سياسة

القمة الروسية – العربية الأولى … ماذا ينتظر الشرق الأوسط؟

بقلم: ريم ريا

من موسكو، ربما تتغير موازين القوى وتتبدل التحالفات. في مشهد دولي فريد تبرز القمة الروسية – العربية كحدثٍ تاريخي يسعى إلى رسم ملامح مرحلة جديدة بين موسكو والوطن العربي. وسط تحديات سياسية واقتصادية متصاعدة وشرق أوسط ملتهب، يجتمع القادة العرب والرئيس الروسي “بوتين” لبحث شراكات أوسع في مجالات متعددة تشمل، الطاقة والاستثمار وعلى رأسها الأمن، ولإطلاق حوار بناء ومتوازن من شأنه خلط أوراق المنطقة وإعادة صياغة العلاقات على أساس المصالح المشتركة، والأهم على أساس الاحترام المتبادل.

قمة من شأنها أن تعيد للعلاقات العربية – الروسية زخمها، وتفتح الباب أمام تحالفات استراتيجية في زمن التحولات الكبرى في العالم. سوريا حاضرة في القمة بدعوة روسية مباشرة، ما فوائد المشاركة؟ وماهي هذه القمة الفريدة من نوعها؟ سنتعرف إلى كامل هذه التفاصيل في المقال التالي.

التعريف بالقمة الروسية – العربية الأولى

سيعقد في الخامس عشر من تشرين الأول، أول قمة روسية – عربية بمشاركة كافة رؤساء الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية رفقة الأمين العام للجامعة. وكما جاء في الإعلان عن تنظيم القمة، أن الهدف الرئيسي منها هو “تعزيز التعاون متعدد الأوجه والمنفعة المتبادلة” بين روسيا والدول العربية، إضافةً إلى المساهمة في تحقيق السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

خطوة هامة ونوعية من روسيا تتماشى مع أهداف السياسة الروسية تجاه العالم العربي. فموسكو تتبنى سياسة حالية تقوم على توسيع التجارة مع دول الوطن العربي، مع الحفاظ على حيادها التام في النزاعات الإقليمية. فروسيا في وقتها الحالي تركز على الشراكات الاقتصادية والأمنية.

اقرأ أيضاً: التوازنات في سوريا.. هل توحد روسيا وتركيا صفوفهما لكبح جماح إسرائيل؟

أبعاد القمة الروسية – العربية.. إلى ماذا ترنو موسكو

عند النظر للمواقف الروسية تجاه الوطن العربي ككل، نلاحظ أن روسيا تقف على مسافة واحدة من الجميع، حتى أثناء وقوفها إلى جانب النظام السوري السابق ودعمها إياه سياسياً وعسكرياً، لم تتخذ روسيا أي موقف عدائي تجاه الأنظمة العربية المنددة بحكم الأسد والداعمة لحرية الشعب السوري، بل بقيت على مسافة واحدة من تلك الدول، ولم تشارك بأي نزاع إقليمي نشب في تلك الفترة.

نهج ثابت من روسيا تجاه العالم العربي، لكن اليوم مع خطوة إضافة انفتاحيه تحمل في طياتها رغبةً في كسر الحصار الدبلوماسي الذي تحاول فرضه الدول الغربية على روسيا، ناهيك عن رغبة روسيا في استقطاب دول مجلس التعاون الخليجي كشركاء جدد من دون الانخراط في الصراعات الكبرى التي تشهدها المنطقة.

كما أن موسكو ضمن هذه البادرة الدبلوماسية تسعى إلى استثمار علاقاتها ببعض الدول العربية الأخرى التي رفضت الانخراط الكامل في العقوبات الغربية ضد روسيا، ما يتيح لقيصر الكرملين فرصة فتح قنوات مالية واستثمارية جديدة، تكون بمثابة بدائل عن المحور الغربي الذي تقوده أمريكا. محورٌ غربي بدت عليه علامات التصدع والتخبط وتوتر العلاقات مع البيت الأبيض المنافس التاريخي للكرملين، بعد صعود ترامب للسلطة. فهل ستقتنص روسيا الفرصة لإعادة تشكيل استراتيجيات وتحالفات جديدة في الشرق الأوسط؟ 

خلال السنوات الأخيرة، شهدت العلاقة بين روسيا والدول العربية تحوّلاً ملحوظاً، فقد تبادلت عدة دول عربية زياراتٍ رسميةً على مستوى عالٍ مع موسكو، ووقّعت اتفاقيات تجارية واستثمارية مشتركة، لا سيما في مجالات الطاقة والبنى التحتية والتكنولوجيا. كما تجنبت الدول الخليجية بطريقة ذكية تطبيق العقوبات الغربية على روسيا، مما وفر أرضية للتعاون في الأزمات الدولية، فضلاً عن دور بعض دول الخليج العربي في الوساطات بين موسكو وكييف.

من الناحية العربية عموماً: التقارب مع روسيا فرصة مهمة لإعادة التموضع وفق توازنات القوى التي تتشكل في الشرق الأوسط، تحديداً بعد ضربة الدوحة التي عرّت الحماية الأميركية وأظهرت إدارة البيت الأبيض بمظهرٍ هش، إلى جانب تصريحات ترامب المتضاربة مع بعضها بين الحين والآخر، ما يعطي مؤشراً إلى ضرورة البحث عن شراكات جديدة وتحالفات أكثر قوة بعيداً عن التخبط الأوروبي والترنح الأمريكي. لكن ربما وضع دول الخليج خاص قليلاً من بين كل الدول العربية، فهذه فرصة ذهبية لتنويع شركائها التجاريين والاستثماريين بعيداً عن الغرب، ولتوفير بدائل في مجالات الأمن والدفاع والطاقة.

