القوات الأميركية: انسحاب محسوب من العراق وتموضع جديد في سوريا

مقال رأي – د. مشهور سلامه – انسحاب محسوب من العراق وتموضع جديد في سوريا
شهدت المنطقة في أواخر أيلول/سبتمبر تحولات متسارعة، تداخل فيها البعد العسكري الأميركي مع البعد السياسي السوري. فمن جهة، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بدء تقليص قواتها في العراق وتحويل ثقل عملياتها ضد فلول تنظيم “داعش” إلى سوريا عبر إقليم كردستان. ومن جهة أخرى، برزت في دمشق ملامح مرحلة انتقالية جديدة مع تولي الرئيس أحمد الشرع مقاليد الحكم، وإطلاقه خطاباً إصلاحياً يعِد بإعادة بناء الدولة السورية على أسس جديدة. هذا التزامن بين التحول الأميركي والتحول إلى التموضع الجديد في سوريا يفرض قراءة معمقة لمدى الترابط بينهما، ولما يمكن أن يحمله المستقبل من فرص وتحديات.
أولاً: البنتاغون وإعادة التموضع في سوريا
- العراق مركز ثقل سابق: منذ سنوات، شكّل العراق قاعدة رئيسية للوجود الأميركي بذريعة محاربة “داعش”. لكن إعلان البنتاغون تقليص المهمة وتحويل التركيز إلى سوريا يعكس قناعة أميركية بأن بغداد قادرة نسبياً على الإمساك بالملف الأمني الداخلي، بينما تبقى الساحة السورية الأكثر هشاشة.
- إقليم كردستان كمنطلق: اختيار أربيل ليس عسكرياً فقط، بل سياسي أيضاً، ويعكس استمرار الرهان الأميركي على الشراكة مع القوى الكردية، بعيداً عن تفاهمات مباشرة مع دمشق أو حلفائها.
- الذريعة المستمرة: رغم تراجع “داعش”، يبقى التنظيم ورقة ضغط لتبرير بقاء القوات الأميركية في سوريا.
- الرسالة الإقليمية: الانسحاب من العراق ليس تراجعاً بل إعادة تموضع محسوب يجعل من سوريا مركز الصراع المقبل.
ثانياً: تحولات أواخر أيلول في سوريا وصعود الشرع
- مرحلة انتقالية: مع سقوط النظام السابق وتولي أحمد الشرع الرئاسة الانتقالية، برز مشروع لإعادة بناء الدولة على أسس القانون والعدالة والمواطنة.
- خطاب الشرع في الأمم المتحدة: أكد أن سوريا تتحول من مصدر للأزمات إلى فرصة للاستقرار، متعهداً بدولة تكفل حقوق الجميع.
- إصلاحات جذرية: شملت حل حزب البعث، دمج الفصائل المسلحة في مؤسسات الدولة، وإلغاء دستور عام 2000.
- المسار الدولي: النشاط الدبلوماسي المكثف وزيارات الشرع إلى نيويورك أسفرت عن رفع تدريجي للعقوبات الأميركية والأوروبية، وفتحت الباب أمام الاستثمارات وإعادة الإعمار.
ثالثاً: التداخل بين المسارين
- هل جاء التموضع الأميركي استباقاً للتحولات السورية؟ واشنطن ربما رأت في صعود الشرع فرصة لإعادة صياغة دورها في سوريا عبر ورقة “داعش”.
- هل يسعى الشرع لاستثمار الانسحاب الأميركي من العراق؟ التحول الأميركي قد يمنح دمشق فرصة لإعادة التوازن مع واشنطن عبر الشراكة في مكافحة الإرهاب.
- التوازن الإقليمي: تركيا تراقب بحذر أي تعزيز للدور الكردي، فيما ترى إيران في تقليص الوجود الأميركي بالعراق مكسباً يقابله تعزيز للحضور في سوريا.
رابعاً: التحديات أمام سوريا الجديدة
- الأمن الداخلي: دمج الفصائل في مؤسسات الدولة يحتاج وقتاً وضمانات لتجنب الانقسام.
- الاقتصاد: رفع العقوبات خطوة مهمة، لكن إعادة الإعمار تتطلب استثمارات ضخمة واستقراراً طويل الأمد.
- العلاقات الدولية: ضرورة الموازنة بين الانفتاح على الغرب والحفاظ على علاقات إقليمية ودولية أخرى.
- الملف الكردي: اعتماد واشنطن على كردستان يجعل العلاقة مع القوى الكردية اختباراً لوحدة البلاد.
خامساً: قراءة مستقبلية
- سوريا كفرصة لا كأزمة: نجاح الإدارة الجديدة في تثبيت الاستقرار قد يحولها من ساحة صراع إلى ساحة استثمار.
- الوجود الأميركي: سيبقى رهناً بقدرة دمشق على إدارة ملف “داعش” والتفاهم مع واشنطن.
- المعادلة الإقليمية: أي خلل بين تركيا وإيران والأكراد قد يعيد إشعال الصراع، ما يستدعي دبلوماسية سورية نشطة.
الخلاصة
تزامن الانسحاب الأميركي من العراق مع صعود الرئيس أحمد الشرع ليس صدفة، بل انعكاس لإعادة تشكّل الصراع الإقليمي والدولي. واشنطن تعيد التموضع ممسكة بورقة “داعش”، فيما تسعى دمشق لتأسيس دولة قانون ومواطنة. بين المسارين، يبقى مستقبل سوريا رهناً بقدرتها على تحويل هذه اللحظة المفصلية إلى فرصة تاريخية، لا إلى جولة جديدة من الصراع.
اقرأ أيضاً: لا تحشرونا في خانة أمريكا فنصبح أعداء لتركيا!
————————————————————————————————————
تنويه
يفتح موقع «سوريا اليوم 24» صفحاته لكل من يحمل رأياً ويرغب في التعبير عنه بحرّية ومسؤولية، إيماناً منا بأن الحوار هو السبيل الأمثل لفهم الواقع وصياغة المستقبل. نحن نُجري لقاءاتنا مع ضيوف من مشارب فكرية وسياسية متعددة، نستمع إليهم ونعرض ما لديهم بأمانة وموضوعية، وننقل الآراء المختلفة من مصادر متعددة. ولكن نشرنا لآرائهم لا يعني بالضرورة تبنّيها، بل يأتي في إطار رسالتنا الهادفة إلى ترسيخ ثقافة الحوار وتبادل الرؤى في فضاء من الاحترام والانفتاح.



