الطاقات المتجددة هي عنوان كل دولة متقدمة تسعى إلى تقليص اعتمادها على الوقود الأحفوري، وفي ظل التسابق العالمي لتسخير طاقات الشمس والرياح في خدمة المدن والصناعات، بدأت سوريا تخطو خطوات أكبر نحو تعميم استخدام الطاقة المتجددة في مختلف أنحاء البلاد.
من عتمة المدن وانقطاعات الكهرباء، انطلق المؤتمر الدولي الهندسي الثالث للطاقات المتجددة في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية بجامعة دمشق، بحضور وزيري التعليم العالي والزراعة، وبمشاركة شخصيات عربية ودولية من 38 دولة، من أبرزها السعودية، إيرلندا، وألمانيا.
وبحسب الدكتور مهلب الداود، عميد كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية، فإن اختيار الكلية لاحتضان المؤتمر جاء بهدف ربط الجانب العلمي بالتطبيقي، مشيدًا بمبادرة وزارة الكهرباء التي تضمنت تدريب وتوظيف طلاب السنتين الرابعة والخامسة برواتب شهرية، وربطهم بسوق العمل، مع توقيع عقود مع بعضهم بعد التخرج.
منصة للاستفادة… أم تكرار للوعود؟
المؤتمر، كغيره من المؤتمرات، يهدف إلى تبادل الخبرات ومحاولة تحويل نتائجه إلى واقع عملي. إلا أن ما يميزه هو التركيز على الكفاءات الشابة الطاقية – أي الطاقات العلمية المهدورة – وفقًا لتصريح رئيس قسم الميكانيك في كلية “الهمك” بجامعة دمشق.
من جانبه، أكد الدكتور روحي الأفغاني، نائب الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سوريا، أن مشاركة البرنامج في هذه الفعالية تهدف إلى فهم آليات دعم قطاع الطاقة، مشيراً إلى أن مكتب البرنامج يشكل صلة الوصل بين المانحين ووزارة الكهرباء، للمساهمة في إعادة بناء وتشغيل عدد من المحطات الكهربائية مع دراسة جدوى استخدام الطاقة المتجددة فيها.
ورغم ذلك، يرى بعض المختصين أن هذه المؤتمرات غالباً لا تتجاوز كونها “حبراً على ورق”، حيث تقتصر مخرجاتها على عدد محدود من البنود القابلة للتنفيذ، فالمواطن السوري، بحسب تعبيرهم، ينتظر النتائج العملية لا الوعود، معتبرين هذه المؤتمرات مجرد منصات للعلاقات العامة وتلميع صور المؤسسات الرسمية.
اقرأ أيضاً: ما معاني نماذج BOO وBOT المعتمدة في اتفاقية الطاقة السورية؟
تجارب دولية ناجحة… النموذج الصيني
عند الحديث عن الطاقات المتجددة، لا بد من التفكير أولًا في الطاقات البشرية الشابة التي تقود هذا القطاع نحو التطور. وتُعد التجربة الصينية من أبرز النماذج الناجحة في هذا المجال، حيث تفوقت الصين على كثير من دول العالم.
تبدأ التوعية بقضايا الطاقة والتغير المناخي في الصين منذ المرحلة الابتدائية، عبر إدراج هذه المواضيع ضمن المناهج الدراسية، في حين خصصت الجامعات والكليات المهنية دورات وتخصصات ومراكز أبحاث استجابة للطلب المتزايد.
كما تعمل الحكومة الصينية على ربط الصناعة بالأوساط الأكاديمية من خلال ما يعرف بـ “الابتكار التعاوني بين الصناعة والجامعة والبحث” (IUR)، حيث تدمج موارد المعرفة والتكنولوجيا، وتشجع إنشاء تحالفات بين القطاع الصناعي والجامعات، إضافة إلى إقامة مناطق صناعية متخصصة.
وتُعد الصين أكبر جهة توظيف في قطاع الطاقة المتجددة عالميًا، حيث وفرت نحو 7.4 مليون وظيفة أي ما يعادل 46% من إجمالي وظائف هذا القطاع. ورغم هيمنة الرجال على سوق الطاقة المتجددة عالمياً، فإن نسبة النساء العاملات في هذا المجال بالصين بلغت 27.1% حتى عام 2019، وفقاً للمكتب الوطني للإحصاء الصيني.
إضافة إلى ذلك، تسهم استضافة الطلاب الدوليين في تعزيز الخبرات وتبادل المعارف ضمن قطاع الطاقة المتجددة، إلى جانب تمويل الأبحاث من خلال صندوق خاص بالطاقة النظيفة، يدعم عمليات التطوير والابتكار.
الريادة الصينية في الطاقة المتجددة… ودروس لسوريا
تُعد الصين الدولة الرائدة عالمياً في مجال الطاقة المتجددة، حيث قامت بتركيب أكثر من 373 جيجاواط من مصادر الطاقة النظيفة في عام 2024، وتمتلك حالياً أكبر قدرة إنتاجية من الطاقة الكهرومائية، والطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، كما تحتل المرتبة الأولى في موارد الرياح البحرية.
وفيما يتعلق بالطاقة الشمسية، تنتج الصين 63% من الطاقة الكهروضوئية العالمية، كما أنها أكبر مُصنِّع للألواح الشمسية وأكبر سوق محلية لها.
وبناءً على هذه التجربة، يمكن لسوريا الاستفادة من المساحات الصحراوية والبادية لبناء مزارع طاقة شمسية، وتوفير الكهرباء بشكل مستدام، كما يمكن عقد اتفاقيات مع الصين لاستيراد الألواح بأسعار مناسبة، مع استغلال الرياح النشطة في بعض المناطق لتركيب عنفات ريحية لتوليد الكهرباء.
أما فيما يتعلق بالطاقة المائية، فرغم غياب الينابيع الحارة في سوريا، إلا أنه يمكن استغلال السدود والأنهار الموجودة في توليد الكهرباء، عبر محطات كهرومائية صغيرة أو متوسطة.
في الختام، لا بد من التأكيد أن النهوض بقطاع الطاقات المتجددة في سوريا يتطلب وقتاً واستراتيجية واضحة، لكنه أمر ممكن، خاصة في ظل مرحلة إعادة البناء الاقتصادي، ومن المهم استثمار الدعم الدولي المتاح حالياً، وتوجيهه لبناء منظومة طاقة متجددة متكاملة، تخفف من الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتفتح آفاقاً اقتصادية وبيئية مستدامة للبلاد.
اقرأ أيضاً: الطاقة البديلة في سوريا&#;تحديات تمحى بجهود السوريين