بالمجمل، يُتوقع أن تفضي القمة إلى مواقف موحَدة بشأن قضايا عربية مركزية، مثل فلسطين وسوريا ولبنان، وقد تدعم جهوداً لإطلاق مشاريع تنموية مشتركة في مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة والربط اللوجستي بين روسيا والدول العربية، كذلك يتوقع أن تسهم القمة في إعادة تشكيل خريطة التحالفات في الشرق الأوسط، وفي منح روسيا والدول العربية أوراقاً إضافية لتعزيز مواقفها التفاوضية الدولية. إضافةً إلى تعزيز روسيا لحضورها الاقتصادي في العالم العربي من خلال فتح أسواق جديدة لمنتجاتها الصناعية والعسكرية والتكنولوجية، ما سينعكس على مكانتها السياسية كوسيط دولي يُحتكم إليه في القضايا الإقليمية، خصوصاً في النزاعات المشتعلة بالشرق الأوسط.

سوريا والقمة المرتقبة .. في ظل صفحة جديدة مع موسكو

التقت موسكو مؤخراً بمسؤولين من الحكومة السورية الجديدة، ووجهت دعوة إلى دمشق لحضور القمة، في إطار إعادة ترتيب العلاقات وإعادة تقييم الاتفاقات السابقة. في سياق متصل، سبق تلك الدعوة زيارات متبادلة بين الجانبين الروسي والسوري وسط صفحة جديدة ينظر لها حتى اللحظة بعين الترقب من قبل الأطراف الإقليمية والدولية.

عقب سقوط الأسد، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالاً بالرئيس الشرع في شباط الماضي، أكدّ فيه دعم بلاده “وحدة الأراضي السورية وسيادتها”، أما على الجانب السوري، كان وزير الخارجية السوري قد زار موسكو أواخر تموز الماضي، في أول زيارة لمسؤول سوري منذ الإطاحة بالأسد.

على ما يبدو، صوّبت المصالح المشتركة بين الدولتين مسار العلاقات، وسط تأكيدات من مسؤولين في كلا البلدين على أن العلاقة بين روسيا وسوريا تاريخية وتجمعهم العديد من المصالح والأهداف المشتركة. من جانبها تسعى روسيا إلى الحفاظ على الوضع القانوني لقواعدها في حميميم وطرطوس بسوريا، فيما يبحث الطرفان تفعيل الاتفاقيات الموقّعة بينهما، في ظل تأكيد دمشق إعادة تقييم تلك الاتفاقيات، لا سيما ما يُعدّ منها مجحفاً بحق السوريين. في حين تحدثت تقارير إعلامية روسية في وقت سابق عن معلومات تُشير إلى اهتمام السلطات السورية باستئناف دوريات الشرطة العسكرية الروسية في محافظات الجنوب السوري، للمساعدة في كبح التوغلات والتدخلات والاعتداءات الإسرائيلية.

في مسار التفاهم الجديد مع روسيا، كان الرئيس “أحمد الشرع” قد استقبل في دمشق وفداً روسيا رفيع المستوى برئاسة “ألكسندر نوفاك” نائب رئيس الوزراء، وجرى بحث سبل تعزيز التعاون وتطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات بما يخدم مصالح البلدين، وقبل ذلك التقى” نوفاك” وزير الخارجية السوري “أسعد الشيباني”، وأعلن، خلال مؤتمر صحافي مشترك معه، أن الشرع سيشارك في قمة روسية عربية من المقرر عقدها في موسكو خلال تشرين الأول المقبل.

ووضح “نوفاك” أن بلاده “تولي أهمية كبيرة للزيارة المرتقبة للرئيس الشرع إلى موسكو”. وأضاف “نحن هنا مع وفد كبير، جئنا من أجل فتح صفحة جديدة في علاقاتنا مع سوريا”. مشيراً، إلى أن روسيا “تتواصل مع إسرائيل ومع كافة مكونات المجتمع السوري، ويمكن أن تلعب دوراً في الاستقرار”، وأن بلاده تبحث مع شركاء إقليميين، وفي مقدمتهم قطر، مسألة المساعدات الإنسانية وإعادة بناء البنى التحتية للطاقة في سوريا. من جانبه الشيباني قال: إن سوريا “تفتح صفحة جديدة مع موسكو بعد سقوط نظام بشار الأسد”، مؤكداً أن أي وجود أجنبي على الأراضي السورية “يجب أن يكون هدفه مساعدة السوريين في بناء مستقبلهم”

بناءً على عرض آخر تطورات مسار العلاقة الروسية – السورية، ما يمكن أن تجنيه سوريا من القمة العربية – الروسية يشمل مكاسب سياسية واقتصادية مهمه. فبعد سنوات من العزلة هذه فرصة سوريا لبناء موقعها الإقليمي من جديد في ظل توازنات إقليمية جديدة، كما أن هناك فرصة أمام سوريا لبناء شراكات جديدة في مجالات الطاقة وإعادة الإعمار.

كذلك يمكن لدمشق أن تستفيد من القمة عبر تأمين استثمارات روسية في مشاريع البنى التحتية وإحياء القطاعات الحيوية كالنفط والكهرباء، فموسكو ترمي إلى ذلك من خلال القمة، ناهيك عن التنسيق بين البلدين من أجل تحقيق استقرار سوريا وتفعيل التعاون السياسي بينهما في شؤون المنطقة.

ويبقى السؤال مفتوحاً، بانتظار أن تجيب عنه الأيام … هل ستتمكن سوريا من الحفاظ على مسافة واحدة من القوى التي تعيد اصطفافها في المنطقة، أم سيتحتم عليها الاختيار؟ 

اقرأ أيضاً: روسيا وسوريا.. سياسات جديدة تُنسج على بقايا العلاقات القديمة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى