أشجارها الخضراء لا تشبه أي خضرة أخرى، وسماءها الزرقاء تختلف بصفائها وعمقها عن أي مكان آخر… إنها اللاذقية، جوهرة الساحل السوري، التي تأسر طبيعتها الخلابة القلوب من أول نظرة. رغم كل ما مرت به من تحديات خلال سنوات الحرب الطويلة، إلا أن هذه المدينة الجميلة لم تفقد رونقها. اليوم، ومع عودة الموسم الصيفي، تأمل شواطئها وجبالها أن تمتلئ بالسياح من المحافظات السورية والدول المجاورة، لتستعيد بذلك مكانتها التي طالما عرفها بها الجميع.
في هذا المقال، سنتعرف على أجمل المناطق السياحية في اللاذقية لقضاء أوقات صيفية مميزة.
المناطق السياحية في اللاذقية
رغم تشابه طبيعتها في الخضرة والأشجار والبحر والجبال إلا أن كل منطقة من مناطق اللاذقية لها طابعها الخاص وجمالها المختلف، ومع بداية موسم الصيف وإجازة المدارس التي تزامنت أيضاً مع عيد الأضحى، شهدت المدينة حركة سياحية لافتة ونشاط جميل، ويوجد العديد من المناطق التي انتعشت هذا الموسم.
صلنفة
صلنفة، اسمها أشهر من نار على علم، وهي مدينة تقع على ارتفاع 1130 متر فوق سطح البحر، تمتاز بجمال طبيعتها ومناخها المعتدل في الصيف ونسماتها العليلة التي تطفئ حر الصيف، وبارد في الشتاء مع تساقط ساحر للثلوج، وهذا يجعلها مكان مناسب للزيارة على مدار السنة.

ورغم أنها لم تتعرض للدمار خلال الحرب وبقيت تحت سيطرة النظام السابق، إلا أن السياحة فيها عانت كثيراً بسبب الظروف الأمنية… وتضم صلنفة مناطق طبيعية كثيرة مثل جبلي صلنفة والنبي يونس، وبحيرة صلنفة، إضافة إلى قلعتي صلاح الدين والزاهرية، وغابات كثيفة مثل غابة الشوح، ومحمية العذر القريبة منها.
كما تحتوي على فنادق ومرافق سياحية عديدة، ومقاهي ومطاعم، كما يشهد سوقها التجاري حركة لا بأس بها، يوجد كذلك العديد من العمارات والفلل التي توفر خيارات إقامة متنوعة، لذا فهي من الخيارات المرغوبة جداً من قبل السياح هذا العام.
سلمى
بلدة سلمى أيضاً تتربع بين أحضان الجبال الخضراء لتسجل اسمها بين أجمل مناطق ريف اللاذقية، ولطالما كانت بلدة سلمى مقصداً للسياح العرب من مختلف البلدان قبل عام 2011.
واليوم، يسعى العاملون في قطاع السياحة هناك لإعادة الحياة إلى مصيف سلمى من جديد، فكل مقوماتها الطبيعية جاذبة، إذ تقع في منطقة جبل الأكراد، بالقرب من قمة النبي يونس، ما يوفر إطلالات رائعة يزيد من جماليتها المناخ المعتدل.
يمكن للزوار هنا قضاء أوقات ممتعة في التجول بين المسارات الجبلية سيراً على الأقدام، أو استئجار دراجات هوائية لاستكشاف الطبيعة، والاستمتاع بنقاء الهواء وسط الغابات والينابيع.
اقرأ أيضاً: السياحة الثقافية في سوريا والجذب الثقافي
وادي قنديل
ولا تقل منطقة وادي قنديل جمالاً عن سابقاتها، فلا يغادرها زائر دون أن يحمل معها ذكريات لا تُنسى… تحيط بهذه المنطقة المتفردة التي تجمع البحر والجبل، جبالٌ مكسوّة بأشجار الصنوبر والريحان، ويقع شاطئها الرملي بين جبلين، حيث يلتقي مجرى نهري بالبحر مخترقاً الجبال، ومع لون الرمال الأسود المميز الذي لا تراه في أي شاطئ قريب آخر، يخلق هذا الاندماج منظراً طبيعياً ساحراً.
ويضم الشاطئ مطاعم شعبية ومحلات تنور أصيلة، ويستقطب المكان الزوار من مختلف المحافظات، ويوفر لهم فرصاً متعددة للاستمتاع بأنشطة مثل السباحة، التخييم، وركوب الجتسكي والقوارب بالدواسات، والغوص أيضاً.
كسب
أما بلدة كسب فتقع في شمال غرب صلنفة، بالقرب من الحدود السورية مع تركيا وقريبة من ساحل البحر الأبيض المتوسط، وقد تأثرت هذه المنطقة على مدار سنوات ليس بسبب الحرب فحسب، بل أيضاً بسبب إهمال النظام السابق لقطاع السياحة فيها.
في كسب طبيعة ربانية ساحرة ومعالم سياحية متفردة، فترى هناك جبل الأكراد الذي يمنحك إطلالة بانورامية ساحرة على البحر والمناطق المحيطة، ووادي كسب وشلاله المميز، إضافة إلى محمية الفرنساوي والبيئة الطبيعية المتنوعة فيها.
