الكاتب: أحمد علي
في محافظة السويداء جنوب سوريا، حيث تنحني الجبال أمام صمتٍ ثقيل لا يقطعه سوى نداءات التغيير، يُعقد مؤتمر جديد يأمل منظموه أن يكون بداية لمسار وطني نحو رؤية موحدة. لكنه في الوقت ذاته، يطرح تساؤلات عن حجم التباينات، ومدى تمثيل هذه اللقاءات لإرادة الناس، بل حتى عن جدوى محاولة معالجة ملفات متشعبة من خلال يوم واحد من النقاش.. فما هي تفاصيل مؤتمر «سوريا الواحدة» وإلامَ يهدف؟ وما هي فرص نجاحه؟!
تتجه الأنظار إلى السويداء التي رفعت عنوان لافت: «مؤتمر السويداء العام إلى سوريا الواحدة الموحّدة»، حيث يلتقي ممثلون عن أطياف اجتماعية وسياسية ودينية بهدف كسر الجمود القائم، وخلق أرضية مشتركة تتيح التفاوض مع السلطة المركزية في دمشق على أسس وطنية جامعة.
مؤتمر «سوريا الواحدة»: دعوة للمّ الشمل
المؤتمر الذي يُعقد الثلاثاء المقبل، يستمر ليوم واحد فقط، ويجمع نحو 120 شخصية من أبناء المحافظة بدعوة من شخصيات من المغتربين في أوروبا وأميركا. ويهدف إلى تشكيل «أمانة عامة» تُعنى بصياغة رؤية موحّدة حول مستقبل السويداء ضمن سوريا، كما تسعى لأن تكون هذه الهيئة حلقة وصل بين المحافظة والدولة.
في السياق ذاته، يشدد القائمون على المؤتمر أن المبادرة تنطلق من ضرورة معالجة الخلافات الداخلية في السويداء، وليس الانفصال عنها، مؤكدين على «الخط الوطني» كمرجعية جامعة لا تحتمل التأويل.
اضطراب وتوتر وفوضى في الهامش
يأتي هذا المؤتمر في ظل واقع سياسي وأمني متوتر. فمنذ التغيير الذي شهده المشهد السوري في الثامن من كانون الأول الماضي، بات واضحاً أن السويداء بما تمثل لم تتلقَّ إشارات إيجابية كافية من المركز، ما زاد من حالة الإحباط والتوتر.
وقد شهدت المحافظة مؤخراً أحداثاً دامية، خاصة في ريف دمشق المتاخم، والتي تسببت في تصعيد غير مسبوق بعد انتشار مقطع فيديو يُقال إنه أساء للإسلام، الأمر الذي أجّج المشاعر، وأدى إلى احتجاجات شملت في ختامها اقتحام مبنى المحافظة، وانتهت بمغادرة المحافظ مصطفى البكور إلى العاصمة، وطلب الاستقالة من الرئيس الانتقالي أحمد الشرع.
يرى فراس العيسمي، المنسق العام للمؤتمر، أن ما يحدث في السويداء لا يعدو كونه اختلافاً في الوسائل وليس في الأهداف. ويؤكد أن كل المكونات في المحافظة من أحزاب ونخب اجتماعية ودينية أبدت موافقتها على الحضور، مضيفاً: «نحن لا نطلب شيئاً خارقاً، بل فقط تطبيق ما يجب على السلطة تجاه أبنائها».
وبحسب العيسمي، فإن «الأمانة العامة» المزمع تشكيلها ستكون الجهة التي تحدد الاتجاه المستقبلي للتعامل مع الدولة، مع الحفاظ على الثوابت الوطنية.
مطالب سياسية وأمنية
المؤتمر سيتطرق إلى ملفات حساسة بينها المطالبة بنظام لا مركزي، وتأمين طريق دمشق – السويداء الذي يتعرض بين حين وآخر لمخاطر أمنية، إضافة إلى مناقشة مسألة انتشار السلاح العشوائي ووجود الفصائل المسلحة غير النظامية.
كما سيتناول المؤتمر قضية الحماية الدولية التي أثارها البعض، والتي تبقى – بحسب العيسمي – مجرد مداخلات ستُناقش داخل الجلسات من دون التزام واضح مسبق بأي طرح.
وأكدت حركة «رجال الكرامة»، أبرز القوى الفاعلة في المحافظة، تلقيها دعوة للمشاركة. والناطق باسمها، باسم أبو فخر، شدد على ضرورة التمسك بالحوار سبيلاً وحيداً للخروج من حالة الانغلاق السياسي، مضيفاً: «نحن مع أي مخرجات تحفظ كرامة أهلنا وتؤمّن حقوقهم».
ولفت إلى أن أولى خطوات حلحلة الأزمة تبدأ بتسوية أوضاع أهل المحافظة الموجودين في مناطق دمشق وريفها، في ظل الحديث عن نوايا لترحيلهم قسراً إلى السويداء، وهو ما تعتبره الحركة خطوة مرفوضة.
أكاديمي ينتقد: العنوان أكبر من حجم الأزمة
في إطار تعليقه على المبادرة، اعتبر الكاتب والباحث جمال الشوفي، وهو من أبناء السويداء، أن عقد مؤتمر تحت هذا العنوان «الوطني» الكبير قد لا ينسجم مع طبيعة المشكلة، مؤكداً أن السويداء ليست في نزاع وجودي مع الدولة، بل تعاني من سوء إدارة وتهميش.
الشوفي الذي شارك مؤخراً في وفد التقى بالرئيس أحمد الشرع، أوضح أن القضايا الأساسية التي يجب العمل عليها تتعلق بتثبيت الضابطة العدلية، ودمج الفصائل بوزارة الدفاع، وتأمين طريق دمشق – السويداء، إضافة إلى ضبط إطلاق القذائف وحل مشاكل طلاب الجامعات.
