً: لجنة من “مجلس الشعب” تحاكم الدراما السورية