المجتمع السوري

الصيادلة في سوريا يعانون: لا هم قادرون على تحقيق حلمهم ولا التراجع عن دراستهم!

في سوريا افتتاح الصيادلة للصيدلية تعدى كونه خطوة مهنية روتينية لخريجي الصيدلة، بل بات حلم يؤرقهم، بعد سنين من التعب و الجهد والمذاكرة والتدريب يرتطمون بصعوبات الحياة في البلاد، ويقاسون مشقة أن يعملوا بمهنتهم وأن يكون لهم صيدليتهم الخاصة، ولو صغيرة لصرف الأدوية. قبل التحرير افتتاح صيدلية في سوريا كان أشبه بمغامرة شاقة أثقل كاهلها فرض العقوبات وارتفاع الأسعار بشكل فاحش أدخل الخريجين بمتاهة الخلاص منها كان صعب المنال، إذ لامس المليار ليرة سورية افتتاح صيدلية في العاصمة.

ارتفاع التكاليف كان يفوق قدرة معظم الخريجين الصيادلة من الشباب، وانهيار القدرة الشرائية حطّمت أحلامهم. أما بعد التحرير أضيفت تحديات جديدة لواقع الصيادلة، فوجدوا أنفسهم أمام تضاعف في أسعار التجهيزات والأدوية، وتراجع الدعم الحكومي. في هذا المقال سنناقش افتتاح الصيدليات قبل وبعد التحرير، مع عرض التحديات، ومحاولة البحث عن حلول.

ما قبل التحرير: صعوبات افتتاح الصيدلية في سوريا

جملة من التصريحات أطلقها نقيب صيادلة ريف دمشق في العام المنصرم 2024، توّصف واقع الصيادلة في سوريا وما كانوا يواجهون من صعوبات من حيث الضرائب، والربط الالكتروني مع مديرية المالية من أجل التحصيل المالي، إضافةً لمعاملة شهادة الصيدلي التي وصفها بالبسيطة، غافلاً عن ما يتكبده الخريج لتحصيلها.

في احصائية حديثة تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، لعدد الصيدلانيين العاملين والخريجين غير العاملين تبيّن لنا وجود، نحو 70 ألف صيدلاني عامل، و8 آلاف صيدلاني خريج غير عامل إلى جانب 18 ألف طالب صيدلة في عموم سوريا. في حين أكدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أنها تسعى لافتتاح اختصاصات صيدلانية جديدة، مشيرة إلى أهمية التوسّع باختصاص الصيدلة السريرية الذي سيشهد تغييراً جذرياً خلال الفترة القادمة، وتقرر إعادة النظر في آليات القبول.

كما صرّح نقيب صيادلة دمشق أن عدد الخريجين من كلية الصيدلة في دمشق سنوياً يتراوح بين 5500-5600 ألف طالب، موضحاً أن معاملة وضع “شهادة صيدلي إضافي” في صيدلية تمتلك ترخيص دائم وهي معاملة بسيطة، حيث يتم تقديم طلب من قبل الخريج وصاحب الصيدلية في النقابة وبعدها يذهبان إلى الصحة لتوقيعه ومن ثم يتحولان إلى كاتب العدل.

لعلّ أبرز العقبات التي وقفت في وجه خريجي الصيدلة وتمنعهم من افتتاح صيدلياتهم الخاصة، هي “خدمة الريف” التي تحجز الصيدلي لمدة عامين وتجعله أسير الأعباء المادية التي يكبدها للوصول لمكان مزاولة مهنته في الريف مانعةً إياه من ادخار مبالغ لفتح صيدليته أو إيجاد طريقة أخرى لذلك فكل أمواله تذهب على المواصلات ولوازم هذه الخدمة.

فما يلبث خريج كلية الصيدلة أن يخلع ثوب التخرج حتى يواجه أكثر الشروط تعقيداً بالنسبة لخريج المدينة، ألا وهو شرط خدمة الريف لمدة عامين، الذي أضحى هماً يؤرق الصيدلي وذويه من ناحية تأمين ميزانية لافتتاح صيدلية لعامين فقط أو حتى العمل ضمن إحدى الصيدليات أو المعامل في الريف.

إذا ما أردنا غضّ الطرف عن خدمة الريف ونعتبر أن مدتها انتهت وقضاها الصيدلي… الخطوة التالية لها هي امتلاك عقار أو استئجاره لفتح الحلم وتحقيقه “الصيدلية”. في حين سُجلت في العام الفائت أقل تكلفة لإنشاء صيدلية في مناطق ريف الريف، والتي بدأت من 70 مليون في حال كانت المنطقة نائية، مع وجوب تحقيقها الشروط واللوازم الأساسية، بدءاً من وجود مكيف وبراد ومخبر ورفوف خشبية وجدران عازلة لمنع تسرب الرطوبة والحفاظ على الأدوية الموجودة فيها، وبالتالي ستصل تكاليفها إلى 150 مليون ليرة سورية.

في شهر تموز من العام الفائت، قدّرت تكلفة فتح صيدلية في العاصمة دمشق بمليار ليرة سورية، ما بين إجراءات وأدوية، بهذه الحال الصيادلة الخريجون غير قادرين على فتح صيدلياتهم الخاصة، لذلك الأغلب جَنَحَ للعمل في وظيفة، علماً أنّ الرواتب محدودة إذ تتراوح ما بين 800 ألف و1.5 مليون ليرة.

