الكاتب: أحمد علي
اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب
في الثاني من شهر حزيران الجاري، وقّع الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع المرسوم رقم 66 لعام 2025، القاضي بتشكيل «اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب» المسؤولة عن تنظيم انتخابات مجلس الشعب الجديد. ضمّت اللجنة رئيساً وعشرة أعضاء، بينهم سيدتان فقط، في مشهد أعاد إلى الأذهان مشهد التوازنات السياسية الدقيقة – أو الهشة – التي تحكم المشهد السوري بعد سقوط السلطة.
لكن المرسوم لم يُنشر رسميّاً إلا في 13 حزيران، أي بعد أحد عشر يوماً من تاريخ صدوره. وهذا التأخير أثار حزمة من التساؤلات حول أسباب الإبطاء، وهل كان مرتبطاً بإعادة تقييم التوازنات داخل اللجنة؟ أم بانتظار شيء ما؟ أسئلة بلا إجابات واضحة حتى اللحظة.
تركيبة اللجنة: سياسيون قدامى ومعارضون سابقون
تولّى رئاسة اللجنة محمد طه الأحمد، الذي سبق أن شغل منصب وزير الزراعة في حكومة الإنقاذ ثم في حكومة تصريف الأعمال، قبل أن ينتقل إلى وزارة الخارجية مديراً لإدارة الشؤون العربية.
أما التمثيل النسائي فكان محدوداً، واختُزل في اسمين: الصحفية والناشطة السياسية والمدنية لارا عيزوقي، المعروفة بكونها عضوة في الحركة السياسية النسوية السورية، وحنان البلخي، السفيرة السابقة للائتلاف السوري المعارض في النرويج. حضور المرأة في لجنة بهذا الثقل السياسي لا يتعدى نسبة 18%، وهو ما طرح تساؤلات حول التمثيل الحقيقي للفئات المجتمعية المختلفة ضمن الشارع السوري.
وضمت اللجنة وجوهاً معروفة من تيارات المعارضة السورية، مثل حسن الدغيم، القيادي السابق في الجيش الوطني وعضو اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، وعماد برق، الوزير السابق للتربية في الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف.
كما ضمت اللجنة كلاً من محمد علي محمد ياسين، ممثلاً عن الكتلة العسكرية السابقة في الائتلاف، ومحمد خضر ولي عن الحركة الكردية المستقلة، إضافة إلى محمد ياسر كحالة مدير الأمانة العامة للشؤون السياسية. وحضر كذلك اسمان من الائتلاف السوري المعارض، وهما أنس العبدة وبدر جاموس، وكلاهما شغلا مناصب عليا في المجلس الوطني وهيئة التفاوض قبل حلّها.
أعضاء اللجنة العليا – تفاصيل كاملة
ترأس اللجنة محمد طه الأحمد، وهو سياسي عمل وزيراً للزراعة في حكومة الإنقاذ ومن ثم في حكومة تصريف الأعمال، قبل أن يشغل لاحقاً منصب مدير إدارة الشؤون العربية في وزارة الخارجية. وفيما يلي الأعضاء العشرة:
- حسن إبراهيم الدغيم: كان مدير إدارة التوجيه المعنوي في «الجيش الوطني» ولاحقاً انضمّ إلى اللجنة التحضيرية للحوار الوطني.
- عماد يعقوب برق: شغل منصب وزير التربية في الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف.
- لارا شاهر عيزوقي: صحفية وعضو بارز في الحركة السياسية النسوية السورية.
- نوار إلياس نجمة: ورد اسمها ضمن تركيبة اللجنة، ولم تبرز في أي منصب سابق وفق ما ذكرته المصادر، وهو طبيب وأخصائي في التشخيص الشعاعي وخريج كلية الطب من جامعة باريس.
- محمد علي محمد ياسين: كان في السابق عضواً في الائتلاف السوري عن «الكتلة العسكرية».
- محمد خضر ولي: انتمى سابقاً إلى الائتلاف ممثلاً الحركة الكردية المستقلة.
- محمد ياسر كحالة: المدير العام للأمانة العامة للشؤون السياسية داخل الائتلاف/المجلس الوطني المعارض.
- حنان إبراهيم البلخي: سفيرة سابقة للائتلاف السوري في النرويج وواحدة من نائبتين تمثّلان النساء في اللجنة.
- بدر الجاموس: كان له دور في الائتلاف وهيئة التفاوض والمجلس الوطني سابقاً.
- أنس العبدة: تولّى أيضاً عدة مناصب بارزة ضمن الائتلاف السوري وهيئة التفاوض والمجلس الوطني سابقاً.
معايير الاختيار
لم يوضح المرسوم المعايير التي استندت إليها آلية اختيار أعضاء اللجنة، كما لم يتضمن أي إشارات إلى آلية شفافة يمكن من خلالها تقييم أهلية الأعضاء أو تمثيلهم الحقيقي للمجتمع السوري المتعدد، وهذه واحدة من النقاط التي أثارت الجدل بين الناشطين السوريين.