وفي تقييمه، يعتقد الشوفي أن المطلوب ليس مؤتمراً بقدر ما هو الحاجة إلى تشكيل لجان متابعة تنطلق من المرجعيات الدينية والاجتماعية، وتعمل بالتنسيق مع السلطة على تنفيذ مطالب محددة، ضمن رؤية واقعية بعيدة عن الشعارات.
ويضيف: «ما يُطرح من خلافات سياسية لا يستوجب عقد مؤتمر وطني، بل جلسات حوارية مفتوحة على مستوى سوريا، لا في السويداء فقط». ويعبّر عن مخاوفه من أن تتحول مخرجات المؤتمر إلى وعود غير قابلة للتطبيق أو لا تلقى قبولاً من الجميع.
وبحسب الشوفي، فإن اللقاء مع الرئيس الشرع حمل الكثير من المؤشرات الإيجابية، حيث تم استقبال الوفد بحفاوة، وجرى نقاش جاد حول آليات الحل المقترحة. ووفق ما يتحدث، فإن الرئيس أبدى تفهماً كبيراً لخصوصية السويداء، لكنه في الوقت ذاته حذّر من أن استمرار الوضع الأمني الهش قد يؤدي إلى تهميش المحافظة في أي انفتاح اقتصادي قادم.
الحوار بديل المواجهة
من جانبه، يرى الناشط معن أبو الحسن أن لا خيار أمام أبناء السويداء والسلطة المركزية سوى انتهاج الحوار طريقاً وحيداً لتجاوز حالة الاستعصاء السياسي والأمني الراهنة، بما يضمن وحدة المصير وصون الأرض، بعيداً عن منطق التصعيد والمواجهة. ويؤكّد أن الحكومة في دمشق حريصة على استقرار السويداء كما هي حريصة على بقية مناطق البلاد، لاسيما أن بسط سيطرتها الكاملة هناك يتناغم مع سعيها لتعزيز الأمن ضمن إطار الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي تلتزم بها.
إلا أن هذا الحرص، بحسب أبو الحسن، لم يُترجم فعلياً على الأرض، بل قابله نوع من التراخي والإهمال في معالجة الملفات الخدمية العاجلة على حد تعبيره، وهو ما يتناقض مع الجهود التي بذلها المحافظ السابق مصطفى البكور قبل استقالته، حيث سعى بجدية لمعالجة التحديات المتراكمة داخل مؤسسات المحافظة، رغم الإرث الثقيل من الإهمال والترهل الذي خلّفته السياسات السابقة.
ويعتبر أبو الحسن أن هذه المرحلة تتطلب تفعيل دور شعبي فعّال قادر على كسر الجمود القائم، عبر إنشاء لجان مختصة تُدير قنوات تواصل مستدامة وهادئة مع الحكومة بعيداً عن الأجواء المتشنجة للزيارات الرسمية. كما يشدّد على أهمية تهيئة الظروف الملائمة لعودة البكور أو تعيين بديل يحظى بالثقة والكفاءة لإعادة تحريك عجلة العمل التنفيذي في المحافظة. ويحذّر من أن استمرار الشك المتبادل بين السلطة وأهالي السويداء قد يؤدي إلى انزلاق خطير، تتحوّل فيه المطالب المشروعة بالأمن والعدالة إلى شرارة لأزمات جديدة تعيد إنتاج العنف أو تدفع بالمنطقة نحو مزيد من العزلة، رغم أنها ما تزال تحافظ على تماسكها الاجتماعي وتمسكها العميق بالهوية الوطنية السورية.
جلسة حوارية تمهّد الطريق..
وفي سياق المساعي الرامية إلى تجاوز حالة الاستعصاء في السويداء، شكّلت الجلسة الحوارية التي انعقدت مؤخراً محطة تمهيدية بالغة الأهمية قبيل انعقاد المؤتمر العام المرتقب، حيث أعادت التأكيد على أن الحوار الوطني الصادق هو السبيل الوحيد للحفاظ على وحدة سوريا ونسيجها الاجتماعي. وأظهرت النقاشات عمق التفاهم بين المشاركين ورفضهم القاطع لأي خطاب طائفي أو إقصائي، مجددين تمسكهم بدولة موحدة تكفل الحقوق والحريات لجميع أبنائها. وكان لافتاً الحضور الواسع لشريحة الطلاب، الذين طالبوا ببيئة تعليمية خالية من التحريض والانقسام، ما يعكس عمق القلق الشعبي من تداعيات الخطاب المتطرّف، ويبرز الحاجة إلى معالجة فورية لهذه القضايا.
هل تنجح «الأمانة العامة»؟
يبقى الرهان على ما ستتمخض عنه «الأمانة العامة» التي يسعى المؤتمر لتشكيلها، وإذا ما كانت ستُحدث فرقاً حقيقياً في العلاقة بين السويداء والدولة، أو ستظل حبراً على ورق.
وفي النهاية، لا يمكن عزل مبادرات كهذه عن السياق الوطني العام، ولا عن حالة التشرذم التي تعيشها مختلف المحافظات السورية. لكن لعل محاولة حوار من داخل المجتمع المحلي، حتى وإن كانت محدودة، تبقى أفضل من السكون، وتفتح الباب أمام مقاربات جديدة لأزمة تراوح مكانها منذ سنوات.
اقرا أيضاً: ما بين اتفاق السويداء وغارات الكيان.. ما الذي تريده «إسرائيل» بالضبط؟!