في عصر أصبحت فيه الدول تعتمد تقريباً بشكل كامل على الطاقة البديلة، وتتجه نحو الطاقة النظيفة، المتجددة، والمستدامة، تخطو سوريا خطواتها الأولى في هذا المجال بعد خروجها من حرب دامت أكثر من عقد، وبالرغم من صعوبة التخلص من الاعتماد الكامل على النفط والوقود الأحفوري، إلا أن الاعتماد الجزئي يكون أفضل بالنسبة للبيئة من عدم إدماج الطاقة المستدامة.
لذا افتتح وزير الطاقة محمد البشير ومحافظ إدلب محمد عبد الرحمن أولى المشاريع النوعية للطاقة البديلة في الشمال السوري لتغذية محطة المياه في المحافظة، ويعد مشروع الطاقة البديلة عبر منظومة الطاقة الشمسية التي تم إنشاءها في محطة العريشاني بمحافظة إدلب الأكبر على مستوى القطر من حيث مشاريع الطاقة البديلة لضخ المياه، إذ بلغت استطاعتها 1.53 ميغا واط، وستعمل وزارة الطاقة على زيادة استطاعتها لتصل إلى 4 ميغا واط بحس مدير شركة المياه في إدلب، لكن هنا يمكن أن نتساءل عن مستقبل الطاقة البديلة في سوريا، وموقعها على خارطة طريق الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة بعد الحرب.
اقرأ أيضاً: السيارات الكهربائية في طريقها إلى سوريا.. ما القصة؟
مستقبل الطاقة البديلة في سوريا وتحدياتها
استناداً إلى ما وصلت إليه البلدان العربية والأجنبية في الاعتماد على الطاقة البديلة، وجدت الحكومة السورية أن هذا المشروع ضرورة وليست رفاهية بالنسبة لها وللمواطنين الذي عانوا الويلات بسبب الاعتماد على الوقود، فمن منا لا يتذكر أزمات المواصلات، وانقطاع الكهرباء والماء، عدا عن توقف المعامل عن العمل بسبب عدم وجود النفط نتيجة الحصار الاقتصادي.
كل الأسباب السابقة وضعت ملف الطاقة البديلة ضمن أولويات وزارة الطاقة، فما كان منها إلا الاستجابة لهذه الأولوية في تنظيم مؤتمر لدراسة مستقبل الطاقة البديلة وسبل تطوير مع الشركات المختصة في هذا المجال في سوريا وخارجها، ومع عودة رجال الأعمال الراغبين في الاستثمار بمشاريع للطاقة البديلة، وجدت الحكومة بهم وسيلة لتضافر الجهود مع المجتمع المحلي لتحويل الاعتماد الكامل على الطاقة البديلة.
وبما أن هذا المؤتمر كان الأول من نوعه بعد سقوط النظام، كان لا بد من الحديث عن تشابك عمل الشركات التي كانت تعمل في الشمال السوري والشركات التي كانت تعمل تحت سيطرة النظام لوضع الأسس لتفعيل الطاقة البديلة، كما نوه المشاركون على ضرورة تفعيل دور الطاقات البديلة كالطاقة الشمسية واستغلال طاقة الرياح أيضاً في توليد الكهرباء.
لكن إذا أردنا الحديث بعيداً عن المؤتمرات والتخطيطات المستقبلية، ولننظر إلى الواقع الحالي فسنجد أن سوريا تحتاج جهود جبارة لتحقيق مشروع الطاقة البديلة، فمثلاً واقع الكهرباء الذي يشكل الهاجس الأكبر للحكومة يحتاج إلى وقت لتنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة المتنوعة، بالإضافة إلى تحصيل عقود واستثمارات دولية وعربية لتنفيذ هذه المشاريع، فبحسب خبيرة الطاقة السورية الأمريكية سيرين حمشو سوريا تمتلك مقومات الطاقة البديلة من شمس ورياح.
وبحسب حمشو سوريا تمتلك 300 يوم مشمس، هذا يعني أن لمشاريع الطاقة الشمسية النصيب الأكبر في الاحتفاظ بالطاقة على المدى المتوسط والطويل، وهناك استثمارات صغيرة ومتوسطة دون ال 100 مليون دولار موجودة في الداخل على الحكومة تشجيعها.
