الفيب في سوريا: كل ممنوع مرغوب!

إعداد: لمى ابراهيم

سجائر إلكترونية، أراجيل إلكترونية، الفيب، كلها عبارة عن أجهزة ذات شكل أنيق وبنكهات مغرية ولها نفس الوظيفة: “أن تجعلك تُقلِع عن التدخين!” نعم، هذه هي الدعاية المنتشرة بين الناس والتي جعلت ملايين حول العالم يتحولون إلى تدخينها بدلاً من التبغ العادي، ولكن يا ترى هل هذه هي الحقيقة؟

في هذا المقال، لن نتحدث عن التدخين الإلكتروني حول العالم فقط، بل سننتقل إلى سوريا ونرى مدى انتشاره هنا رغم أنه محظور رسمياً.

تدخين الفيب حول العالم

في البداية، لنلقِ نظرة على استخدام الفيب حول العالم، والعوامل التي ساهمت في نمو هذا السوق بشكل جنوني في السنوات الأخيرة.

بدأت شهرة السجائر الإلكترونية تزداد رويداً رويداً منذ طرحها لأول مرة حوالي عام 2007، وفي عام 2020، كان عدد مستخدميها حوالي 68 مليون شخص في العالم، رغم ذلك، مقارنةً بأكثر من 1.1 مليار مدخن للتبغ التقليدي على مستوى العالم، فإن التحول إلى تدخين هذه السجائر والبدائل الأخرى لا يزال بطيئاً، إذ لا تمثل هذه الفئة سوى نسبة صغيرة من إجمالي المدخنين.

وأكدت بيانات لعام 2021 أن حوالي 82 مليون شخص يستخدمونها حوال العالم، إنه نمو هائل، زيادة 14 مليون في عام واحد! أما في عام 2024، فقد ارتفع عدد مستخدمي السجائر الإلكترونية والتدخين الإلكتروني عموماً إلى نحو 114 مليون شخص.

اقرأ أيضاً: اتفاقية سورية تركية.. أمل جديد لمرضى السرطان والقلب في سوريا

لكن لماذا يزدهر سوق الفيب بهذه السرعة الهائلة؟

يعدّ سوق السجائر الإلكترونية اليوم من المشاريع العالمية المزدهرة، فقد بلغ حجم هذا السوق العالمي نحو 24.6 مليار دولار في عام 2024، مع توقعات بارتفاع الإيرادات إلى 27.2 مليار دولار في عام 2025، وعلى المدى البعيد، تشير بعض التقديرات إلى أن السوق قد يصل إلى 41.6 مليار دولار بحلول عام 2033.

وهناك عوامل متشابكة تسبب هذا النمو، مثل الحملات التسويقية القوية خصوصاً عبر منصات التواصل الاجتماعي، فهي تلعب الدور الأهم في جذب المستهلكين، لا سيما فئة الشباب التي تجد في التدخين الإلكتروني “موضة عصرية”.

إضافة إلى ذلك، يرى العديد من المستخدمين أن السجائر الإلكترونية خيار اقتصادي مع ارتفاع أسعار السجائر التقليدية في كثير من الأسواق، رغم أن التكلفة تختلف تبعاً لنوع المنتج والضرائب المفروضة، وبالطبع النكهات اللذيذة التي يوفرها المنتج تلعب دوراً كبيراً في انتشارها.

جانب آخر مهم يساهم في انتشار الفيب هو الاعتقاد السائد بين الكثيرين بأنه أقل ضرراً مقارنة بالتدخين التقليدي، وهو ما تدعمه بعض الجهات الصحية مثل هيئة الصحة العامة في إنجلترا، التي أكدت أن التدخين الإلكتروني يقلل الأضرار الصحية بنسبة تصل إلى 95%! وقد شجع هذا الاعتقاد العديد من المدخنين على التحول إلى البديل الإلكتروني.

ولكن هل حقاً هي أقل ضرراً؟

التدخين يبقى تدخيناً، وللسجائر الإلكترونية أضرار لا تقل خطورة عن التبغ العادي، كلا النوعين يسبّبان الإدمان ويعرضان الجسم لمواد كيميائية ضارة.

