المرأة في مجلس الشعب السوري… حضور رمزي أم مشاركة حقيقية

بقلم: ريم ريا
أعلنت اللجنة العليا للانتخابات في سوريا يوم الاثنين، أسماء 119 عضواً في مجلس الشعب السوري بعد إطاحة نظام الأسد، من بينهم نسبة قليلة من النساء، مما يطرح السؤال التالي: هل تمثيل المرأة في مجلس الشعب السوري رمزي أم حقيقي؟
مع إعلان انتهاء عملية الاقتراع لانتخابات مجلس الشعب السوري، عاد الجدل حول موقع المرأة في الحياة السياسية في سوريا وتمثيلها داخل البرلمان. فرغم الخطابات البراقة والوعود والشعارات الرنانة الرسمية حول تمكين المرأة وإشراكها في صنع القرار، جاء حضورها النيابي ضعيفاً وغير متناسب مع حجم مشاركتها المجتمعية والتعليمية. في هذا المقال سنناقش تمثيل المرأة في مجلس الشعب الحالي، ونبحث نسبة التمثيل وأسباب ضعفه، إضافةً إلى رصد الكتل النسائية، ونعرض أخيراً نظرة المجتمع للمرأة السورية في الحياة السياسية.
نسبة تمثيل المرأة في مجلس الشعب السوري
أشارت النتائج الأولية إلى تراجع عدد النساء الفائزات مقارنة بالدورات السابقة، إذ بلغت في الدورة الحالية 3% فقط، أي ما يقارب أقل من 7 نساء في المجلس. ما يعكس استمراراً للتحديات البنيوية والثقافية التي تعيق وصول النساء إلى مواقع القرار ومواقع السلطة الفعلية. تمثيل المرأة السياسي ليس رفاهية بل هو صورة حضارية عن البلد وعنوان تطوره وتقدمه.
هذا الضعف الحالي في التمثيل النسائي يعتبر مؤشراً على محدودية المشاركة السياسية، ويطرح تساؤلات أعمق حول جدوى الخطاب الرسمي حول المساواة ودور المؤسسات في ذلك، وسط ترجمة مفقودة على أرض الواقع.
في سياق متصل، أعربت الفائزات عن حجم المسؤولية التي تقع على عاتقهن، وحجم الدور الذي من المفترض أن يقمن به في ظل الواقع الحالي، فقالت الناشطة الحقوقية والسياسية “نور الجندلي” عقب إعلان اسمها كفائزة بمقعد عن مدينة حمص: “لدينا مسؤولية كبيرة فيما يتعلق بالقوانين والتشريعات، وكيف نعيد تأسيس دولة قائمة على الحرية والمواطنة والعدالة”.
اقرأ أيضاً: المرأة السورية في مجلس الشعب: نضال تاريخي مستمر لتحصيل الحقوق
تمثيل المرأة في فترة حكم آل الأسد
حكم استبدادي، كانت تنجح فيه القوائم التي تختارها السلطة مسبقاً، وكانت الانتخابات مجرد شكليات وروتين لا أكثر ولا أقل، فكل شيء تقريباً كان يُعد مسبقاً، من القوائم إلى الفائزين. لكن شهدت فترة حكم الأسدين تمثيلاً لا بأس فيه للمرأة في مجلس الشعب السوري، سنعرضه لفهم مسيرة المرأة السياسية في زمن الاستبداد.
في عهد حافظ، غلبت الأسماء نفسها على عضوية مجلس الشعب بالنسبة للنساء اللواتي كان حافظ الأسد يسمح بوصولهن إلى الترشح إلى الانتخابات، بنسبة لم تتجاوز 10% في معظم المجالس. والنسب خلال أعوام حكمه كانت على الشكل التالي:
- 6 عضوات من أصل 195 للدورة التشريعية 1977 (3.08%)
- 13 عضوة من أصل 195 للدورة التشريعية 1981 (6.67%)
- 19 عضوة من أصل 195 للدورة التشريعية 1986 (9.74%)
- 20 عضوة من أصل 250 للدورة التشريعية 1990 (8.00%)
- 24 عضوة من أصل 250 للدورة التشريعية 1998 (9.60%)
أما في فترة بشار، كانت النسب شبيهة بعهد أبيه ومقاربه لها مع ارتفاع طفيف، حيث ظلّ الحضور النسائي محصوراً في نطاقٍ يتأرجح حول 12%، مع ذروةٍ وحيدة في 2016، قبل أن يتراجع إلى 9.6% في 2024. وكانت النسب في فترة حكم بشار على الشكل التالي:
- 30 عضوة من أصل 250 للدورة التشريعية 2003 (12.0%)
- 30 عضوة من أصل 250 للدورة التشريعية 2007 (12.0%)
- 30 عضوة من أصل 250 للدورة التشريعية 2012 (12.0%)
- 33 عضوة من أصل 250 للدورة التشريعية 2016 (13.2%)
- 28 عضوة من أصل 250 للدورة التشريعية 2020 (11.2%)
- 24 عضوة من أصل 250 للدورة التشريعية 2024 (9.6%)
غابت الكتل النسائية السياسية المستقلّة القادرة على التشريع والرقابة والدفاع عن أجندة المرأة العامة في عهد سلطة الأسد، لأن آلية الاختيار كانت غالبة على آلية الانتخاب، فأنتجت نواباً نساء بصفاتٍ تمثيلية شكلية، وكنّ بمثابة إكسسوار سياسي بالمجلس ليس إلاّ.
أسباب ضعف التمثيل النسائي في المجلس الحالي
بالرغم من إصدار اللجنة العليا للانتخابات في سوريا في 26 أيلول القوائم النهائية لأعضاء الهيئات الناخبة للدوائر الانتخابية في المحافظات، الذين يحق لهم الترشح والتصويت وبلغ عددهم 1578 مرشحاً، شكلت النساء ما نسبته 14% منهم، وقد تباينت نسبة حضورهن بين محافظة وأخرى.
لكن نتائج الانتخابات شكلت مفاجأة فيما يتعلق بالحضور النسائي، وغابت النساء تماماً عن محافظات مركزية مثل دمشق وريف دمشق وحلب، رغم حضورهن الواسع في الهيئات الانتخابية وخاصة في دمشق التي بلغ عدد النساء في هيئتها الانتخابية ما يقارب 150 امرأة من أصل 500 عضو.
هذا الضعف يعزى لأسباب عديدة يذكر منها، غياب ثقافة تسويق العمل والأفكار، حيث لا يتم التعامل مع التسويق كجزء من العملية السياسية كما في كل دول العالم، فالمفهوم السائد في سوريا أنه فكرة تكميلية أو شكلية ترافق كل اقتراع. وغياب قدرة النساء على تسويق أفكارهن وإيصالها بالشكل الصحيح، يضعف ثقة المجتمع بالمرأة وبقدرتها على القيادة، فالناس في سوريا بالعموم اعتادوا على أن لا يعرفوا من المرشح سوى الاسم والصورة.
السبب المرجح كذلك، أن هذه الانتخابات جاءت في سياق انتقالي، ما فرض آليات خاصة في تشكيل المجلس، منها اختيار هيئة ناخبة من 1500 شخص، بينهم فقط 140 امرأة، وهذا الرقم يعكس خللاً في التمثيل، رغم أن الاختيار تم بناء على الكفاءة والتوزيع الجغرافي، فمن أصل 140 امرأة، لم تفز سوى سبع، وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرة المرأة السورية عند أول اقتراع ما بعد السقوط على تسويق نفسها سياسياً ضمن مشروع انتخابي واضح.
كما اتسمت هذه العملية الانتخابية الأولى بالتنافسية الشديدة التي لم تركز على الكفاءات بقدر ما ركزت على “من سيمثل هذه المحافظة”. لعلّ ما كان بارزاً كذلك فيما يتعلق بمشاركة النساء، أن التحالفات الانتخابية لم تكن قائمة بالضرورة على معيار الكفاءة، بل كانت غالباً مناطقية أو مرتبطة بحجم الأصوات المضمونة وهو تم اعتباره من قبل بعض المرشحات غير منصف وغير عادل.
إلى جانب ضعف فهم “اللعبة السياسية” في سوريا، تحديداً الشق الانتخابي فيها، من حيث حجم الأرقام والتوافقات السريعة. فكانت المرأة العنصر الأضعف، فلم تتمكن دائماً من ضمان كتلة تصويتية كبيرة، ما أبعدها عن مراكز القوة في التحالفات.
كما لوحظ في محافظة دمشق دوناً عن غيرها، أن ما تسبب في انقسام الأصوات الذي وصف بالحاد بالنسبة إلى محافظة مركزية مثل دمشق، هو التنوع الكبير بالتوازي مع بنية المجتمع الذي يصعب عليه التوافق على دعم مرشحة واحدة. وتراجع المرشحين الرجال لصالحها جعل من الصعب جداً على أي امرأة أن تحظى بالتوافق المناطقي أو الفئوي القوي الذي كان عاملاً حاسماً في فوز الرجال.
أما في محافظة حلب بالرغم من الزخم الذي رافق الحملات النسائية في المحافظة أثناء الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب، فإن النتائج النهائية كشفت عن إخفاق واضح للكتل النسائية في معظم الدوائر الانتخابية، فقد توزعت أصوات الناخبات على المرشحين من الرجال، فيما لم تفز سوى امرأة واحدة في منطقة عفرين بمقعد برلماني، لتكون الوحيدة التي تمثل نساء حلب في المجلس الحالي الجديد.
ترى بعض المرشحات أن ضعف التمثيل يعود إلى، غياب نظام “الكوتا” النسائية كان عاملاً حاسماً في إقصاء النساء من التمثيل البرلماني، لافتات إلى أن اعتماد كوتا واضحة وحده ما يضمن تمثيلاً حقيقياً وصحياً للمرأة السورية، ويمنحها الدور الذي تستحقه في الحياة السياسية ويشاركها فعلياً في صنع القرار.
ناهيك عن السبب التقليدي المتوارث والمكتسب بطبيعة الحال، حول جدارة الرجل بقيادة العملية السياسية، على عكس التجارب النسوية في مختلف دول العالم والتي أثبتت تفوق المرأة على الرجل في بعض الأحيان. إن استمرار الرؤية التي ترى أن الرجال “أجدر” بالمناصب القيادية وقادرون على التفرغ لها. تبقى المرأة محصورة في المستويات القيادية والتمثيلية الثانية والثالثة أو ربما تقذف بها وراء الكواليس.
اقرأ أيضاً: ثريا الحافظ.. مناضلة سورية من أجل المرأة
نظرة المجتمع للتمثيل السياسي للمرأة في سوريا
ما زال المجتمع السوري يحمل إرثاً ثقافياً واجتماعياً قائماً على الموروث “الأبوي” التقليدي، الذي يرى في أعمال القيادة والسياسة أنها مجال “ذكوري” فقط، ودور النساء الأساسي مقتصر على تربية الأولاد والأعمال المنزلية، وأي مشاركة سياسية لها لا تؤخذ على محمل الجد، وتهمش عمداً في بعض الحالات. هذه النظرة رغم اختلافها بين المناطق السورية إلاّ أنها موجودة بكثرة في المجتمعات الريفية والعشائرية الأكثر تحفظاً من مجتمعات المدن الكبرى مثل دمشق واللاذقية.
إلى جانب الوضع السياسي الرسمي الذي كان سائداً في البلاد، فقبل عام 2011 كان الحضور النسائي رمزي ومختار بالمسطرة من قبل السلطة الحاكمة، ولم يكن حقيقياً وفاعلاً في صنع القرار، بل كان لا يتعدى كونه ديكورياً. أما في ظل الحرب والانقسام السياسي لم ترتقِ مشاركة النساء بالحياة السياسية بقدر التضحيات المقدمة منهن.
أما حالياً، لا يمكن أن نقول أن المرأة السورية بالفعل تحظى بدورها الحقيقي السياسي إلاّ في مناطق سيطرة “قسد” في شمال شرق سوريا، فبرزت هناك العديد من التجارب التي أعطت النساء دوراً فاعلاً في المجالس المحلية والإدارات المدنية، وفي بعض الحالات للمرأة في شمال شرق سوريا تمثيل عسكري.
ما أشبه سقوط نظام البعث في سوريا عام 2024 بسقوط النظام النازي في ألمانيا عام 1945، فكلاهما كانا نظامين مستبدين وقائمين على القومية وادعاءات الاشتراكية، لكن الفرق أن النظام النازي أقصى المرأة بشكل شبه تام على عكس نظام البعث الذي جعلها ديكوراً سياسياً ليس إلاّ. لكن بالمجمل عاشت النساء في سوريا وألمانيا ذات المعاناة من الاستبداد والحروب.
لتقوية دور المرأة في سوريا يجب الاستفادة من تجارب النساء في ألمانيا ما بعد النازية. فأول ما قامت به ألمانيا لتقوية دور النساء فيها هو الاعتراف بالنساء كشريكات في إعادة الإعمار، وسميّن “نساء الركام”، هذا الاعتراف الاجتماعي بدور المرأة ساعد في ترسيخ فكرة أن لهنّ الحق في المشاركة السياسية والاجتماعية، إضافةً إلى أن الدستور الألماني عام 1949 قد نصّ بوضوح على المساواة بين المرأة والرجل، وتم فتح المجال بشكل تدريجي لدخول النساء بالأحزاب والبرلمان والوظائف الحكومية، فكان القانون نقطة البداية، في سوريا هناك قوانين تدعم المرأة، والحكومة ورئاسة الجمهورية صرحوا مراراً عن إشراك المرأة في صنع القرار، لكن بقي حسن التطبيق.
بالمحصلة، إلى جانب القانون، على النساء في سوريا أن يتحركن لينصفن أنفسهن، ويثبتن قدرتهن على دخول المعترك السياسي وتولي المناصب القيادية، وعلى الوعي الجمعي السوري أن يتغير تجاه النساء ومكانتهن في السياسة ودورهن في بناء الدول.