حتى أن تسمية اللجنة بـ«العليا» لم تُترجم إلى آليات عليا في العمل وفق ما يرى البعض، بل اكتفى المرسوم بإعطائها صلاحيات تشكيل هيئات ناخبة فرعية، تختار بدورها 100 عضواً من أصل 150 في مجلس الشعب، وفق فئتين غير معرفتين: «المثقفين» و«الأعيان».
مجلس شعب معيّن من جهتين
المرسوم نصّ على أن مجلس الشعب الجديد سيضم 150 عضواً، يُعيّن الرئيس منهم 50 بشكل مباشر، بينما يتم اختيار الـ 100 الباقين عبر لجان فرعية. وهذه اللجان لن تُنتخب من قبل الشعب، بل ستُشكّلها اللجنة العليا نفسها، وهو ما يجعل العملية أقرب إلى التعيين غير المباشر كما يرى البعض، ويضع شرعية المجلس المنتظر تحت المجهر.
التوزيع الجغرافي للمقاعد جاء كالتالي: 20 لحلب، 11 لدمشق، 10 لريف دمشق، 9 لحمص، 8 لحماة، 7 لإدلب، 6 لكل من اللاذقية ودير الزور والحسكة، 5 لطرطوس، 4 لدرعا، 3 لكل من السويداء والرقة، ومقعدين فقط للقنيطرة. لكن طريقة اعتماد هذه الحصص بقيت مبهمة، فلا نسب سكانية معتمدة، ولا معايير تمثيل موثقة، ما دفع البعض لطرح السؤال: ما الأساس الذي تم الاعتماد عليه في تحديد عدد هذه المقاعد؟
لا مواعيد ولا حدود
في سابقة قانونية مثيرة، لم يتضمن المرسوم أي تحديد زمني لمهام اللجنة، ولا جدولاً زمنياً لتشكيل مجلس الشعب أو حتى بدء عمله. بل ترك كل شيء مفتوحاً على احتمالات التأجيل أو التعديل أو حتى الإلغاء، بحسب الظروف السياسية.
وفي الحديث عن الشفافية، فإن غياب التفاصيل عن آلية الترشيح، ومعايير الاختيار، ودور الشعب الحقيقي في العملية الانتخابية، يشير -وفق البعض- إلى أنّ ما جرى لا يخرج عن كونه خطوة فوقية ضمن ترتيبات سياسية بينية، لا تلبي طموحات السوريين بإجراء انتخابات فعلية تعكس إرادتهم.
المرسوم والإعلان الدستوري
لكن رغم ذلك، ينبغي الأخذ بعين الاعتبار أن إصدار المرسوم يأتي تتويجاً لمسار سياسي بدأ بجوهره في الإعلان الدستوري المؤقت الذي وقّعه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع في 13 آذار 2025. فهذا الإعلان شكّل الدستور المؤقت للمرحلة الانتقالية التي تمتد لخمس سنوات، ومنحه صلاحيات واسعة في إدارة شؤون الدولة، بما في ذلك سلطة التعيين التشريعي المباشر وضبط آليات الجمعيات الانتخابية.
في الوثيقة الدستورية، تم النص على أن ثلث أعضاء المجلس (50 مقعداً) يُعيَّنون مباشرة من قبل الرئيس، بينما يُختار ثلثا المجلس الباقيين (100 مقعد) عبر لجان خاصة يعيّنها هو ذاته أو يعين رؤسائها، دون إشراف خارجي أو رقابة تشريعية. وهذا تحديداً ما عبر عنه المرسوم رقم 66 من جهة، حين حدّد أن اللجنة العليا (رئيس + 10 أعضاء) تُعيَّن لتشكيل هيئات فرعية تُختار بموجبها الـ 100 نائب، فيما يكلف الرئيس شخصياً بتعيين 50 نائباً.
أي بكلمات أخرى، المرسوم لا يظهر منعزلاً بل هو تطبيق عملي لمبدأ الصلاحيات الممنوحة للرئيس في الإعلان الدستوري؛ فقد تحدّد تشكيلة اللجنة ومهامها وطريقة التعيين وفق ما أرساه الإعلان حول «نظام الحكم» المؤقت، ما يعكس استمرارية دستورية واضحة من الإعلان إلى الواقع التشريعي.
اقرأ أيضاً: الإعلان الدستوري: ما له وما عليه.. تساؤلات وتأملات!
على أية حال، لا بدّ من القول إنه في ظل التغييرات السياسية المعقدة التي تشهدها البلاد، يبقى الأمل معلقاً على تحوّل حقيقي في بنية النظام السياسي الجديد، لا على تغييرات شكلية في اللجان والمجالس. فما لم تُبْنَ العملية الانتخابية على أساس المشاركة الشعبية والشفافية، فإن أي مرسوم، مهما حَسُنَت نيّته، سيبقى مَشوباً بالغموض والريبة لدى ما عانوا كثيراً وذاقوا الويل على أيدي سلطة بشار الأسد لم تنته إلا بعد خمسة عشر عاماً من الحرب التي لا يريد السوريين أي فجوة تعيدهم إلى ويلاتها وتنتج أسبابها…