تحتوي السجائر الإلكترونية على النيكوتين، وهي مادة تسبب الإدمان ولها تأثيرات ضارة على أدمغة المراهقين والأجنة، كما أن بعض الأجهزة تمنح كميات أعلى منه مقارنة بالسجائر العادية.

إضافة لذلك، يشمل بخار هذه السجائر مواد ضارة مثل مركبات كيميائية تسبب أمراض رئوية وسرطانية، ومعادن ثقيلة، كما أن سوائل السجائر الإلكترونية قد تكون سامة، وتسبب حالات تسمم عند الأطفال والكبار، وقد ربطت الأبحاث بين التدخين الإلكتروني وحالات خطيرة من إصابات الرئة، ما دفع مراكز الصحة العالمية للتوصية بعدم استخدامها.

وبسبب هذه الأضرار التي أكدتها دراسات عديدة، يواجه الانتشار العالمي للتدخين الإلكتروني تحديات تنظيمية معقدة، حيث دعت منظمة الصحة العالمية الحكومات إلى تنظيم السجائر الإلكترونية كما هو الحال مع التبغ التقليدي، بما في ذلك حظر جميع النكهات.

ومع ذلك، أظهرت تقارير الهيئة العالمية لسلامة التبغ (GSTHR) أنه حتى عام 2024، يتمتع نحو 54% من البالغين حول العالم بإمكانية الوصول القانوني إلى هذه المنتجات، في حين يعيش 36% منهم في دول تحظر السجائر الإلكترونية، ويوجد 10% في دول لا يوجد فيها تشريعات خاصة.

ووفقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2023، فقد طبقت 87 دولة لوائح متنوعة تشمل تحديد سن الشراء، حظر الإعلانات، ومنع التدخين الإلكتروني في الأماكن العامة المغلقة، بينما اتخذت 33 دولة إجراءات صارمة لحظر بيع السجائر الإلكترونية، ومن بين هذه الدول سوريا، التي حظرت التدخين بشكل كامل منذ عام 2010 داخل المقاهي المغلقة والأماكن الحكومية وغيرها.

اقرأ أيضاً: عقارات الوقف في سوريا: إرث منهوب بأرقام خيالية ومسار استرداد شاق!

فما هو قانون حظر التدخين في سوريا؟

منذ عام 2009، وبموجب مرسوم دخل حيز التنفيذ في 2010، تم فرض حظر شامل على تدخين التبغ والأراجيل داخل المقاهي، بما في ذلك مقاهي الشيشة، المطاعم، المدارس والجامعات، المراكز الصحية، والصالات الرياضية، ودور السينما والمسارح، ووسائل النقل العام، وبالطبع فيما بعد أصبح الحظر مفروضاً على السجائر الإلكترونية سواء تدخينها أو تصنيعها وتسويقها وبيعها وشرائها وتوزيعها.

وبحسب القانون، يُمنع بيع التبغ لمن هم دون سن الثامنة عشرة، ولا يُسمح ببيع السجائر بالتجزئة أو تصنيع أو استيراد أو توزيع أي منتجات تشبه التبغ مثل الحلويات والألعاب.

وهناك عقوبات صارمة لمن يخالف هذه اللوائح، حيث يُعاقب بالسجن والغرامة كل من يدخن في الأماكن العامة المحظور فيها التدخين، ويعاقب أيضاً أصحاب الأماكن العامة ممن سمحوا لأي شخص بالتدخين، أو لم يعلنوا عن منع التدخين في المكان، أو قاموا ببيع السجائر بشكل فردي، أو باعوها لمن هم دون الثامنة عشرة.

ولكن هل حقاً لا أحد يدخن الفيب في سوريا؟

بالطبع لا، يدخن العديد من الناس في سوريا السجائر والأراجيل الإلكترونية، لكن الصورة غير واضحة بشكل كامل، كون الاستيراد ممنوع، كما لا تتوفر إحصاءات دقيقة حول حجم التهريب أو دخول هذه الأجهزة إلى البلاد.

ولكن من خلال متابعة بعض المنتديات ومواقع التواصل، مثل ريديت Reddit، ذكر بعض المستخدمين بأن أغلب هذه السجائر تتوفر عن طريق لبنان، أو من خلال معارف وأشخاص مغتربين يجلبونها بشكل خاص.

ورغم أن التدخين الإلكتروني منتشر نوعاً ما بين السوريين، إلا أن كثر لا يعترفون بذلك بشكل علني، ولا يكشفون عن مصادر حصولهم على هذه السجائر.

ورغم القوانين الصارمة، يبقى الالتزام بها محدوداً على الأرض، حيث تستمر ظاهرة التدخين الإلكتروني والتبغ في العديد من الأماكن ولكل الأعمار! ويواجه تطبيق الحظر تحديات حقيقية بسبب ضعف الرقابة وانتشار السوق السوداء التي توفر هذه المنتجات.

وبالنسبة لعدد الناس الذين يدخنون السجائر الإلكترونية في سوريا، فلا توجد إحصائيات دقيقة، وتقتصر البيانات المتوفرة على دراسة واحدة فقط تناولت عادات التدخين بين الأطباء المقيمين في مستشفى حلب الجامعي.

أجريت هذه الدراسة بين تشرين الأول 2023 وكانون الثاني 2024، وشملت 294 طبيباً عبر استبيان ذاتي قيّم أنماط التدخين والخصائص الديموغرافية والعوامل المؤثرة.

أظهرت النتائج أن معدل انتشار التدخين بين هؤلاء الأطباء بلغ 22.1%، وكان استخدام الأرجيلة هو الأكثر شيوعاً بنسبة 72.3%، ثم السجائر التقليدية بنسبة 49.2%، تليها السجائر الإلكترونية بنسبة 15.4%، و كان الرجال أكثر ميلاً للتدخين مقارنة بالنساء، حيث وصل المعدل لديهم إلى 39.5% مقابل 10.3% للإناث.

اقرأ أيضاً: «سرطان السوشيال ميديا» ينهش ما تبقّى من إنسانيتنا!

أسعار الفيب في سوريا

تتفاوت الأسعار بشكل كبير حسب نوع الجهاز وعدد السحبات فيه، فهناك أجهزة فيها حوالي 10 آلاف سحبة، وبعد نفادها يمكن رمي الجهاز مباشرة، وتصل أسعارها إلى حوالي 100 ألف ليرة، أما الأجهزة التي توفر حوالي 35 ألف سحبة، فهي تتيح إعادة التعبئة عند شخص مختص، ويبدأ سعرها من 150 ألف ليرة.

وهناك نوع آخر من الأجهزة يمكن أن يعيد الشخص تعبئتها بنفسه فيشتري لها زيوت أو سوائل خاصة تعرف بـ”الجوسات”، حيث تتراوح عدد السحبات في هذه الأجهزة 35 إلى 50 ألف سحبة، ويصل سعرها إلى 250 ألف ليرة فأكثر، بينما تتفاوت أسعار الزيوت بين 25 و50 ألف ليرة حسب النوع والجودة… وبحسب تعليقات بعض مستخدمي فيسبوك، هناك أنواع فاخرة قد يصل سعرها إلى 5 ملايين ليرة!

ختاماً، السجائر الإلكترونية بدأت بموضة وانتهت بواقع ينتشر بسرعة، ومعه تتزايد الأسئلة والمخاوف الصحية… وفي سوريا، بين حظرها والانتشار الفعلي، يوجد فجوة كبيرة، لذا الموضوع لا يمكن حلّه بالقوانين فحسب، بل يحتاج لوعي حقيقي، ونقاش مفتوح، وفي النهاية، يبقى القرار بيد الشخص، لكن يجب أن يعلم تماماً ماذا يفيد ويضر صحته.

اقرأ أيضاً: سوق الذهب في سوريا بين فكيّ الأزمة.. أسعار تصاعدية وسمعة متراجعة