وفي مجمل حديثها عن الطاقة المتجددة تطرقت أيضاً حمشو إلى طاقة الرياح، وأشارت البيانات الأولية إلى أن هناك سرعة رياح برية ممتازة في ست مناطق متوزعة في سوريا، ممكن أن ينتج عنها تقديرياً 2GW من الطاقة، وهذا ما يغذي 700 ألف منزل بالكهرباء على أقل تقدير.
ويسهل قرب الأماكن التي يوجد فيها سرعة الرياح من محطات النقل وخطوط النقل ذو الجهد العالي 400kv، وقرب بعضها أيضاً من المرافئ في نقل العنفات وتوصيلها بالشبكة.
تشير المصادر والدراسات إلى أن المدة الزمنية التي تحتاجها بناء مزرعة ريحية من 100MW قد تأخذ من سنة ونصف إلى 3 سنوات، طبعاً هذا إذا اعتبرنا أن جميع التراخيص تم الحصول عليها، وهنا يكون دور الشركة المستثمرة توصيل الكهرباء للمحطة فقط، ودور مؤسسة الكهرباء تنظيم التغذية والتوزيع، وإذا كانت العنفات المستخدمة هي عنفات صينية ك Goldwind أو محلية كعنفات WDRVM، والجدير بالذكر أن هذه الدراسات وردت قبل رفع العقوبات عن سوريا، أي أن الفرص الآن أكبر للاعتماد على الطاقة البديلة.
ومن هنا يمكن الحديث عن المشاريع الأضخم، فلتنفيذ مشاريع طاقة رياح متوسطة كمزرعة باستطاعة 100MW تحتاج استثمارات وسطية بقيمة 150 مليون دولار تقريباً، هذه الاستثمارات إما تكون كبيرة 500 مليون دولار تتم عن طريق دول كقطر وتركيا أو عن طريق استثمارات صغيرة (100) مليون دولار.
وهنا يكمن دور الحكومة، فأي مستثمر يحتاج إلى ضمانات من الحكومة كضبط سعر ال LCOE مع حساب التضخم والربح المحتمل على مدى 25-30 سنة, وأي مستثمر يريد ضمان مردوده من هذه الاستثمارات، ويتوجب على الحكومة أن تضبط سعر الكهرباء للطاقة الريحية وتقديم حوافز ضريبية للمطورين لتشجيع الشركات الخاصة والصغيرة للدخول في هذا المجال.
الطاقة المتجددة في زمن النظام السابق
في نبذة صغيرة عن مشاريع الطاقة المتجددة في عهد النظام السابق، تم إنشاء “صندوق دعم استعمال الطاقات المتجددة ورفع كفاءة الطاقة” في نوفمبر 2021، وبلغ حجم الصندوق نحو 10 مليارات ليرة سورية، وهدف إلى تقديم الدعم للمستفيدين على شكل قروض بدون فائدة أو دعم للفوائد على القروض، في خطوة لتشجيع المواطنين على الاعتماد على الطاقة البديلة، ومنحت الحكومة السورية وقتها قروضاً للمواطنين من أجل تركيب أنظمة متجددة في القطاعات المنزلية والزراعية والصناعية والخدمية والتجارية.
لم تكن تكلفة تركيب ألواح شمسية تتناسب مع مدخول الفرد الذي يتراوح بين 30 إلى 50 دولار، وبالرغم من ذلك كان هناك إقبال من قبل بعض المواطنين لتركيب منظومة الطاقة الشمسية، وبلغت تكلفة تركيب نظام الطاقة الشمسية، أحد حلول الطاقة المتجددة في سوريا، في منزل صغير لأغراض الإنارة والأجهزة الكهربائية الأساسية من 18 إلى 36 مليون ليرة سورية، بالإضافة إلى تعقيد الشروط المطلوبة من كفلاء وغيرها للحصول على قرض الطاقة الشمسية.
وفي النهاية، الطاقة البديلة أصبحت ضرورة من ضروريات الحياة في ظل البنى التحتية المدمرة التي تحتاج إلى وقت أطول نسبياً من إنشاء محطات طاقة بديلة في كافة المحافظات السورية.
اقرأ أيضاً: معرض سوريا الدولي للبترول والطاقة والثروة المعدنية سيربترو 2025