وخلال عيد الأضحى الفائت، شهد تلفريك كسب حركة سياحية نشطة، واستقطب الزوار من مختلف المحافظات السورية وبعض الدول المجاورة، إذ قضوا أوقاتاً ممتعة وسط الطبيعة الساحرة، مستمتعين برحلة تلفريك مميزة تنقلهم بين أحضان الجبال والغابات.
وفي خطوة تهدف لتعزيز السياحة، أجرى محافظ اللاذقية محمد عثمان في أيار الماضي زيارة ميدانية إلى كسب، والتقى حينها بالأهالي وأصحاب المنشآت السياحية ليستمع إلى احتياجاتهم ومتطلباتهم، وشدد على أهمية تنشيط السياحة فيها لما تمتلكه من مقومات بيئية وسياحية فريدة، مؤكداً على ضرورة تطوير البنية التحتية والخدمات المقدمة للسكان، بهدف جذب الاستثمارات السياحية وتحسين جودة الحياة في المنطقة.
اقرأ أيضاً: قلعة القوز احتضان للتاريخ وحكايات مع البحر
مشقيتا
مشقيتا، هذه البلدة الساحرة شمال اللاذقية، بمياهها الصافية وخضرة جبالها وغاباتها، يعود نجمها اليوم للسطوع باعتبارها وجهة مميزة للسياحة البيئية.
تمتد مشقيتا حول بحيرة ضخمة تتخللها سبع مضائق تفصل بينها، لتبدو وكأنها سبع بحيرات مستقلة -خمس منها في سوريا واثنتان في تركيا- و تحيط بالبلدة مساحات واسعة من الغابات المعمرة، التي تضم أشجار البلوط والصنوبر والسنديان، مثل غابة النبي نوح وغابة الشيخ أيوب، والتي يمكن الوصول إليها بالفلوكات، ما يجعل التجربة غامرة خاصة لمن يأتي إليها أول مرة.

وعلى ضفاف بحيرة مشقيتا، ستجذبك من بعيد وأنت في الفلوكة، يابسة كُتِب عليها “جزيرة الأكواخ”، وهي مخيم بيئي فريد من نوعه يعدّ الأول من نوعه في سوريا، يضم استراحات مظللة ومساحات خضراء واسعة تطل على المياه الهادئة.
ويوفر المخيم كذلك كافة المرافق من حمامات وكهرباء، إضافة إلى مطعم يقدم وجبات خفيفة، وجلسة شعبية مميزة.
لكن تواجه بحيرة مشقيتا اليوم تحدياً كبيراً، إذ يشهد منسوب المياه فيها انخفاضاً حاداً بسبب قلة هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، وهو ما يهدد بخسارة هذا الكنز الطبيعي، ليس فقط للسياحة، بل للنظام البيئي بأكمله، حيث تعتمد العديد من النباتات والحيوانات على هذا المسطح المائي للحياة.
الكورنيش البحري
لا يمكن أن تذهب في رحلة إلى محافظة اللاذقية دون المرور بكورنيشها البحري الشهير، الذي يعد من أهم واجهات السياحة والترفيه في المدينة.
وفي خطوة مهمة لتنشيط الحركة الاقتصادية والسياحية فيه، نظم مجلس مدينة اللاذقية مؤخراً جلسة مزاد علني طرحت فيها ثلاثين كشكاً للاستثمار في منطقتي الشاطئ والكورنيش الغربي.
وشهد المزاد منافسة واضحة بين المستثمرين، وأوضح مجلس المدينة أن هذه الخطوة جاءت وفق شروط فنية وإدارية صارمة، تتماشى مع رؤية البلدية في تطوير الواجهة البحرية وتحسين الخدمات السياحية والترفيهية.
هذه المبادرة ليست الوحيدة إنّما تندرج ضمن سلسلة مزادات دورية تهدف إلى تعزيز الاستثمار المحلي وتوفير موارد مالية لدعم المشاريع التنموية والخدمية داخل المدينة.
إلى جانب هذه الوجهات المميزة، يوجد العديد من المناطق التي انتعشت أيضاً في الآونة الأخيرة ولكنها تحتاج إلى الاهتمام وتنشيط القطاع فيها مثل رأس البسيط، أم الطيور، وبرج إسلام في منطقة صليّب التركمان، والذي يتفرد بجماله الخلاب، كان هذا الموقع قد عانى لسنوات طويلة من جمود السياحة فيه واقتصر على سكان المناطق القريبة، وذلك بسبب وجود قصر ومصيف لعائلة الأسد بعد خطوات من الشاطئ، لذا كان يُمنع أن تخطو خطوة واحدة بعد مسافة معينة، وحُرِم الناس من التجول في تلك المنطقة الساحرة واقتصرت الرحلات والنزهات على قسم بسيط من الشاطئ.
ختاماً، تستحق اللاذقية أن تحظى بالاهتمام، وأن تقلب صفحة جديدة تدوّن فيها أرقاماً مثيرة في أعداد الزوار والسياح، بعد أن عاشت سنوات من التهميش نتيجة احتكار النظام السابق للاستثمار السياحي من قبل دائرة ضيقة من المتنفذين، ما أدى إلى تدهور كبير في الأماكن السياحية.
اقرأ أيضاً: أهم المعالم السياحية في الساحل السوري