أعداد الخريجين من كلية الصيدلة كبير سنوياً، بالتالي لا يتناسب مع حاجة سوق العمل، فالصيدلاني يمكنه العمل في مجالين طبي وتجاري، مثل المستودعات والمكاتب العلمية، وكمندوب دعاية بمجال الشركات الاستيرادية. وقد كانت هذه الخيارات بديلاً لافتتاح الصيدلية، فقط من أجل تأمين لقمة العيش.

اقرأ أيضاً: إنه موسم الإنفلونزا: كيف نميزها عن كوفيد-19 والحساسية؟

حال الصيدليات في سوريا بعد التحرير

لم يختلف الأمر كثيراً بعد التحرير بل زادت الصعوبات على الصيادلة الخريجين.. وابتعد الحلم أكثر، وإذا استمر الوضع على هذا المنوال فإن الحلم سيتبدد إلى ما شاء الله. الحال بقي كما هو.. ما قبل السقوط هو ذاته ما بعده، بقيت خدمة الريف قابعة على قلوب الخريجين، ذلك القانون المفروض من قبل نقابة الصيادلة منذ زمن النظام السابق.. عاش الخريجون على أمل أن يصبح من الماضي ويلغى لكن لا جدوى تلوح في الأفق، سوى كلام على مواقع التواصل يتحدث عن أن خدمة الريف يمكن إلغائها أو إنقاص مدتها إلى سته أشهر بالتعاون مع وزارة الصحة.

ما زال يُمنع تشغيل أيّ صيدلاني دون أن يكون قد أتم خدمته في الريف، والواقع يقول أن 90% من خريجي الصيدلة لا يستطيعون الخدمة بسبب إقامتهم في المدينة، لكن ما العمل؟؟ فكل الطلبات التي تُقدم للنقابة لإلغاء هذه الخدمة مصيرها الرفض.

كما أن ارتفاع أسعار الإيجارات له تأثير كبير، وهو من أبرز الأسباب التي تعيق أيّ خريج جديد وتمنعه من فتح صيدليته الخاصة، مما يضطره للعمل كموظف في صيدلية أخرى… ناهيك عن أن أقل مبلغ لتأمين مستلزمات الصيدلية من الأدوية يجب أن يبدأ به الصيدلي هو 10,000 دولار، ليغطي معظم الأصناف الدوائية، مع التنويه إلى أن رأس المال هذا في تضخم بسبب دخول شركات جديدة إلى السوق من محافظة إدلب، وحسب تصريحات بعض الصيادلة يشتكون أنهم “ملزمون” بالشراء منها، وبالتالي يزداد عليهم رأس المال. وعن رفع العقوبات أجمع الصيادلة أن تأثيرها لم يكن إيجابي كبير على وضع الصيدليات والمعامل، إذ لم تتعامل أي شركات أجنبية مع سوريا حتى الآن.

اقرأ أيضاً: التحويلات الخارجية إلى سوريا: شريان نجاة أم قيدٌ على التعافي؟

الحلول المقترحة لحل معاناة الخريجين

بناءً على الواقع والمعطيات المتوفرة ما قبل التحرير وما بعده، هناك حاجة ماسة لإنهاء سنتي الخدمة في الريف واستبدالهم بسنتي تخصص وفق قوننة جديدة تحكم عمل الصيادلة أو العمل بما يشاع على وسائل التواصل بخفضها إلى ستة أشهر، وألّا تقتصر الاختصاصات فقط على الخريجين الصيادلة الأوائل. إذ من حق كل خريج صيدلة أن يختار اختصاصه وفق شروط لا تُهمل المجموع لكن لا تقتل الطموح كذلك. كما أنه هناك اختصاصات تجميلية وغيرها تفتقر لها سوريا في عالم الصيدلة، يجب العمل عليها لتوسيع سوق العمل واستيعاب الصيادلة الخريجين.

لا يمكن للخريجين الجدد النهوض دون الدعم الحكومي وتقديم التسهيلات… رغم أن مهنة الصيدلة تُصنف من الأعمال الحرّة إلاّ أنّ لها ارتباطات بالدولة وبالمصلحة العامة عبر النقابة ومديريات الصحة وصولاً للوزارة.. إذ يتحتم على وزارة الصحة بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إعداد كوادر مؤهلة لسوق العمل ودعمهم بفتح مشاريعهم الصغيرة.. إما من خلال فتح باب الاقتراض مع الفوائد البسيطة أو اقتراحات أخرى تخدم الخريجين الجدد وتدعم انطلاقهم في سوق العمل.

إضافةً لإيجاد آليات تسهل استيعاب أعداد الخريجين الهائل في سوق العمل المقبلين على العمل واستغلال طاقاتهم والعمل على توظيفها في المكان الصحيح مع احترام خياراتهم، مع تقديم مساعدات مالية لهم لتأمين عقار ومستلزمات الصيدلية ولو الأساسية منها، والتعاون مع المعامل لتسهيل ورود كميات من الأدوية للخريجين الجدد تساعدهم على الانطلاق.

بالمحصلة، دون إعادة النظر بوضع الخريجين الصيادلة من قبل الوزارة المعنية والحكومة ككل بالتعاون مع الجهات المتعلقة بتعاملات الصيادلة.. لن ينجح أيّ خريج جديد بفتح صيدلية له.. إلاّ إذا كان من أصحاب الثراء الفاحش، والأهم من كل ذلك يجب الفصل بموضوع خدمة الريف المضنية للخريجين والشاقة والتي تستنزف أموالهم ووقتهم وسنتين من عمرهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى